الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع في الكتابة يستحب تحسين كتابة القرآن وتبيينه ولا بأس بالنقط والعلامات بالحمرة ، وغيرها فإنها تزيين وتبيين وصد عن الخطأ واللحن ، لمن يقرؤه وقد كان الحسن وابن سيرين ينكرون الأخماس والعواشر والأجزاء .

وروي عن الشعبي ، وإبراهيم كراهية النقط بالحمرة ، وأخذ الأجرة على ذلك ، وكانوا يقولون جردوا القرآن والظن بهؤلاء أنهم كرهوا فتح هذا الباب خوفا من أن يؤدي إلى إحداث زيادات وحسما للباب وتشوقا إلى حراسة القرآن عما يطرق إليه تغييرا وإذا لم يؤد إلى محظور ، واستقر أمر الأمة فيه على ما يحصل به مزيد معرفة فلا بأس به ، ولا يمنع من ذلك كونه محدثا فكم من محدث حسن ؟ كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محدثات عمر رضي الله عنه وأنها بدعة حسنة إنما ، البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة ، أو يكاد يفضي إلى تغييرها .

وبعضهم كان يقول : أقرأ من المصحف في المنقوط ولا أنقطه بنفسي . وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير كان القرآن مجردا في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء والتاء ، وقالوا : لا بأس به فإنه نور له .

ثم أحدثوا بعده نقطا كبارا عند منتهى الآي ، فقالوا : لا بأس به يعرف به رأس الآية ، ثم أحدثوا بعد ذلك الخواتم والفواتح .

قال أبو بكر الهذلي سألت الحسن عن تنقيط المصاحف بالأحمر ، فقال : وما تنقيطها قال ؟ : يعربون الكلمة بالعربية قال : أما إعراب القرآن فلا بأس به وقال خالد الحذاء دخلت على ابن سيرين فرأيته يقرأ في مصحف منقوط ، وقد كان يكره النقط .

وقيل : إن الحجاج هو الذي أحدث ذلك ، وأحضر القراء حتى عدوا كلمات القرآن وحروفه وسووا أجزاءه ، وقسموه إلى ثلاثين جزءا وإلى أقسام أخر .

التالي السابق


(الرابع في الكتبة) بالكسر أي هيئة كتابة المصاحف (يستحب تحسين كتابة القرآن وتبيينه ) ، أما تحسينها فتجويد الحروف على القاعدة العربية المعتبرة مما ذكرها شعبان الآثاري في ألفيته، وأما التبيين فأن يميز الحروف بعضها عن بعض إفرادا وتركيبا ولا يغور الميم والقاف والفاء والعين والغين وكل ما له جوف ولا يطل المرسل ولا يرسل المطول، (ولا بأس بالنقط والعلامات ) كل منها (بالحمرة، وغيرها) من الألوان (فإن ذلك تزيين وتبيين له) ، وتمييز (وصد عن اللحن، والخطإ لمن يقرؤه) ، والمراد بالعلامات هي التي توضع على رؤوس الآي، والوقوفات بأنواعها، ووصل الهمزة وقطعها، فأما النقط فقد اتفقوا على إعجام بعض الحروف دون بعض فالمهملة منها الألف والحاء والدال والراء والسين والصاد والعين والكاف واللام والميم والواو والهاء وماعدا ذلك معجمة، فمنها بواحدة، وهي الباء والجيم والخاء والذال والزاي والضاد والغين والفاء والنون، ومنها باثنين وهي التاء والقاف والياء وعلى هذا رأي المشارقة، وعلى رأي المغاربة الفاء معجمة بنقطة من أسفل والقاف بعكسه، وهذا حسن لحصول التمييز والاقتصار على ما لا بد، ومنها بثلاث وهي الثاء والشين، ومن القواعد المقررة أن النون والياء والقاف والفاء إذا تطرفت في آخر الكلمة فإنها لا تنقط لحصول التمييز بهيئتها فاكتفي بها، وإن كل ما جاء على فعائل، أو فواعل، أو مفاعل من الجموع وعينها ياء فإن كانت الياء أصلية في مجرد الكلمة فتنقط، وإلا فبالهمز، وفي تنقيط ياء معايش اختلاف عند القراء، وهو مبني على اختلاف أئمة اللغة، هل جمع معيشة، أو عيش؟ وهل ميم معيشة أصلية، أو زائدة؟ كما هو مقرر في محله، ومن ذلك قولهم نقط الكبائر من الكبائر، وهذا من باب المبالغة، ثم إن النقط أعم من أن يكون على التدوير كهيئة الكرة .

