الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومعناه أنه يجب على الموسر مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته فضلا عن مال الزكاة والذي يصح في الفقه من هذا الباب أنه مهما أرهقته حاجته كانت إزالتها فرض كفاية إذ لا يجوز تضييع مسلم ولكن يحتمل أن يقال : ليس على الموسر إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه ويحتمل أن يقال : يلزمه بذله في الحال ، ولا يجوز له الاقتراض أي لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض وهذا مختلف فيه

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله: (ومعناه أنه يجب على الموسر) أي: الغني (مهما وجد محتاجا أن يزيل حاجته) في الحال (فضلا عن مال الزكاة) أي: بما زاد عنه (والذي يصح في الفقه) ويتعلق به نظر الفقيه في تفريع الأحكام (من هذا أنه مهما أرهقت الحاجة) أي: اشتدت ولزمت (كانت إزالتها) عن المحتاج (فرضا على الكفاية) إن قام به بعض سقط عن آخرين؛ (إذ لا يجوز تضييع مسلم) وقد أوجب الله حقه على أخيه المسلم، (ولكن يحتمل أن يقال: ليس على المؤمن إلا تسليم ما يزيل الحاجة فرضا) أي: بطريق الفرض (ولا يلزم بذل ما فضل عن الزكاة) وفي نسخة: ولا يلزمه بذله بعد أن أسقط الزكاة عن نفسه، (ويحتمل أن يقال: يلزمه بذله في الحال، ولا يجوز له الإقراض) أي: لا يجوز له تكليف الفقير قبول القرض، (وهذا مختلف فيه) عند أهل النظر في الفقه، والذي يصح عند أهل الكشف أنه ما من شيء إلا وله وجه ونسبة إلى الحق، ووجه ونسبة إلى الخلق؛ ولهذا جعله إنفاقا، فقال: أنفقوا مما رزقناكم ومما رزقناهم ينفقون فراعى سبحانه في هذا الخطاب أكابر العلماء؛ لأنهم الذين لهم العطاء من حيث ما هو إنفاق عليهم بالنسب إليهم؛ لأنه من النفق وهو جحر يسمى النافقة يعمله اليربوع، له بابان، إذا طلب من باب ليصاد خرج من الباب الآخر؛ كالكلام المحتمل إذا قيدت صاحبه بوجه، أمكن أن يقول لك: أنا أردت الوجه الآخر من محتملات اللفظ، ولما كان العطاء له نسبة إلى الحق والحاجة ونسبة إلى الخلق والحاجة سماه إنفاقا؛ فعلماء الخلق ينفقون بالوجهين فيرون الحق فيما يعطونه معطيا وآخذا، ويشاهدون أيديهم هي التي يظهر فيها العطاء والأخذ، ولا يحجبهم هذا عن هذا؛ فهؤلاء لا يرون إلا معصية، فكل آخذ إنما أخذ بحكم الاستحقاق، ولو لم يستحقه لاستحال القبول منه لما أعطيه كما يستحيل عليه الغنى المطلق، ولا يستحيل عليه الفقر المطلق .




الخدمات العلمية