الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب أو يدعي فهم مقاصد الأتراك من كلامهم ، وهو لا يفهم لغة الترك فإن ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة التي لا بد منها للفهم

التالي السابق


(ومن ادعى فهم أسرار القرآن) ، ومعانيه، وجواهره، ودرره، (ولم يحكم التفسير الظاهر) منه (فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت) ، وهو الموضع المرتفع منه (قبل مجاوزة الباب أو) مثل من (يدعي فهم مقاصد الأتراك من كلامهم، وهو لا يفهم مقاصد لغة الترك) ، وأصولها التي بنيت عليها .

(فإن ظاهر التفسير يجري مجرى تعلم اللغة التي لا بد منها للفهم ) ، ولنسق هنا من كلام الأئمة في هذا المبحث بابا جامعا يحتوي على كلامهم، ويقع إيضاحا لما ساقه المصنف، وتفصيلا لما أفهمه مع ذكر مناسبات، ونظائر لما أورده فمن ذلك الكلام على تفسيره، وتأويله، والحاجة إليه، وشرفه، ومعرفة شروط المفسر، وآدابه، وبيان العلوم التي يحتاج إليها المفسر في تفسيره، وذكر غرائب التفسير كل ذلك بتلخيص، واختصار .

أما التفسير فهو من الفسر، وهو البيان والكشف، ويقال هو مقلوب السفر، أو هو من التفسرة اسم لما يعرف به الطبيب المرض، هكذا قالوا: والأشبه أن يكون الأمر بعكس ذلك فيكون التفسرة مأخوذة من الفسر، وأما التأويل فمن الأول وهو الرجوع فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني، وقيل: من الإيالة، وهي السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام، ووضع المعنى فيه موضعه، واختلف في التفسير، والتأويل، فقال أبو عبيدة: وطائفة هما بمعنى، وقد أنكر ذلك قوم حتى بالغ حبيب النيسابوري، فقال: قد نبغ في زماننا مفسرون، لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه .

وقال الراغب: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها، وفي غيرها، وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا، والتوجيه بيان لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة .

وقال أبو منصور الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى بهذا اللفظ هذا فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأي، وهو المنهي عنه، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع، والشهادة على الله .

وقال الثعلبي: التفسير بيان وضع اللفظ، إما حقيقة، أو مجازا، كتفسير الصراط بالطريق، والصبب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، فهو إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد مثاله قوله: إن ربك لبالمرصاد تفسيره أنه من الرصد، وهو التقرب، والمرصاد مفعال منه، وتأويله [ ص: 536 ] التحذير من التهاون بأمر الله تعالى، والغفلة عن نواهيه، والاستعداد للعرض عليه، وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة، وقال الأصبهاني: التفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة، والسائبة، والوصيلة، أو في وجيز يتبين بشرح نحو أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وإما في كلام متضمن للقصة، لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها، كقوله: إنما النسيء زيادة في الكفر ، والتأويل يستعمل مرة عاما، ومرة خاصا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود الباري خاصة، والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة، وفي تصديق الحق أخرى، وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة نحو لفظ وجد المستعمل في الجدة، والوجد والوجود وقال غيره: التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدراية .

وقال أبو نصر القشيري: التفسير مقصور على الاتباع، والسماع، والاستنباط مما يتعلق بالتأويل، وقال غيره: ما وقع بينا في كتاب الله، ومعينا في صحيح السنة، سمي تفسيرا; لأن معناه قد ظهر، ووضح، وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد، ولا غيره، بل يحمله على المعنى الذي ورد لا يتعداه، والتأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب، الماهرون في آلات العلوم .

وقال أبو حيان: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية، والتركيبية، ومعانيها التي يحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك قال: فقولنا: علم جنس، وقولنا: يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، هو علم القراءة، وقولنا ومدلولاتها، أي مدلولات تلك الألفاظ، وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم، وقولنا: وأحكامها الإفرادية والتركيبية هذا يشمل علم التصريف، والبيان، والبديع، وقولنا ومعانيها التي يحمل عليها حالة التركيب، يشمل ما دلالته بالحقيقة، وما دلالته بالمجاز فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا، ويصد عن الحمل عليه صاد فيحمل على غيره، وهو المجاز، وقولنا: وتتمات لذلك هو مثل معرفة النسخ، وسبب النزول، وقصة توضح بعض ما أبهم في القرآن، ونحو ذلك .

وقال الزركشي: التفسير علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه، وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراآت، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ .



(فصل) .

وأما وجه الحاجة إليه، فاعلم أن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعملون بظواهره وأحكامه، وأما دقائق باطنه، فإنما كان يظهر لهم بعد البحث، والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن محتاجون إلى ما كانوا محتاجين إليه، وزيادة على ذلك في أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم، فنحن أشد الناس احتياجا إليه، ومعلوم أن تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض .

