الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس في كيفية الصلاة ؛ فليخرج الناس مكبرين في الطريق .

وإذا بلغ الإمام المصلى لم يجلس ولم يتنفل ويقطع الناس التنفل .

التالي السابق


( السادس في كيفية الصلاة؛ فليخرج الناس) من منازلهم ( مكبرين في الطريق) جهرا في الأضحى اتفاقا، وفي الفطر خلافا لأبي حنيفة، وقد تقدم .

( فإذا بلغ الإمام المصلى) ، وهو الموضع المعد لصلاة العيد خارج البلد ( لم يجلس) فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيد إلى المصلى، ولا يبتدئ إلا بالصلاة، ( ولم يتنفل) الإمام ( وللناس التنفل) قبلها وبعدها، اعلم أنهم اختلفوا في جواز النفل قبل صلاة العيد وبعدها لمن حضرها في المصلى أو في المسجد؛ فقال أبو حنيفة : لا يتنفل قبلها، ويتنفل إن شاء بعدها، وأطلق، ولم يفرق بين المصلى ولا غيره، ولا بين أن يكون هو الإمام أو يكون مأموما، وقال مالك: إن كانت الصلاة في المصلى فإنه لا يتنفل قبلها، ولا بعدها سواء كان إماما أو مأموما، وإن كانت في المسجد فعنه روايتان، إحداهما المنع من ذلك؛ كما في المصلى، والأخرى له أن يتنفل في المسجد قبل الجلوس وبعد الصلاة، خلاف المصلى، وقال الشافعي: يجوز أن يتنفل قبلها وبعدها في المصلى وغيره، إلا الإمام فإنه إذا ظهر للناس لم يصل قبلها وبعدها، وقال أحمد: لا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها لا الإمام ولا المأموم، لا في المصلى، ولا في المسجد .

وقد اختلفت في هذه المسألة الرواية والعمل؛ فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، عن ابن عمر أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى بالناس فلم يصل قبلها ولا بعدها. وعن الشعبي قال: رأيت ابن أبي أوفى وابن عمر وجابر بن عبد الله وشريحا وابن معقل لا يصلون قبل العيد ولا بعده. وعن سعيد بن جبير أنه كان جالسا في المسجد الحرام يوم الفطر فقام عطاء يصلي قبل خروج الإمام، فأرسل إليه سعيد أن اجلس. فجلس عطاء؛ فسئل سعيد عن هذا فقال عن حذيفة وأصحابه وعن ابن مسعود أنه كان إذا كان يوم أضحى أو يوم فطر طاف في الصفوف فقال: لا صلاة إلا مع الإمام. وعن الشعبي كنت بين مسروق وشريح في يوم عيد فلم يصليا قبلها ولا بعدها. وعن ابن سيرين قال: كان لا يصلي قبل العيد ولا بعده. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأي الشعبي إنسانا يصلي بعدما انصرف الإمام فجبذه. وعن ابن الحنفية قال: لا صلاة قبلها ولا بعدها. وعن عمرو بن عبد الله [ ص: 393 ] الأصم أنه خرج مع مسروق في يوم عيد قال: فقمت أصلي فأخذ بثيابي فأجلسني، ثم قال: لا صلاة حتى يصلي الإمام.



ثم عقد بابا فيمن كان يصلي بعيد أربعا، فأخرج عن أبي إسحاق قال: كان سعيد بن جبير وإبراهيم وعلقمة يصلون بعد العيد أربعا .

وعن يزيد بن أبي زياد، قال: رأيت إبراهيم، وسعيد بن جبير، ومجاهدا، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، يصلون بعدها أربعا .

وعن جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان علقمة يجيء يوم العيد فيجلس في المصلى، ولا يصلي حتى يصلي الإمام، فإذا صلى الإمام قام فصلى أربعا، وعن صالح بن حي أنه سمع الشعبي يقول: كان عبد الله إذا رجع يوم العيد صلى في أهله أربعا .

وعن الأسود بن هلال قال: خرجت مع علي، فلما صلى مع الإمام قام فصلى بعدها أربعا.

وعن الأعمش ، عن إبراهيم، عن علقمة، وأصحاب عبد الله أنهم كانوا يصلون بعد العيد أربعا، ولا يصلون قبلها شيئا .

وعن عبدة، عن عاصم قال: رأيت الحسن وابن سيرين يصليان بعد العيد ويطيلان القيام.

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أنه كان يصلي يوم العيد قبل الصلاة أربعا وبعدها أربعا .

وعن منصور، عن إبراهيم قال: كان الأسود يصلي قبل العيدين قال: وكان علقمة لا يصلي قبلها، ويصلي بعدهما أربعا .

وعن الحكم، عن إبراهيم قال: كفاك بقول عبد الله يعني في الصلاة بعد العيد .

ثم ذكر من رخص في الصلاة قبل خروج الإمام يعني يوم العيد؛ وعن قتادة، أن أبا برزة كان يصلي في العيد. وعن التميمي أنه رأى أنسا والحسن وسعيد بن أبي الحسن وجابر بن زيد يصلون قبل الإمام في العيدين. وعن مكحول أنه كان يصلي في العيدين قبل خروج الإمام. اهـ .

وروى ابن ماجه والحاكم من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته - وفي لفظ إذا رجع إلى منزله - صلى ركعتين. وروى الترمذي عن ابن عمر نحوه، وصححه. وهو عند أحمد والحاكم، وله طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط. ولكن فيه جابر الجعفي، وهو متروك .

وأخرج البزار من حديث الوليد بن سريع عن علي في قصة له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها، فمن شاء فعل، ومن شاء ترك، ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلى .

وأخرج البيهقي عن جماعة منهم أنس أنهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام. وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها.

وقال الشيخ الأكبر قدس سره: والذي أقول به: إن الموضع الذي يخرج إليه لصلاة العيد لا يخلو من أن يكون مسجدا في الحكم كسائر المساجد فيكون حكم الآتي إليه حكم من جاء إلى مسجد، فمن يرى تحية المسجد فليتنفل كما أمر في ركعتي المسجد، وإن كان فضاء غير مسجد موضوع فهو مخير إن شاء الله تنفل، وإن شاء لم يتنفل، والاعتبار أن المقصود في هذا اليوم فعل ما كان مباحا على جهة الفرض والندب خلاف ما كان عليه ذلك الفعل في سائر الأيام فلا يتنفل فيه سوى صلاة العيد خاصة الفرائض إذا جاءت أوقاتها، فإن حركة الإنسان في ذلك اليوم في أمور مقربة مندوب إليها، وفي فرض، ومن كان في أمر مندوب إليه مربوط بوقت فينبغي أن يكون له الحكم من حيث إن الوقت لذلك المندوب المعين فهو أولى به فلا يتنفل، وقد ندب إلى اللعب والفرح والزينة في ذلك اليوم، فلا يدخل مع ذلك مندوبا آخر يعارضه، فإذا زال زمانه حينئذ له أن يبادر إلى سائر المندوبات، ويرجع ما كان مندوبا إليه في هذا اليوم مباحا فيما عداه من الأيام. وهذا هو فعل الحكيم العادل في القضايا فإن لنفسك عليك حقا. واللعب واللهو والطرب في هذا اليوم من حق النفس فلا تكن ظالما لنفسك، فتكون كمن يقوم الليل ولا ينام. فإن تيقظت فقد نبهتك .




الخدمات العلمية