وهكذا وجد في خطوط أهل الكوفة القديمة، أو على التربيع كما وجد في خطوط أخرى لهم لاصقة، أو بينهما مع الصغر في الجرم، كما اصطلح عليه المتأخرون، وهو حسن (وقد كان الحسن) البصري (وابن سيرين) محمد (ينكران) هذه (الأخماس والعواشر والأجزاء) ، نقله صاحب القوت، والأخماس جمع خمس بضمتين وبضم فسكون وهو جزء من خمسة أجزاء، والعواشر جمع عشير ككريم لغة في العشر بالضم جزء من عشرة أجزاء، وهي الأعشار، والأجزاء جمع جزء بالضم وهو الطائفة من الشيء، وقد جزأه تجزيا جعله أجزاء متميزة فتجزأ تجزئة وتجزئة القرآن ثلاثون جزأ يكتب على رأس الآية المبدوأة منها الجزء الأول، والجزء الثاني والثالث وهكذا إلى آخره .

ومنهم من يكتفي على رأس كل جزء بالعدد الهندي، وهو حسن لحصول العلم والتمييز بذلك، وقد وقع الاختلاف في رؤوس بعض الأجزاء بحسب اختلافهم في عد الكلمات والحروف والآي، فمن المختلف في الأجزاء الجزء الرابع عشر فقيل: أوله من أول السورة، وقيل: أوله من قوله ربما يود والجزء التاسع عشر، فقيل: أوله وقال الذين لا يرجون [ ص: 477 ] وقيل: أوله وقدمنا إلى ما عملوا، والجزء العشرون فقيل: أوله فما كان جواب قومه، وقيل: أوله أمن خلق السماوات والأرض، والجزء الواحد والعشرون فقيل: أوله اتل ما أوحي إليك، وقيل: أوله ولا تجادلوا أهل الكتاب، والجزء الثالث والعشرون فقيل أوله وما لي لا أعبد، وقيل: وما أنزلنا على قومه، والجزء السادس والعشرون فقيل أوله وبدا لهم سيئات ما كسبوا، وقيل: من أول سورة الأحقاف، ثم اختلفوا في تقسيم كل جزء من الثلاثين فمنهم من قسمه على الأعشار فتارة يكتب العين بالأحمر إشارة له بإزاء الآية على الهامش، وتارة يكتب عشر، ومنهم من قسمه على الأخماس فيكتب خاء معجمة، أو خمس ومنهم من قسمه على الأثلاث فيكتب على رأس كل ثلث حزب، أو ثلث، ومنهم من قسمه على الأرباع فيكتب على رأس كل ربع ربع ليميز عن العشر، ويكتب على تمام الربعين نصف وللمغاربة ترتيب آخر يرجع إلى مصاحفهم، ومما أحدثوا كتابة أسماء السور بالقلم الأحمر قبل البسملة مع عدد كلماتها وحروفها، وهل هي مكية أو مدنية؟ ومنهم من أحدث ختم الصفحة على الآية، وهو حسن إن لم يتكلف في ذلك .

(وروي عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، وإبراهيم) النخعي (كراهية النقط بالحمرة، وأخذ الأجر على ذلك، وكانوا يقولون جردوا القرآن) كذا في القوت، ومعنى تجريده أن لا يضاف إليه شيء زائد، (والظن بهؤلاء أنهم كرهوا فتح هذا الباب خوفا من أن يؤدي إلى إحداث زيادات حسما للباب) ، وسدا للذريعة (وشوقا إلى حراسة القرآن) ، وصيانته (عما يطرق إليه) ، أي يدخل عليه (تغييرا) وإحداثا، (وإذا لم يؤد إلى محذور، واستقر الأمر) ، وفي بعض النسخ: أمر الأمة (فيه على ما يحصل به مزيد معرفة) ، وتمييز (فلا بأس به، ولا يمنع من ذلك كونه محدثا) لم يكن ذلك في عصر الأولين، (فكم من محدث حسن؟

كما قيل في) استعمال السبحة، وفي (إقامة الجماعات في التراويح أنها من محدثات عمر) - رضي الله عنه - كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة، (وأنها بدعة حسنة، وإنما البدعة المذمومة ما تصادم) ، أي تعارض (السنة القديمة، أو يكاد يفضي إلى تغييرها) ، وقد قالوا: إن البدعة المباحة هو ما شهد بحسنه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة، وفيما نحن فيه حصول مزيد المعرفة، والتبيين مصلحة شرعية فلا يكون النقط والعلامات من البدع المذمومة، (وبعضهم كان يقول: أقرأ في المصحف المنقوط ولا أنقطه بنفسي .

