الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة .

ينبغي أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود والرفع منهما ولا في سائر الأعمال ولا ينبغي أن يساويه بل يتبعه ويقفو أثره فهذا معنى الاقتداء فإن ساواه عمدا لم تبطل صلاته كما لو وقف بجنبه غير متأخر عنه .

فإن تقدم عليه ففي بطلان صلاته خلاف ولا يبعد أن يقضي بالبطلان تشبيها بما لو تقدم في الموقف على الإمام بل هذا أولى لأن الجماعة اقتداء في الفعل لا في الموقف فالتبعية في الفعل أهم .

وإنما شرط ترك التقدم في الموقف تسهيلا للمتابعة في الفعل وتحصيلا لصورة التبعية ؛ إذ اللائق بالمقتدى به أن يتقدم فالتقدم عليه في الفعل لا وجه له إلا أن يكون سهوا .

ولذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير فيه فقال : " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " .

التالي السابق


( مسألة) :

وهي العاشرة، اعلم أنه يجب على المأموم متابعة الإمام، فحينئذ ( لا ينبغي أن يتقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود والرفع منهما وفي سائر الأعمال) والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الإمام بحيث يكون ابتداء كل واحد منها متأخرا عن ابتداء الإمام به ومتقدما على فراغه منه، ( و) لذا قال المصنف ( لا ينبغي أن يساوقه) مساوقة ( بل يتبعه ويقفو أثره) على الوجه الذي ذكرنا ( فهذا معنى الاقتداء) والمتابعة .

ويشترط تأخر جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام، ويستحب للإمام أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف ويأمرهم به ( فإن ساوقه عمدا) في غير التكبير ( لم تبطل صلاته) ، هذا شروع في بيان مخالفة المأموم لإمامه، وهي على ثلاثة أحوال: المساوقة وهي المقارنة، والتخلف، والتقدم. وذكر في المساوقة عدم بطلان صلاة المأموم ولو عمدا ( كما لو وقف بجنبه غير متأخر عنه) فإنه كذلك لا تبطل صلاته .

ثم أشار إلى الحال الثاني من أحوال المخالفة فقال ( فإن تقدم) أي: المأموم ( عليه) أي: على الإمام ( بركن ففي بطلان صلاته خلاف) .

قال الرافعي : إن تقدم على الإمام بالركوع أو غيره من الأفعال الظاهرة، فينظر إن لم يسبق بركن كامل بأن ركع قبل الإمام، فلم يرفع حتى ركع الإمام لم تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا، وفي وجه شاذ: تبطل إن تعمد .

فإذا قلنا: لا تبطل. فهل يعود؟ وجهان: المنصوص، وبه قال العراقيون: يستحب أن يعود إلى القيام ويركع معه .

والثاني: وبه قطع صاحب "النهاية" و"التهذيب": لا يجوز العود، فإن عاد بطلت صلاته، وإن فعله سهوا، فالأصح أنه مخير بين العود والدوام، والثاني: يجب العود فإن لم يعد بطلت صلاته، وإن سبق بركنين فصاعدا بطلت صلاته، إن كان عامدا عالما بتحريمه، وإن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل، لكن لا يعتد بتلك الركعة، فيأتي بها بعد سلام الإمام .

وإن سبق بركن مقصود بأن ركع قبل الإمام ورفع والإمام في القيام، ثم وقف حتى رفع الإمام واجتمعا في الاعتدال، فقال الصيدلاني وجماعة: تبطل صلاته. قالوا: فإن سبق بركن غير مقصود كالاعتدال بأن اعتدل وسجد والإمام بعد في الركوع، أو سبق بالجلوس بين السجدتين بأن رفع رأسه من السجدة الأولى وجلس، وسجد الثانية والإمام بعد في الأولى؛ فوجهان .

وقال العراقيون: التقدم بركن لا يبطل، وهذا أصح وأشهر، وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه هذا في الأفعال الظاهرة، فأما تكبيرة الإحرام فالسبق بها مبطل، وأما الفاتحة والتشهد ففي السبق بهما أوجه الصحيح لا يضر بل يجزيان، والثاني تبطل الصلاة، والثالث لا تبطل وتجب إعادتهما مع قراءة الإمام أو بعدها .

( ولا يبعد أن يقضي بالبطلان) أي ببطلان الصلاة في حال التقدم ( تشبيها بما لو تقدم في الموقف على الإمام) فإنه يبطل الاقتداء ( بل هو أولى لأن الجماعة اقتداء في الفعل لا في الموقف فالتبعية في الفعل أهم) وآكد، ( وإنما شرط ترك التقدم في الموقف) على الإمام ( تسهيلا للمتابعة في الفعل وتحصيلا [ ص: 325 ] لصورة التبعية؛ إذ اللائق بالمقتدى به) الذي هو الإمام ( أن يتقدم فالتقدم عليه في الفعل لا وجه له إلا أن يكون سهوا) فلا تبطل، فإن كان عامدا تبطل، وهذا من المصنف تقوية للوجه الشاذ في المذهب الذي ذكره الرافعي ، وظاهر سياقه في الوجيز هو الذي أوردناه أولا، وهذا الكتاب لما تأخر تأليفه ظهر له خلاف ما ذكره في كتبه فهو خالف العراقيين وغيرهم من أئمة المذهب؛ فتأمل ذلك .

( ولذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه النكير) أي الإنكار، ( وقال: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار") .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة . ا.هـ .

قلت: اتفق عليه الستة، ولفظ البخاري: "أما يخشى أحدكم - أو لا يخشى أحدكم - إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار" أخرجه عن حجاج، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة . ولفظ أبي داود: "أما يخشى الذي يرفع رأسه، والإمام ساجد" رواه عن حفص بن عمر، عن شعبة، فهو نص في السجود، فيحمل ما رواه البخاري على ما رواه أبو داود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود؛ لأن الحكم فيهما سواء، ولو كان الحكم مقصورا على الرفع من السجود لكان لدعوى التخصيص وجه. قال: وتخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود من باب الاكتفاء كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر ، ولم يعكس الأمر لأن السجود أعظم. وعند مسلم: "أن يجعل الله وجهه وجه حمار". وعند ابن حبان: "أن يحول الله رأسه رأس كلب" والظاهر أن الاختلاف حصل من تعدد الواقعة أو من تصرف الرواة .

وأخرج الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه من حديث جابر بن سمرة: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره". واختلف في هذه الأحاديث، فقيل: ذلك حقيقة، وقيل: بل هو مجاز عن البلادة والجهل والخسة. والأخير رجحه المصنف كما سيأتي، ثم إن ظاهر الأحاديث المذكورة يقتضي تحريم الفعل المذكور المتوعد عليه بالمسخ وخطف البصر، وبه جزم النووي في المجموع، لكن تجزئ الصلاة، وأبطلها أحمد والظاهرية، وقال ابن مسعود لرجل سبق إمامه في الصلاة: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت. وقال صاحب الفيض: ليس للتقدم على الإمام سبب إلا الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبله .




الخدمات العلمية