الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين ، وإذا شرب شربة صلى ركعتين ، وكذلك في كل أمر يحدثه .

وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب بعضها يتكرر مرارا كالأكل ، والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر .

التالي السابق


( وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين، وإذا شرب شربة صلى ركعتين، وكذلك في كل أمر يحدثه) يصلي عنده ركعتين، وهذا مشهد المستغرق بنعمة الله تعالى، وتلك الصلاة عند كل ما يحدثه هي صلاة شكر على نعمه التي تتجدد عليه في كل أمر وحال يحدثه .

( وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله تعالى) ، وهو على وجه العموم، ( وهي على ثلاث مراتب بعضها يتكرر مرارا) في اليوم، والليل ( كالأكل، والشرب) مثلا ( فيبدأ فيه باسم الله عز وجل) على سبيل التبرك، والاستمداد، فقد ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال) أي حال شريف يحتفل به، ويهتم كما يفيده التنوين المشعر بالتعظيم ( لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر) .

الكلام على هذا الحديث من وجوه: الأول: رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وأبو عوانة في مسنده، والبيهقي، والبغوي، كلهم من حديث أبي هريرة ، ولفظهم: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع، وعند ابن ماجه: بالحمد، وعند البغوي : بحمد الله، وعند عبد القادر الرهاوي في الأربعين له بلفظ: لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع، وعنده أيضا في الأربعين المذكورة بلفظ: بحمد الله والصلاة على رسول الله فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة، وهكذا رواه الديلمي أيضا، وابن المديني، وابن منده، وآخرون، ولفظ أبي داود : كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم، وهكذا رواه العسكري في الأمثال، ولفظ البيهقي : بالحمد لله رب العالمين أقطع، وروى أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون في فضائل علي بلفظ: كل كلام لا يذكر الله فيه فيبدأ به، ويصلى علي فيه فهو أقطع أكتع ممحوق من كل بركة. وكل هؤلاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، واشتهر الحديث به، وقد روي ذلك أيضا، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه بلفظ ابن ماجه السابق: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع. أخرجه الطبراني في الكبير، والرهاوي في الأربعين .

الثاني: الحديث الذي رواه ابن ماجه والبيهقي، قال ابن الصلاح : حسن، وتبعه النووي قال: وإنما لم يصح؛ لأن في سنده قرة بن عبد الرحمن، ضعفه ابن معين وغيره، وأورده الذهبي في الضعفاء، وقال أحمد: منكر الحديث جدا، ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد، وقال النووي في الأذكار بعد سياقه هذا الحديث: والذي خرجه عبد القادر الرهاوي في أربعينه ما نصه: روينا هذه الألفاظ في الأربعين للرهاوي، وهو حديث حسن، وقد روي موصولا ومرسلا، قال: ورواية الموصول جيدة الإسناد، وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا فالحكم للاتصال عند الجمهور. ا هـ .

وأما الحديث الذي فيه زيادة الصلاة عند الرهاوي، فقد قال بنفسه بعد ما أخرجه: غريب تفرد بذلك الصلاة فيه سهيل بن أبي زياد [ ص: 467 ] وهو ضعيف جدا لا يعتد براويته، ولا بزيادته. ا.ه؛ ولذا قال التاج السبكي: حديثه غير ثابت، وفي الميزان إسماعيل بن أبي زياد، قال الدارقطني : متروك يضع الحديث، وقال الخليل: شيخ ضعيف، والراوي عنه حسين الزاهد الأصفهاني مجهول .

الثالث: ورد في هذا الحديث عن أبي داود: كل كلام، والأمر أعم من الكلام؛ لأنه قد يكون فعلا؛ فلذا آثروا روايته، وقال التاج السبكي: والحق أن بينهما عموما وخصوصا من وجه، فالكلام قد يكون أمرا، وقد يكون نهيا، وقد يكون خبرا، والأمر قد يكون فعلا وقد يكون قولا .

الرابع: ذكر الله أعم من الحمد، والبسملة، وفي رواية: الحمد، فالمراد به الثناء على الجميل من نعمته، وغيرها من أوصاف الكمال، والجلال، والإكرام، والإفضال، ولفظ المصنف: بذكر الله. صححه ابن حبان، وفي إسناده مقال، ولكن الرواية المشهورة فيه بحمد الله .

قال الحافظ ابن حجر : الابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة، فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات، وببعضها ببسم الله فقط، كما في أول الجماع، والذبيحة، وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير ا هـ، وإذا أريد بالحمد ما هو أعم من لفظه، وأنه ليس القصد خصوص لفظه، فلا تنافي بين الروايات .

الخامس: قال الكازروني: وقد فهموا من تخصيص الأمر بذي البال أنه لا يلزم في ابتداء الأمر الحقير التسمية؛ لأن الأمر الشريف ينبغي حفظه عن صيرورته أبتر، والحقير لا اهتمام ولا اعتداد بشأنه .

السادس: كل روايات هذا الحديث بلفظ "أقطع" من غير إدخال الفاء على خبر المبتدأ، وجاء في رواية أبي داود: فهو أجذم، بإدخال الفاء، وليس ذا في أكثر الروايات، قال التاج السبكي: دخول هذه الفاء في خبر المبتدأ مع عدم اشتماله على واقع موقع الشرط أو نحوه موصولا بظرف أو شبهة، أو فعل صالح للشرطية، فجاز دخول الفاء على حد قوله: كل أمر مباعد، وجهه أن المبتدأ هو كل أضيف لموصوف بغير ظرف ولا جار ولا مجرور، ولا فعل صالح للشرطية أو مداني فمنوط بحكمه المتعالي .

السابع: فيه توقيف على أدب جميل، وبعث على الثمين بالذكر، والتبرك والاستظهار بمكانه على قبول ما يلقى إلى السامعين، وإصغائهم إليه، وإنزاله عن قلوبهم .




الخدمات العلمية