الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال سفيان الثوري يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشرة ركعة ، وبعد عيد الأضحى ست ركعات ، وقال : هو من السنة .

التالي السابق


( وقال سفيان) بن سعيد ( الثوري) رحمه الله تعالى ( يستحب أن يصلي بعد عيد الفطر اثنتي عشر ركعة، وبعد عيد الأضحى ستا، وقال: هو من السنة) . قال العراقي : لم أجد له أصلا في كونه سنة، وفي الحديث الصحيح ما يخالفه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها، ولا بعدها .

وقد اختلفوا في قول التابعي: من السنة كذا، والصحيح أنه موقوف، فأما قول تابع التابعين كذلك كالثوري؛ فإنه مقطوع. اهـ .

قلت: لكن أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف عن جماعة من السلف أنهم كانوا يصلون بعد العيد أربعا؛ منهم ابن مسعود وعلي وبريدة رضي الله عنهم، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود، ومجاهد، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، والحسن، وابن سيرين . وقد تقدم شيء من ذلك عنهم .



( فصل) في ذكر مسائل منثورة تتعلق بالعيدين من شرح الرافعي، وغيره

الأولى يستحب رفع اليدين في التكبيرات الزوائد، ويضع اليمين على اليسرى بين كل تكبيرتين، وفي العدة ما يشعر بخلاف فيه .

قلت: وقال أصحابنا: لا نرفع الأيدي إلا في فقعس صمعج، والعينان للعيدين، وهو سنة، يرفع يديه عند كل تكبيرة منهن، ويرسلهما في أثنائهن، ثم يضعهما بعد الثالثة، وقد تقدم .

وقال البيهقي في السنن في باب رفع اليدين في تكبير العيدين ذكر فيه حديث ابن عمر في الرفع عند القيام والركوع والرفع منه من طريق [ ص: 409 ] بقية، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، ولفظه: ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها للركوع، وقد احتج به البيهقي وابن المنذر، إلا أن بقية مدلس، وقال ابن حبان : لا يحتج به، وقال أبو مسهر: أحاديث بقية غير نقية، فكن منها على تقية، ورواه البيهقي أيضا من طريق أخرى فيه ابن لهيعة، وابن لهيعة حاله معلوم، وتقدم الكلام عليه، وذكر البيهقي في كتاب المعرفة أن الشافعي رضي الله عنه قاس رفع اليد في تكبير العيدين على رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح، وحين أراد أن يركع، وحين رفع رأسه. قال - يعني الشافعي -: فلما رفع في كل ذكر يذكر الله قائما أو رافعا إلى قيام من غير سجود لم يجز، إلا أن يقال: يرفع المكبر في العيدين عند كل تكبيرة كان قائما منها .

قلت: الرفع في هذه المواضع الثلاثة مشهور مذكور في الصحيحين وغيرهما من عدة طرق من حديث ابن عمر ، وغيره، فإذا قاس الشافعي الرفع في تكبير العيدين على الرفع في هذه المواضع الثلاثة، كان اللائق بالبيهقي أن يذكر الرفع في هذه المواضع الثلاثة من طريق جيدة، ولا يقتصر في هذا الباب على هذه الطريق التي فيها بقية وابن لهيعة، وأظنه إنما عدل إليها لما فيها من قوله، ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع لدخول تكبيرات العيدين في هذا العموم، وهذه العبارة لم تجئ فيما علمنا إلا في هذه الطريق، وجميع من روى هذا الحديث من غير هذه الطريق لم يذكروا هذه العبارة، وإنما لفظهم: وإذا أراد أن يركع رفعهما، أو نحو هذا من العبارة، وهذا اللفظ الذي وقع في هذا الباب من طريق بقية يحتمل وجهين: أحدهما إرادة العموم في كل تكبيرة تقع قبل الركوع، وتندرج في ذلك تكبيرات العيدين، والظاهر أن البيهقي فهم هذا في هذا الباب، والثاني إرادة العموم في تكبيرات الركوع لا غير، وأنه كان يرفع في جميع تكبيرات الركوع، كما هو المفهوم من ألفاظ بقية الرواة، والظاهر أن هذا هو الذي فهمه البيهقي أولا، فقال قبل هذا: باب السنة في رفع اليدين كلما كبر للركوع، وذكر حديث بقية هذا، فعلى هذا لا تندرج فيه تكبيرات العيدين؛ فإن أريد الوجه الأول، وهو العموم الذي تندرج فيه تكبيرات العيدين، فعلى البيهقي فيه أمران أحدهما الاحتجاج بمن هو غير حجة لو انفرد، ولم يخالف الناس؛ فكيف إذا خالفهم؟ والثاني أنه إذا احتج به دخلت تكبيرات العيدين في عمومه، لا حاجة إلى هذا القياس الذي حكاه عن الشافعي، وإن أريد الوجه الثاني، وهو العموم في تكبيرات الركوع لا غير لم تندرج فيه تكبيرات العيدين؛ فصح القياس، لكن وقع الخطأ من الراوي حيث أراد تكبيرات الركوع لا غير، فأتى بعبارة تعم تكبيرات الركوع وغيرها، والظاهر أن الوهم في ذلك من بقية، والله أعلم .