وقال الأوزاعي) تقدمت ترجمته في كتاب العلم (عن يحيى بن أبي كثير) أبي نصر اليمامي مولى طيئ أحد الأعلام العباد .

روي عن أبي أمامة وأنس وجابر مرسلا، وعن أبي سلمة وعنه هشام الدستوائي وهمام مات سنة 129، (كان القرآن مجردا في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء والتاء، وقالوا: لا بأس به فإنه نور له، ثم أحدثوا بعده نقطا كبارا عند منتهى الآي، فقالوا: لا بأس به يعرف به رأس الآية، ثم أحدثوا بعد ذلك الخواتيم والفواتح) هكذا نقله صاحب القوت .

(وقال أبو بكر الهذلي) اسمه سلمان، وقيل: روح روى عن الحسن والشعبي ومعاذ وعنه أبو نعيم ومسلم بن إبراهيم توفي سنة 197، (سألت الحسن) البصري، (عن تنقيط المصاحف بالأحمر، فقال: وما تنقيطها؟ قلت: يعربون الكلمة بالعربية قال: أما إعراب القرآن فلا بأس به) ، وروى البيهقي في السنن والصابوني في 7 المائتين، عن عمر - رضي الله عنه - رفعه، قال: من قرأ القرآن فأعربه كان له بكل حرف أربعون حسنة، ومن أعرب بعضه، ولحن في بعض كان له بكل حرف عشرون حسنة، ومن لم يعرب منه شيئا كان له بكل حرف عشر حسنات.

وروى البيهقي عن ابن عمر من قرأ القرآن فأعرب في قراءته كان له بكل حرف عشرون حسنة، ومن قرأ بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات، (وقال خالد) بن مهران (الحذاء) الحافظ أبو المنازل، روى عن أبي عثمان النهدي، ويزيد بن الشخير، وعنه شعبة وابن علية ثقة إمام توفي سنة 141 (دخلت على ابن سيرين) محمد (فرأيته يقرأ في مصحف منقوط، وقد كان يكره النقط، وقيل: إن الحجاج) بن يوسف الثقفي (هو الذي أحدث ذلك، وأحضر القراء) من البصرة والكوفة منهم عاصم الجحدري ومطر الوراق وشهاب بن شريفة فأمرهم (حتى عدوا [ ص: 478 ] كلمات القرآن) وآياته (وحروفه وسووا أجزاءه، وقسموه إلى ثلاثين جزءا وإلى أقسام أخر) من أخماس وأعشار، قال السيوطي في الإتقان، قال أبو عبد الله الموصلي اختلف في عدد الآي أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة، وعدد أهل مكة يروى عن ابن كثير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب.

وأما عدد أهل الشام فيروى عن مروان بن موسى الأخفش، عن ابن ذكوان، عن أيوب بن تميم، عن يحيى بن الحارث الزيادي، عن عبد الله بن عامر الأصبحي، عن أبي الدرداء، وأما عدد أهل البصرة فمداره على عاصم الجحدري.

وأما عدد أهل الكوفة فهو المضاف إلى حمزة بن حبيب الزيات، وأبي الحسن الكسائي، وخلف بن هشام قال حمزة: أخبرنا بهذا العدد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب اهـ .

وعدد قوم كلمات القرآن سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعة وثلاثين كلمة، وقيل: غير ذلك، وأما الحروف فقد عدها ابن الجزري، وكذا الأنصاف والأثلاث إلى الأعشار وأوسع القول في ذلك فراجعه فيه، وقال بعضهم: نصف القرآن باعتبار الحروف النون من نكرا من الكهف، وقيل: الفاء من قوله وليتلطف، وبالكلمات الدال من قوله والجلود في الحج، وبالآيات غافلون من الشعراء، وبالسور آخر الحديد، والله أعلم .




الخدمات العلمية