الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولهذه الصلاة فضل عظيم .

وقيل إنها : المراد بقوله عز وجل تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صلى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين وقال صلى الله عليه وسلم : من عكف نفسه فيما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو بقرآن كان حقا على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام ، ويغرس له بينهما غراسا لو طافه أهل الأرض لوسعهم وسيأتي بقية فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


( ولهذه الصلاة) في هذا الوقت ( فضل عظيم) قال صاحب القوت: ( وقيل: إنه المراد بقوله) تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع . وقال صاحب [ ص: 372 ] القوت: حدثنا عن فضيل بن عياض، عن أبان بن أبي عياش قال: سئلت امرأة أنس بن مالك فقالت: إني أرقد قبل العشاء، فنهاها، وقال: نزلت هذه فيما بينهما: تتجافى جنوبهم عن المضاجع . اهـ .

والمشهور أن المراد به صلاة الليل بعد النوم. ( وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى ما بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين) . قال العراقي: رواه ابن المبارك في الرقائق من رواية ابن المنكدر مرسلا. اهـ .

قلت: وكذا رواه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل، عنه مرسلا، وفي القوت أبو صخر سمع محمد بن المنكدر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى.. ثم ساقه. اهـ .

وأبو صخر هو حميد بن زياد الخراط المدني اختلف فيه، والمراد بالأوابين هم الراجعون إلى الله بالتوبة، والإخلاص في الطاعة، وترك متابعة الهوى أو المسبحون أو المطيعون، وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إليهم؛ لأن النفس تركن فيه إلى الدعة، والاستراحة خصوصا إذ كانت ذا كسب وحرفة، أو إلى الاشتغال بالأكل والشراب، كما جرت به عادة أهل الزمان، فصرفها حين ذاك إلى الطاعة، والاشتغال فيه بالصلاة أوب من مراد النفس إلى مراضاة الرب تعالى، وقد لوحظ هذا المعنى أيضا في صلاة الضحى؛ فإنها بإزاء هذا الوقت؛ فلذلك ورد صلاة الضحى: "صلاة الأوابين". فافهم .

( وقال صلى الله عليه وسلم: من عكف نفسه ما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة) أي: دعاء ( أو قرآن) أي: تلاوته، والمراد به الذكر ( كان حقا على الله) أي: من باب التفضل والمنة ( أن يبني له قصرين في الجنة) أي: قصر لكونه صلى المغرب مع جماعة .

والثاني: انتظاره العشاء ( مسيرة كل قصر منهما مائة عام، ويغرس له بينهما) أي: بين الجنتين ( غراسا) أي: من أنواعها ( لو طاف أهل الدنيا لوسعهم) ، وهذا الثواب مقيد بأمور منها أن يصلي المغرب في جماعة، فلو صلى وحده لم ينل ذلك، ومنها أن يكون ذلك في مسجد جماعة، والمراد به مسجد الحي، فلو صلى في منزله بجماعة، أو في مسجد صغير قريب من منزله غير مسجد الحي لم ينل ذلك، ومنها أن يعكف نفسه بعد أن يفرغ من سبحته بعد الفرض فيمكث في موضعه الذي صلى فيه إلا لضرورة، فمن لم يفعل ذلك لم ينل ما ذكر، ومنها أن لا يلغو في حال مكثه وانتظاره، وهو التكلم بكلام الدنيا وأهلها، بل يسكت عنه، فمن لغا فقد حبط عمله، ومنها أن يكون غالب اشتغاله في ورده قراءة القرآن أو الدعاء، والتسبيح، والاستغفار، فمن اشتغل بما لا يعنى من القراءة، لم ينل ما ذكر .

فهذه الأمور لو تأملها الإنسان فإنها وإن كانت سهلة، لكنها صعبة على كثير من الناس .

قال العراقي: أخرجه أبو الوليد الصفار في كتاب الصلاة من طريق عبد الملك بن حبيب بلاغا من حديث ابن عمر . اهـ .

قلت: أورده صاحب القوت، عن سعيد بن جبير ، عن ثوبان رفعه: من عكف نفسه.. الحديث ( وستأتي بقية فضائلها في كتاب الأوراد إن شاء الله تعالى) ونشرح هناك ما يليق بالمقام .




الخدمات العلمية