الثانية: قال الرافعي : ولو شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل، ولو كبر ثمان تكبيرات، وشك هل نوى التحريم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة، ولو شك في التكبيرة التي نوى التحريم بها جعلها الأخيرة وأعاد الزوائد، ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه، ولا يزيد عليه في الأظهر، ولو ترك الزوائد لم يسجد للسهو. اهـ .

وقال أصحابنا: إن قدم التكبيرات في الركعة الثانية على القراءة جاز؛ لأن الخلاف في الأولوية، وكذا لو كبر الإمام زائدا عن الثلاثة يتابعه المقتدي إلى ست عشرة تكبيرة؛ فإن زاد لا يلزمه متابعته؛ لأنه بعدها محظور بيقين؛ لمجاوزته ما وردت به الآثار .



الثالثة: قال الرافعي : لو نسي التكبيرات الزوائد في ركعة، فتذكر في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولم يكبر، فإن عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته، فلو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة؛ فقولان: الجديد الأظهر: لا يكبر لفوات محله، والقديم: يكبر لبقاء القيام، وعلى القديم لو تذكر في أثناء الفاتحة قطعها وكبر، ثم استأنف القراءة، وإذا تدارك التكبير بعد الفاتحة استحب استئنافها، وفيه وجه ضعيف أنه يجب، ولو أدرك الإمام في أثناء القراءة، وقد كبر بعض التكبيرات، فعلى الجديد لا يكبر ما فاته، وعلى القديم يكبر، ولو أدركه راكعا ركع معه، ولا يكبر بالاتفاق، ولو أدركه في الركعة الثانية، كبر معه خمسا على الجديد، فإذا قام إلى ثانيته كبر أيضا خمسا. اهـ .

وقال أصحابنا المسبوقين: يكبر فيما فاته على قول أبي حنيفة، وإذا سبق بركعة يبتدئ في قضائها بالقراءة، ثم يكبر [ ص: 410 ] لأنه لو بدأ بالتكبير والى بين التكبيرات، ولم يقل به أحد من الصحابة، فيوافق رأي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان أولى، وهو تخصيص لقولهم المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار، وإن أدرك الإمام راكعا أحرم قائما، وكبر تكبيرات الزوائد قائما أيضا إن أمن فوت الركعة بمشاركة الإمام في الركوع، وإلا يكبر للإحرام قائما، ثم يركع مشاركا للإمام في الركوع، ويكبر الزوائد منحنيا بلا رفع يد؛ لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام بخلاف الفعل، والرفع حينئذ سنة في غير محله، ويفوت السنة التي في محلها، وهي وضع اليدين على الركبتين، وإن رفع الإمام رأسه سقط عن المقتدي ما بقي من التكبيرات؛ لأنه إن أتى به في الركوع لزم ترك المتابعة المفروضة للواجب، وأنه أدركه بعد رفع رأسه قائما لا يأتي بالتكبير؛ لأنه يقضي الركعة مع تكبيراتها، كذا في فتح القدير لابن الهمام، والله أعلم .



الرابعة: قال الرافعي : ويستحب استحبابا متأكدا إحياء ليلة العيد بالعبادة؛ قال النووي : وتحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل، وقيل: تحصل بساعة، وقد نقل الشافعي رضي الله عنه في الأم، عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده، ونقل القاضي حسين، عن ابن عباس أن إحياء ليلة العيد أن تصلي العشاء في جماعة، ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة. والمختار ما قدمته. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان .

