الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهى بشهر رمضان .

فالأشهر الفاضلة ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان .

والأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد .

وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات وذو القعدة من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج وفي الخبر : ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر قيل : ولا الجهاد في سبيل الله تعالى ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده وأهريق دمه .

التالي السابق


(وكره بعض الصحابة) رضوان الله عليهم (أن يصام) شهر (رجب كله حتى لا يضاهي شهر رمضان) ولو صام منه أياما وأفطر أياما فلا كراهة .

(والأشهر الفاضلة) الشريفة أربعة : (ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان) وأفضلهن المحرم كما سبق عن النووي وقيل : رجب وهو قول صاحب البحر ورده النووي كما تقدم .

(والأشهر الحرم) أربعة : (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد) منهن (فرد) وهو رجب (وثلاثة سرد) أي : على التوالي وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وتقدم ذلك في كتاب الزكاة (وذو القعدة من الأشهر الحرم) بل مفتتحها (و) من (أشهر الحج وشوال) هو شهر عيد الفطر جمعه شوالات وشواويل وقد تدخله الألف واللام قال ابن فارس وزعم ناس أنه سمي بذلك لأنه وافق وقت ما تشول فيه الإبل . أهـ . وهو (من أشهر الحج وليس من الحرم والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج) وهما من أشهر الحرم (وفي الخبر : ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم يعادل فيه صيام سنة وقيام ليلة منه يعدل ليلة القدر ) .

قال العراقي : رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة دون قوله : (قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا من عقر جواده وأهريق دمه ) وعند البخاري من حديث ابن عباس : "ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذا العشر قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " . أهـ .

قلت : ولفظ الترمذي وابن ماجه : "ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد له فيها أحب من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر " قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس قال : وسألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه قال الصدر المناوي وغيره : والنهاس ضعفوه فالحديث معلول وقال ابن الجوزي حديث لا يصح تفرد به مسعود بن واصل عن النهاس ، ومسعود ضعيف ضعفه أبو داود ، والنهاس قال القطان : متروك ، وقال ابن عدي : لا يساوي شيئا ، وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به ، وأورده في الميزان من مناكير مسعود عن النهاس وقال مسعود : ضعفه الطيالسي والنهاس فيه ضعف .

ومما بقي على المصنف من القسم الأول وهو ما يتكرر في السنة- صوم ستة من شوال فإنه يستحب صومها وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى أحمد ومسلم والأربعة من حديث أبي أيوب الأنصاري : "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصوم الدهر " ، هذا لفظ مسلم ولفظ أبي داود : "فكأنما صام الدهر " وفي الباب عن جابر وثوبان وأبي هريرة وابن عباس والبراء وجمع الحافظ الدمياطي طرقه وألف التقي السبكي فيه جزأ أوسع الكلام فيه وعن مالك أن صومها مكروه والأفضل أن يصومها متتابعة على الاتصال بيوم العيد مبادرة إلى العبادة وعن أبي حنيفة أن الأفضل أن يفرقها في الشهر وبه قال أبو يوسف وقد ألفت في المسألة جزأ صغيرا .

وفي كتاب الشريعة : جعلها الشارع ستا ولم يجعلها أكثر أو أقل وبين أن ذلك صوم الدهر لقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها على هذا أكثر العلماء بالله وهذا فيه حد مخصوص وهو أن يكون عدد رمضان ثلاثين يوما فإن نقص نزل هذه الدرجة وعندنا أنه تجبر فهذه الستة من صيام الدهر ما نقصه بالفطر في الأيام المحرم صومها وهي ستة أيام يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق ويوم السادس عشر من شعبان فجبر بهذه الستة الأيام ما نقص بأيام تحريم الصوم فيها والاعتبار الآخر وهو المعتمد عليه في صوم هذه الأيام من كونها ستة لا غير أن الله تعالى خلق السموات [ ص: 258 ] والأرض وما بينهما في ستة أيام وكنا نحن المقصود بذلك الخلق فأظهر في هذه الستة الأيام من أجلنا ما أظهر من المخلوقات فكان سبحانه لنا في تلك الأيام فجعل لنا صوم هذه الستة الأيام في مقابلة تلك لأن نكون فيها متصفين بما هو له وهو الصوم كما اتصف هو بما هو لنا وهو الخلق ، والله أعلم .




الخدمات العلمية