الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الرابع : زكاة التجارة .

وهي كزكاة النقدين وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي به اشترى البضاعة إن كان النقد نصابا فإن كان ناقصا أو اشترى بعرض على نية التجارة فالحول من وقت الشراء .

التالي السابق


(النوع الرابع: زكاة التجارة) (وهي) واجبة (كزكاة النقدين) نص عليه في الجديد، ونقل عن القديم؛ فمنهم من قال: له في القديم قولان، ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد، الأصل في وجوبها قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم قال مجاهد: نزلت في التجارة .

وما رواه الحاكم في المستدرك بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين عن أبي ذر رفعه: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته.

والبز فسروه بالثياب المعدة للبيع عند البزازين وعلى السلاح، قاله الجوهري.

وزكاة العين لا تجب في الثياب والسلاح؛ فتعين الحمل على زكاة التجارة .

قال ابن المنذر: وأجمع عامة أهل العلم على وجوبها، وأما خبر: "ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة". فمحمول على ما ليس للتجارة، والتجارة تقليب المال بالمعاوضة على غرض الربح، كذا في شرح المنهاج، وفي الروضة: مال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بمعاوضة محضة، وتفصيل هذه القيود يظهر من سياق المصنف فيما سيأتي، ثم إن الحول معتبر في زكاة التجارة بلا خلاف، والنصاب معتبر أيضا بلا خلاف، ولكن في وقت اعتباره ثلاثة أوجه، وعبر عنها إمام الحرمين والمصنف بأقوال، والصحيح أنها أوجه:

الأول: منها منصوص والآخران مخرجان، فالأول أصح أنه يعتبر في آخر الحول فقط، والثاني يعتبر في أوله وفي آخره دون وسطه، والثالث يعتبر في جميع الحول حتى لو نقصت قيمته عن النصاب في لحظة انقطع الحول، فإن كمل بعد ذلك ابتدأ الحول من يومئذ، فإذا قلنا بالأصح فاشترى عرضا للتجارة بشيء يسير انعقد الحول عليه، ووجبت فيه الزكاة إذا بلغت قيمته نصابا آخر الحول، ثم إن مال التجارة تارة يملكه بنقد وتارة بغيره؛ فإن ملكه بنقد نظر، إن كان نصابا بأن اشترى بعشرين دينارا أو بمائتي درهم فابتداء الحول من حين ملك ذلك النقد، وإليه أشار المصنف بقوله: (وإنما ينعقد الحول من وقت ملك النقد الذي اشترى به البضاعة إن كان النقد) الذي هو رأس المال (نصابا) ، ويبني حول التجارة عليه، هذا إذا اشترى بعين النصاب، أما إذا اشترى بنصاب في الذمة، ثم نقده في ثمنه، فينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من حين المشتري، (وإن كان) ذلك النقد (ناقصا) أي: دون نصاب ابتدأ الحول من حين ملك عرض التجارة إذا قلنا لا يعتبر النصاب في أول الحول، ولا خلاف أنه لا يحسب الحول قبل الشراء للتجارة؛ لأن المشتري به لم يكن زكاه لنقصه، أما إذا ملك بغير نقد، وإليه أشار بقوله: (أو اشترى بعرض على نية التجارة) فله حالان: أحدهما: ذلك العرض إن كان مما لا زكاة فيه كالثياب والعبيد (فالحول من وقت الشراء) أي: ابتداؤه من حين ملك مال التجارة بالشراء إن كان [ ص: 44 ] قيمة العرض نصابا أو كانت دونه، وقلنا بالأصح: أن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول، والثاني: أن يكون مما تجب فيه الزكاة بأن ملك بنصاب من السائمة، فالصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب أن حول الماشية ينقطع ويبتدئ حول التجارة من حين ملك مال التجارة، ولا يبنى لاختلاف الزكاتين قدرا ووقتا، وقال الإصطخري: يبنى على حول السائمة كما لو ملك بنصاب من النقدين، ثم زكاة التجارة والنقد يبنى حول كل منهما على الآخر، فإذا باع مال تجارة بنقد بنية القنية بني حول النقد على حول التجارة كما يبنى حول التجارة على حول النقد، ثم لا خلاف إن قدر زكاة التجارة ربع العشر كالنقد، ومن أين يخرج فيه؟ ثلاثة أقوال: المشهور الجديد يخرج من القيمة، ولا يجوز أن يخرج من عين العرض، والثاني: يجب الإخراج من العين، ولا يجوز من القيمة، والثالث: يتخير بينهما، فلو اشترى بمائتي درهم مائتي قفيز حنطة أو بمائة، وقلنا يعتبر النصاب آخر الحلول فقط، وحال الحول وهي تساوي مائتين، فعلى المشهور عليه خمسة دراهم، وعلى الثاني خمسة أقفزة، وعلى الثالث يتخير بينهما. واعتمد المصنف القول الأول، وإليه أشار بقوله: .




الخدمات العلمية