وقال الشافعي: واستحب كل ما حكيت في هذه الليالي، والله أعلم. اهـ .

قلت: وقد وردت أحاديث تدل على ما ذكره؛ فأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت : من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وأخرج الحسن بن سفيان، عن ابن كردوس، عن أبيه: من أحيا ليلتي العيد، وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وأخرج الديلمي وابن عساكر وابن النجار من حديث معاذ : من أحيا الليالي الأربع، وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر. هذه الأحاديث الثلاثة هكذا أوردها الحافظ السيوطي في الجامعين، وفي كل منهما كلام .

أما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أيضا الحسن بن سفيان أيضا، وفي سنده بشر بن رافع متهم بالوضع، وفي سند الطبراني عمر بن هارون البلخي ضعيف، قال الحافظ بن حجر: وقد خولف في صحابيه، وفي رفعه، وأخرجه ابن ماجه من حديث بقية، عن أبي أمامة بلفظ: من قام ليلتي العيد لله محتسبا لم يمت قلبه حين تموت القلوب. وبقية صدوق، ولكنه كثير التدليس، وقد رواه بالعنعنة، ورواه ابن شاهين بسند فيه ضعيف ومجهول، وأما حديث معاذ، فقال الحافظ في تخريج الأذكار: هو غريب، وعبد الرحيم بن زيد العمي راوية متروك. اهـ .

وسبقه ابن الجوزي، فقال: حديث لا يصح، وعبد الرحيم قال: يحيى كذاب، وقال النسائي : متروك، وقد استدل النووي في الأذكار باستحباب الإحياء بحديث عبادة قال: فإنه، وإن كان ضعيفا، لكن أحاديث الفضائل يسامح فيها، والله أعلم .



الخامسة: قال الرافعي : السنة لقاصد العيد المشي، فإن ضعف لكبر أو مرض فله الركوب، وللقادر الركوب في الرجوع. اهـ .

قلت: وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج للعيد ماشيا وروي مثله، عن علي، وإن راحلته كانت تقاد إلى جنبه، وقال بعض أصحابنا: الأفضل للمشايخ الركوب، وللشبان المشي .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع، عن جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : من استطاع منكم أن يأتي العيد ماشيا فليفعل، وعن الحارث عن علي قال: من السنة أن يأتي العيد ماشيا، وعن عمر بن الخطاب أنه خرج في يوم فطر أو أضحى في ثوب قطن متلببا به يمشي، وعن إبراهيم أنه كره الركوب إلى العيدين والجمعة، ولكن روى عن الحسن البصري، أنه كان يأتي العيد راكبا، وأما ما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة فلا أصل له. نبه عليه الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي.



السادسة: قال الرافعي : يستحب في عيد الفطر أن يأكل شيئا قبل خروجه إلى الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يرجع، قال النووي، ويستحب أن يأكل المأكول تمر إن أمكن، ويكون وترا، والله أعلم .

قلت: هذا، وقد أخرجه البخاري من حديث أنس رفعه، كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل كل تمرات، ويأكلهن وترا.

[ ص: 411 ] وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن أنس رفعه: كان يفطر يوم الفطر على تمرات، ثم يغدو، عن الحارث، عن علي قال: اطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى، وعن ابن عباس : قال: إن من السنة أن لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم، وعن أبي حسين قال: غدوت مع معاوية بن سويد بن مقرن يوم فطر، فقلت له: يا أبا سويد، هل طعمت شيئا قبل أن تغدو؟ وقال: لعقت لعقة من عسل. وعن ابن علية، عن يحيى بن أبي إسحاق قال: أتيت صفوان بن محرز يوم فطر فقعدت على بابه حتى خرج علي فقال لي كالمعتذر أنه كان يؤمر في هذا اليوم أن يصيب الرجل من غدائه قبل أن يغدو، وإني أصبت شيئا فذاك الذي حبسني، وأما الآخر فإنه يؤخر غداءه حتى يرجع، وعن ابن علية، عن ابن عوف قال: كان ابن سيرين يؤتى في العيدين بفالوذج، فكان يأكل منه قبل أن يغدو، وعن عبد الله بن شداد أنه مر على بقال يوم عيد فأخذ منه قبسة فأكلها، وعن الشعبي قال: إن من السنة أن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر .

وعن أم الدرداء قالت: كل قبل أن تغدو يوم الفطر، ولو تمرة .

