الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان شروط الجمعة .

اعلم أنها تشارك جميع الصلوات في الشروط ، وتتميز عنها بستة شروط .

الأول ؛ : الوقت فإن وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة ، وعليه أن يتمها ظهرا أربعا .

التالي السابق


(بيان شروط الجمعة)

اعلم أن الجمعة فرض الوقت ، والظهر بدل عنها ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وزفر ، ومحمد بن الحسن في رواية عنه ، وقيل : الفرض الظهر ، وبه قال الشافعي في القديم ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وقال محمد في رواية أخرى عنه : الفرض أحدهما . هكذا نقله القسطلاني .

قلت : وفي الروضة للنووي : الجمعة فرض عين ، وحكى ابن كج وجها أنها فرض كفاية ، وحكى قولا ، وغلطوا حاكيه . قال الروياني : لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي . أهـ .

وقال أصحابنا : صلاة الجمعة فرض عين بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، ونوع من المعنى ، فالكتاب قوله تعالى : إذا نودي الآية ، والسنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة حق واجب على كل مسلم . . . الحديث في أخبار كثيرة ، وأما الإجماع ، فظاهر ، وأما المعنى ، فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة ، والظهر فريضة ، ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض آكد ، وأولى منه ؛ فدل على أن الجمعة آكد من الظهر في

[ ص: 218 ] الفرضية ، وقد نسب بعض المتعصبين الجهلة إلى إمامنا عدم افتراضها تعللا بظاهر عبارة المختصر لأبي جعفر القدوري : ومن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله لا عذر له كره له ذلك ، وجازت صلاته ، وقد غلطوا في هذا الموضع ، والصحيح حرم عليه ، وصحت الظهر ، فالحرمة لترك الفرض الذي هو الجمعة ، وصحة الظهر لوجود وقت أصل الفرض ، ولكنه موقوف على السعي إلى الجمعة ، فإذا سعى بطل ظهره . والله أعلم .

وإذا عرفت ذلك ، فاعلم (أنها تشارك سائر الصلوات) الفرائض الخمس (في) الأركان ، و (الشروط ، وتتميز عنها) ، أي : عن الفرائض الخمس باشتراط أمور زائدة ؛ منها ما هي لصحتها ، ومنها ما هي لوجوبها ، ومنها ما هي آداب تشرع فيها ، فما اختصت عنها لصحتها أشار إليه المصنف بقوله : (بستة شروط ؛ أولها : الوقت) ، فلا تقضى الجمعة على صورتها بالاتفاق ، ووقتها وقت الظهر ، ولو خرج الوقت ، أو شكوا في خروجه لم يشرعوا فيها ، ولو بقي من الوقت ما لا يسع خطبتين ، وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها ؛ بل يصلون الظهر . نص عليه في الأم ، ولو شرعوا فيها في الوقت ، ووقع بعضها خارجه فاتت الجمعة قطعا ، ووجب عليهم إتمامها ظهرا على المذهب ، وإليه أشار المصنف بقوله : (فلو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة ، وعليه أن يتمها ظهرا) ، وفيه قول مخرج أنه يجب استئناف الظهر ، فعلى المذهب يسر بالقراءة من حينئذ ، ولا يحتاج إلى تجديد نية الظهر على الأصح ، وإن قلنا بالمخرج ، فهل تبطل صلاته أم تنقلب نفلا ؟ قولان ، ولو شك هل خرج الوقت وهو في الصلاة ، أتمها ظهرا في الأصح ، وجمعة على الثاني ، ولو سلم الإمام والقوم التسليمة الأولى في الوقت والثانية خارجه صحت جمعتهم ، ولو سلم الإمام الأولى خارج الوقت فاتت جمعة الجميع ، ولو سلم الإمام وبعض المأمومين الأولى في الوقت ، وسلمها بعض المأمومين خارجه ، فمن سلم خارجه ، فظاهر المذهب بطلان صلاتهم ، وأما الإمام ومن سلم معه في الوقت ، فإن بلغوا عددا تصح بهم الجمعة صحت لهم ، ثم سلامه ، وسلامهم خارج الوقت إن كان مع العلم بالحال تعذر بناء الظهر عليه قطعا لبطلان الصلاة ، إلا أن يغيروا النية إلى النفل ، ويسلموا ، ففيه ما سبق ، وإن كان من جهل منه لم تبطل صلاته ، وهل يبني ، أو يستأنف فيه الخلاف المذكور .




الخدمات العلمية