الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما المال فشروطه خمسة أن يكون نعما سائمة باقية حولا نصابا كاملا مملوكا على الكمال .

الشرط الأول كونه نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم .

أما الخيل والبغال والحمير والمتولد من بين الظباء والغنم فلا زكاة فيها .

التالي السابق


(فصل)

قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الزكاة نوعان: زكاة الأبدان وهي زكاة الفطر ولا تتعلق بالمال، إنما يراعى فيها إمكان الأداء، والثاني: زكاة الأموال، وهي ضربان، أحدهما: يتعلق بالمالية والقيمة وهي زكاة التجارة، والثاني: يتعلق بالعين والأعيان التي تتعلق بها الزكاة، ثلاثة: حيوان وجوهر ونبات، فتختص من الحيوان بالنعم، ومن الجواهر بالنقدين، ومن النبات بما يقتات .

ولما كانت النعم أكثر أموال العرب بدأ بها المصنف اقتداء بكتاب الصديق رضي الله عنه، فقال: (فأما المال فشروطه خمسة) أحدهما (أن يكون) المال (نعما) متمحضة، وإنما سميت نعما لكثرة نعم الله فيها على خلقه؛ لأنها تتخذ للنماء غالبا لكثرة منافعها .

الثاني: أن تكون تلك النعم (سائمة) .

الثالث: أن يكون المال (باقيا حولا) ، والمراد دوام الملك فيه للحول .

الرابع: أن يكون (نصابا كاملا) .

الخامس: أن يكون (مملوكا على الكمال) .

فهذه شروط خمسة، وهكذا عدها النووي في المنهاج، وعدها في الروضة تبعا للمصنف في الوجيز ستة، فجعلالحول شرطا، ودوام الملك للحول الذي عبر عنه المصنف بالبقاء شرطا آخر، (الشرط الأول كونه نعما فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم) الإنسية، أفاد بذلك أن الثلاثة تسمى نعما عند العرب، ولا تجب في حيوان غيرها، وإليه أشار بقوله: (أما الخيل) هو مؤنث اسم جمع لا واحد له من لفظه، يطلق على الذكر والأنثى، سميت لاختيالها في مشيها، (والبغال) جمع بغل، وهو المتولد من الحمار والفرس، (والحمير) جمع حمار، وهكذا ذكروا في القرآن نسقا واحدا، (والمتولد من بين الظباء) بالكسر والمد جمع ظبي، وهو الغزال. (والغنم) سواء كانت الغنم فحولا أو إماتا، كذا في الروضة (فلا زكاة فيه) ، وكذا كل متولد بين زكوي وغيره؛ لأن الأصل عدم الوجوب، كذا في شرح الخطيب، حتى لو كانت له تسعة وثلاثون غنما وتم أربعون بما تولد من الظباء والغنم، وحال عليه الحول، لم يجب، كذا في شرح تحرير المحرر .

وقال أصحابنا: من كان له خيل سائمة؛ ذكور وإناث أو إناث، فإن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم. هذا عند أبي حنيفة، وهو قول زفر، وقال أبو يوسف ومحمد: لا زكاة في الخيل؛ لقوله عليه السلام: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة، ولأبي حنيفة: قوله صلى الله عليه وسلم: في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم، وتأويل ما روياه فرس الغازي، وهو المنقول عن زيد بن ثابت، والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر وليس في ذكورها منفردة زكاة؛ لأنها لا تتناسل وكذا في الإناث المنفردات في رواية، وعنه الوجوب فيها؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار بخلاف الذكور، وعنه تجب [ ص: 15 ] في الذكور المنفردة أيضا، كذا في الهداية، ولا زكاة في البغال والحمير، ليسا للتجارة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها، فقال: لم ينزل علي فيها شيء إلا الآية الجامعة: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقوله صلى الله عليه وسلم: ليس في الكسعة صدقة، الكسعة الحمير .

وروى أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف عن الزهري أن عثمان كان يصدق الخيل، وعنه أن السائب بن أخت نمر أخبره أنه كان يأتي عمر بصدقة الخيل، وأما المتولد بين الظباء والغنم وبين البقر الإنسية والوحشية، فقال أبو حنيفة: إن كانت الأمات وحشية فلا تجب فيها الزكاة، وإن كانت الأمات أهلية تجب .

ومذهب مالك كذلك فيما حكاه ابن نصر، وقال أحمد: تجب فيها سواء كانت الأمات أهلية والفحولة وحشية أو الأمات وحشية والفحولة أهلية، كذا نقله ابن هبيرة في الإفصاح، وفي شرح المنهاج للخطيب ما نصه: وقال أحمد: تجب الزكاة في المتولد مطلقا، وأبو حنيفة إن كانت الأمات غنما، وأما المتولد من واحد من الغنم ومن آخر فيها كالمتولد بين إبل وبقر فقضية كلامهم أنها تجب فيه .

وقال الولي العراقي في مختصر المهمات: ينبغي القطع به، قال: والظاهر أنه يزكي زكاة أخفهما، فالمتولد بين الإبل والبقر يزكي زكاة البقر؛ لأنه المتيقن ا ه .

تأمل ذلك مع ما أتبعناه من نقل المذهب .




الخدمات العلمية