وعن السائب بن يزيد قال: مضت السنة أن تأكل قبل أن تغدو يوم الفطر، وعن مجاهد مثل ذلك، وعن إبراهيم أنه بلغه أن تميم بن سلمة خرج يوم الفطر، ومعه صاحب له، فقال لصاحبه: هل طعمت شيئا؟ قال: لا، فمشى تميم إلى بقال، فسأله تمرة أو غير ذلك، ففعل، فأعطاه صاحبه فأكله، فقال إبراهيم: ممشاه إلى رجل سأله أشد عليه من تركه الطعام لو تركه، وقد روي عن جماعة من التابعين مثل ذلك، وقد استحبه أصحابنا لذلك، ومنهم من قيد التأخير يوم الأضحى في حق من يضحي ليأكل من أضحيته أولا، أما في حق غيره فلا، وقد نقل الرخصة في ذلك عن جماعة فأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى المصلى يوم العيد، ولا يطعم، وعن إبراهيم أنه قال: إن طعم فحسن، وإن لم يطعم فلا بأس، ومن أصحابنا من جعل الطعام قبل الصلاة مكروها، وهذا ليس بشيء، والمختار استحبابه، ولو لم يأكل لم يأثم، ولكن إن لم يأكل في يومه يعاقب، والله أعلم .



السابعة: قال الرافعي : إذا وافق يوم العيد يوم جمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا فاتتهم الجمعة فلهم أن ينصرفوا، ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد، وعلى الشاذ عليهم الصبر للجمعة. اهـ .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فأخر الخروج، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم صلى ولم يخرج إلى الجمعة، فعاب ذلك أناس عليه، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب السنة. فبلغ ابن الزبير فقال: شهدت العيد مع عمر فصنع كما صنعت.

وعن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان، ووافق يوم جمعة، فقال: إن هذا يوم اجتمع فيه عيدان للمسلمين؛ فمن كان هاهنا من أهل العوالي فقد أذنا له أن ينصرف، ومن أحب أن يمكث فليمكث، وعن أبي عبد الرحمن قال: اجتمع عيدان على عهد علي فصلى بالناس، ثم خطب على راحلته، ثم قال: يا أيها الناس، من شهد منكم العيد فقد قضى جمعته إن شاء الله تعالى، وعن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإذا اجتمع العيدان في يوم قرأ بهما فيهما، وعن أبي رملة قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، قال: من شاء أن يصلي فليصل، وعن عطاء بن السائب قال: اجتمع العيدان في يوم فقام الحجاج في العيد الأول، فقال: من شاء أن يجمع معنا فليجمع، ومن شاء أن ينصرف فلينصرف، ولا حرج. فقال أبو البحتري وميسرة: ما له قاتله الله؟! من أين سقط على هذا؟!



الثامنة: قال أصحابنا: الخطبة شرعت لتعلم الأحكام المتعلقة بالعيدين، ففي الفطر يبين أحكام صدقة الفطر، ومن تجب عليه، ولمن تجب، ومم تجب، ومقدار الواجب ووقت الوجوب، وفي الأضحى يبين من تجب عليه الأضحية ومم تجب وسن الواجب، ووقت ذبحه والذابح، وحكم أكله، والتصدق، والهدية، والادخار منه، لجواز أن لا يعلمها بعض الحاضرين، إلا أن ابن نجيم قال في البحر: ينبغي للخطيب أن يعلمهم تلك الأحكام في الجمعة التي يليها العيد ليأتوا بها في محالها لأن بعضها يتقدم على [ ص: 412 ] الخطبة، فلا يفيد ذكرها الآن، قال قلته تفقها، ولم أره منقولا، والعلم أمانة. اهـ .

قلت: والمتعارف بين الخطباء خلاف ذلك، فإنهم لو كلفوا الآن ببيان تلك الأحكام قبل العيد نسبوهم إلى ما لا ينبغي، فالأولى الإبقاء على ما تعارفوه، وتوارثوه، والله أعلم .



التاسعة: اجتماع الناس في مكان مخصوص يوم عرفة بكشف الرؤوس، ورفع الأصوات بالدعاء، وتسميتهم ذلك تعريفا بدعة تترتب عليه مفاسد عظيمة من اجتماع الرجال والنساء والأحداث، وقد منع من ذلك السلف فلا ينبغي الإقدام عليه، وليس له أصل في السنة، والبدعة إذا لم تستلزم سنة فهي ضلالة، وربما نقل بعض أصحابنا عن أبي يوسف ومحمد في غير رواية الأصول أنه لا يكره، وهو شاذ، وتعليل بعضهم بأن ابن عباس فعل ذلك بالبصرة غير متجه؛ فإنه إن صح عنه ذلك فهو محمول على أنه كان لمجرد الدعاء، لا للتشبه بأهل الموقف. وقال عطاء الخرساني: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل، والله أعلم .



العاشرة: قال أصحابنا: اختلف في قول الرجل لغيره يوم العيد: تقبل الله منا ومنك؛ روي عن أبي أمامة الباهلي، وواثلة بن الأسقع أنهما كانا يقولان ذلك .

قال أحمد بن حنبل : سند حديث أبي أمامة جيد، وروي مثله، عن الليث بن سعد، وذكر صاحب القنية هذه المسألة واختلاف العلماء فيها، ولم يذكر الكراهة عن أصحابنا، وعن مالك أنه كره، وقال: هو من فعل الأعاجم، وعن الأوزاعي : أنه بدعة، والأظهر أنه لا بأس به لما فيه من الأثر، والله أعلم .



( الخاتمة) :

في بيان الحديث المسلسل بيوم العيد أخبرني به شيخنا الفقيه المحدث رضي الدين عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين المزجاجي الحنفي الزبيدي رحمه الله تعالى بقراءتي عليه في يوم عيد الفطر بين الصلاة والخطبة بمسجد الأشاعرة بمدينة زبيد سنة 1163، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكي سماعا عليه في يوم عيد الفطر بالمسجد الحرام بين الصلاة والخطبة ح، وأخبرني أعلى من ذلك شيخنا الإمام المحدث عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني الشافعي المكي قراءة مني عليه بالمسجد الحرام في يوم عيد الفطر بين الصلاة والخطبة، قالا: أخبرنا الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن سالم بن محمد البصري الشافعي المكي سماعا عليه بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا الإمام شمس الدين محمد بن العلاء البابلي سماعا عليه في يوم عيد الفطر، قال: أخبرنا الإمام أبو النجا سالم بن محمد السنهوري سماعا عليه في يوم عيد الفطر بالجامع الأزهر ح، وأنبأني به أيضا شيخنا الإمام الناسك جار الله أحمد بن عبد الرحمن الأشبوي رحمه الله تعالى إجازة مشافهة بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا المسند أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الفاسي في يوم عيد بالجامع الأزهر، أخبرنا محمد بن عبد الكريم العباسي المدني الخطيب، قال: أخبرنا أبو الضياء علي بن علي الشبراملسي قال هو والبابلي أيضا: أخبرنا الشهاب أحمد بن خليل السبكي، قال: أخبرنا الشمس محمد بن عبد الرحمن العلقمي سماعا عليه في يوم عيد بالجامع الأزهر ح، وقال شيخنا الثاني: وشيخ شيخنا الأول، وأخبرنا أيضا الإمام المسند الحسن بن علي بن يحيى الحنفي المكي، أخبرنا عيسى بن محمد الثعالبي، ومحمد بن محمد بن سليمان السوسي قالا: أخبرنا النور علي بن محمد بن عبد الرحمن الأجهوري، والقاضي شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي الحنفي سماعا عليهما وإجازة منهما في يوم عيد أو بين العيدين قالا: أخبرنا كذلك الشيخان المسندان عمر بن الجاي، والبدر حسن الكرخي الحنفيان ح، وزاد شيخ شيخنا الثالث، وهو محمد بن عبد الله الفاسي فقال: وأخبرنا به أيضا الإمام المحدث أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي قال: أخبرني به جدي الإمام أبو البركات عبد القادر بن علي الفاسي قال: أخبرني به الإمام الناسك أحمد بابا السوداني، عن والده أبي العباس أحمد أفيت التنبكتي ح، وزاد البابلي فقال: وأخبرنا أيضا الفقيه المعمر علي بن يحيى الزيادي، قال هو والتنبكتي : أخبرنا المسند الأصيل السيد يوسف بن عبد الأرميوني، زاد الزيادي، فقال: والمسند يوسف بن زكريا الأنصاري، قال الأرميوني والكرخي، وابن الجاي العلقمي : أخبرنا الإمام الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي سماعا [ ص: 413 ] عليه، فلبعضهم على شرطه، وأجازه منه للجميع. ح، وزاد السنهوري فقال: وأخبرنا أيضا نجم السنة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الغيطي، أخبرنا الصلاح محمد بن عثمان الديلمي، قال هو ويوسف بن زكريا: أخبرنا الإمام الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، قال هو والحافظ السيوطي : أخبرنا الإمام الحافظ تقي الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي سماعا لكل منهما بالمسجد الحرام في يوم عيد فطر بين الصلاة والخطبة في تاريخين مختلفين، قال السخاوي: بزيادة دار الندوة من المسجد الحرام، قال: أخبرنا به الإمام أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهرة المخزومي والإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة السلمي سماعا عليهما تجاه الكعبة في يوم السبت سنة 806 في يوم عيد فطر بين الصلاة والخطبة، وعلى الأول أيضا في يوم عيد الأضحى بمنى سنة 808، وقراءة عليه أيضا مرة أخرى في يوم الأربعاء نهار عيد الفطر سنة 823 بين الصلاة والخطبة بالمسجد الحرام، قالا: أخبرنا به الفقيه الجمال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المعطي الأنصاري، قال الأول: سماعا، وقال الآخر: بقراءتي عليه في يوم عيد الفطر بين الصلاة والخطبة ح، قال السخاوي : وأخبرني أعلى من ذلك بدرجة شيخي حافظ العصر شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني بقراءتي عليه في يوم عيد أضحى قال: أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر المقدسي إذنا فيما بين العيدين قال هو وابن عبد المعطي : أخبرنا الإمام الحافظ الفخر عثمان بن محمد بن عثمان التوزري المكي، قال ابن عبد المعطي سماعا عليه في يوم عيد فطر بعد الصلاة والخطبة سنة 671، وقال الآخر: إذنا فيما بين العيدين، قال: أخبرنا به الفقيه البهاء أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة ابن المسلم ابن بنت الجميزي سماعا عليه في يوم عيد فطر أو أضحى ح، قال السخاوي : وأخبرني به أيضا الإمام أبو محمد عبد الوهاب بن محمد الحنفي قراءة عليه بالقاهرة في يوم عيد أضحى قال هو وابن ظهيرة أيضا: أخبرنا به الجمال أبو محمد عبد الله بن العلاء بن الحسن الباجي، قال الأول مشافهة فيما بين العيدين .

وقال ابن ظهيرة : سماعا في عيدي فطر وأضحى قال: أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن النضير بن أمين الدولة الحنفي في يوم عيد أضحى بين الصلاة والخطبة، أخبرنا به أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن رواج كذلك، قال هو وابن الجميزي : أخبرنا الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي، قال ابن بنت الجميزي سماعا عليه بالإسكندرية في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة .

وقال ابن رواج : بينهما من العيدين .

قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله الأبنوسي ببغداد في عيدي فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة، والحاجب أبو الحسن علي بن محمد بن العلاف البغدادي بها في يوم عيد فطر بعد الصلاة والخطبة، وأبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقرئ بأصبهان بين العيدين، قال الأول: أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري في عيدي فطر وأضحى بين الصلاة والخطبة، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف الجرجاني بها بينهما من عيد فطر خاصة، حدثنا علي بن محمد بن زاهر الوراق بينهما من عيد أضحى، وقال الثاني: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الحمامي المقرئ في فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة، حدثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي المؤدب لفظا، كذلك حدثني أبو الحسن علي بن أحمد القزويني في المصلى في العيدين بين الصلاة والخطبة، وقال الثالث وهو أعلى: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ في يوم عيد بين الصلاة والخطبة، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمران بن موسى الأسناني بين أضحى وفطر ح، وقال النجم الغيطي : وأخبرنا الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن عمر النشيلي سماعا من لفظه في يوم الأضحى بين الصلاة والخطبة سنة 924، أخبرنا الحافظ قطب الدين أبو الخير محمد بن محمد بن عبد الله الحيضري الدمشقي سماعا عليه في يوم عيد الأضحى سنة 891 قال: حدثنا الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين إملاء من حفظه ولفظه في يوم عيد الأضحى على المنبر بين الصلاة والخطبة سنة 836، أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن إبراهيم الفرضي بقراءتي عليه بالمزة، وسمعت منه في يوم عيد فطر وأضحى، قال: أخبرني أبو [ ص: 414 ] عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميدي الصالحي قراءة عليه، وأنا أسمع في سنة 769 ح، وقال الحافظان السخاوي والسيوطي، وأخبرنا أيضا المسند أبو عبد الله محمد بن عقيل الحلبي -قال السخاوي مشافهة بحلب، وقال السيوطي مكاتبة - قال: أخبرنا الصلاح أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي، وهو آخر من سمع منه على الإطلاق قال هو وابن عبد الحميد: أخبرنا الفخر أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الشهير بابن البخاري، أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد، أخبرنا أبو المواهب بن ملوك سماعا عليه في يوم عيد، وهبة الله بن أحمد الحريري، قال ابن ملوك: أخبرنا القاضي أبو الطيب الطبري، وتقدم سنده .

وقال هبة الله: أخبرنا إبراهيم بن عمر البغدادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا أبو الخير أحمد بن الحسين بن أبي خالد الموصلي بعكبرى في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة، أخبرنا أبو بكر محمد بن سعيد الأشناني الباهلي قال هو وأحمد بن عمران القزويني وابن داهر : أخبرنا أبو عبيد الله أحمد بن محمد بن فراس بن الهيثم الخطيب ابن أخت سليمان بن حرب في فطر وأضحى إلا الثالث فقال: أو أضحى على الشك، ولزم ذلك كذلك إلى آخر السند كلهم بين الصلاة والخطبة، حدثنا بشر بن عبد الوهاب الأموي مولى بشر بن مروان بدمشق فيهما، كذلك حدثنا وكيع بن الجراح فيهما، كذلك حدثنا سفيان بن سعيد الثوري كذلك، حدثنا ابن جريج كذلك، قال: حدثنا عبد الله بن عباس كذلك قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فطر وأضحى، فلما فرغ من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: أيها الناس قد أصبتم خيرا، فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم حتى يسمع الخطبة فليقم، هكذا اتصل بنا إلى الفراسي من طريق هؤلاء الأربعة. قال الحافظ السخاوي في الجواهر المكللة. وأخرجه الديلمي في مسنده، عن الحداد أحدهم على الموافقة، بل وقع لي أيضا من طريق أبي سعيد أحمد بن يعقوب بن أحمد بن إبراهيم الثقفي السراج، والقاضي أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عبيد الهمذاني، ومحمد بن أحمد الواسطي، وأبي حفص القصير، كلهم عن الفراسي، وهو المنفرد به .

ولذا تردد الذهبي في الميزان في الواضع له بينه وبين شيخه بشر، وقد رواه سعيد بن حماد أبو عثمان أخو نعيم وسعيد بن سليمان سعدويه، وعمرو بن رافع، ومحمد بن الصباح، ومحمد بن يحيى بن أيوب، ومحمود بن آدم، ونعيم بن حماد، وهدير، ويوسف بن عيسى كلهم عن الفضل بن موسى السيناني، عن ابن جريج، عن عطاء، فقال: عن عبد الله بن السائب المخزومي بدل ابن عباس ، وذكر المتن مرفوعا، ولم يسلسلوه. وقال ابن خزيمة عقب تخريجه له من حديث نعيم: إنه غريب غريب، لا نعلم أحدا رواه غير الفضل، وكان هذا الحديث عند ابن عمار عنه، فلم يحدثنا به بنيسابور حدثه به أهل بغداد على ما أخبرني به بعض العراقيين، وقال الحاكم عقب تخريجه من حديث يوسف: إنه صحيح على شرطهما .

قلت: لكن قال ابن معين : إن ذكر ابن السائب فيه خطأ غلط فيه الفضل، وإنما هو عن عطاء يعني مرسلا، وساقه البيهقي كذلك من حديث قبيصة، عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس العيد، ثم قال: من شاء أن يذهب فليذهب، ومن شاء أن يقعد فليقعد، وللحديث طرق أخرى مسلسلة من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أشد دهاء من الطريق الأولى، وقد شهد ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد ففي صحيح البخاري من طريق عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس يقول: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، ثم خطب، ثم أتى النساء فذكر حديثا، وقوله: يوم فطر أو أضحى هو شك من الراوي، وقد جاء عن ابن عباس الجزم بأنه يوم عيد الفطر، وبالله التوفيق. هذا كله كلام الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى، وبه نختم الباب .




الخدمات العلمية