وقال الحوبي: علم التفسير عسر يسر، أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم، لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه بخلاف الأمثال، والأشعار، ونحوها فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه، أو ممن سمع منه، وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع، لا يعلم إلا بأنه يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات، ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن تتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته .



(فصل) .

وأما شرفه فقد تقدم بعض الكلام عليه عند قول المصنف في تفسير قوله ومن يؤت الحكمة ، عن ابن عباس، وغيره أنه الفهم في القرآن، وقيل: قراءة القرآن، وتدبره، وقيل: تفسيره، وقيل: المعرفة به، وروى ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة، قال: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني; لأني سمعت الله يقول: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ، وأخرج أبو ذر الهروي [ ص: 537 ] في فضائل القرآن من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الذي يقرأ القرآن، ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذا، وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفاية، وأجل العلوم الثلاثة الشرعية، فإن شرف كل علم، إما بشرف موضوعه، أو بشرف غرضه، أو لشدة الحاجة إليه، فموضوعه كلام الله تعالى، فأي شرف أشرف منه .

وأما من جهة الغرض فإن الغرض منه الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى، وأما شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني، أو دنيوي عاجلي، أو آجلي متوقف على العلم بكتاب الله تعالى .



(فصل) .

معرفة شروط المفسر، قالوا: من أراد تفسير القرآن طلبه أولا منه فما أجمل منه في مكان فقد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياه ذلك طلبه من السنة، فإنها شارحة للقرآن، وموضحة له، فإن لم يجده رجع إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن، والأحوال عند نزوله، ولما اختصوا به من الفهم التام، والعلم الصحيح والعمل الصالح .

وقال الطبري في أوائل تفسيره: من شرط المفسر صحة الاعتقاد أولا، ولزوم السنة فإن كان معترضا عليه في دينه فلا يؤتمن على إخباره عن أسرار الله تعالى; لأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد يبغي الفتنة، ويضر الناس بخداعه كدأب الباطنية، وغلاة الرافضة، وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله الهوى على ما يوافق بدعته، كدأب القدرية، فإن أحدهم يصنف الكتاب في التفسير، ومقصوده منه الإيضاح الساكن ليصدهم عن اتباع السلف، ولزوم طريق الهدى، ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، ومن عاصرهم، وإن تعارضت أقوالهم، وأمكن الجمع بينهما فعل نحو أن يتكلم مع الصراط المستقيم، وأقوالهم فيه ترجع إلى شيء واحد، فيدخل منها ما يدخل فيه الجميع فلا تنافي بين القرآن، وطريق الأنبياء، وطريق السنة، وطريق النبي صلى الله عليه وسلم، وطريق أبي بكر وعمر، فأي هذه الأقوال أفرده كان محسنا، وإن تعارضت الأدلة في المراد، علم أنه قد اشتبه عليه فيؤمن بمراد الله منها، ولا يتهجم على تعيينه، ثم إنه ينزله منزلة المجمل قبل تفصيله، والمتشابه قبل تبيينه، وتمام هذه الشرائط أن يكون ممتلئا من عدة الإعراب، لا يلبس عليه اختلاف وجوه الكلام، فإنه إذا خرج بالبيان عن وضع اللسان، إما حقيقة، أو مجازا فتأويله تعطيله .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ألفه في هذا النوع: يجب أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم يتناول هذا، وهذا، وكانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، روي ذلك عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، قالوا: فيعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا، ولهذا يبقون مدة في حفظ السورة، وذلك لأن الله تعالى قال: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ، وقال: أفلا يتدبرون القرآن وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن .

ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وفي التابعين كذلك بالنسبة إلى من بعده، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والخلاف بين السلف في التفسير قليل، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك صنفان أحدهما أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، كتفسير الصراط المستقيم باتباع القرآن، أو بدين الإسلام فالقولان يتفقان; لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهما إنما نبه على وصف غير الوصف الآخر، وكذلك قول من قال هي السنة، والجماعة، وقول من قال هي طريق العبودية، وقول من قال هو طاعة الله ورسوله، وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة، لكن وصفها كل بصفة من صفاتها. الثاني أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على [ ص: 538 ] سبيل الحد المطابق للمحدود من عمومه، وخصوصه، ومثاله، ما يقال في قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا الآية فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للمحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات، وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق، فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون أصحاب اليمين، والسابقون السابقون أولئك المقربون، ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه هو الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، أويقول: السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدى الزكاة المفروضة فقط، والظالم مانع الزكاة، وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى هذا هو الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف .

ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين، إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ القسورة الذي يراد به الرامي، ويراد به الأسد ولفظ عسعس الذي يراد به إقبال الليل وإدباره، وإما لكونه متواطئا في الأصل، لكن المراد به أحد النوعين، أو أحد الشخصين كالضمائر في قوله، ثم دنا فتدلى الآية، ولفظ الفجر والشفع والوتر وليال عشر، وأشباه ذلك فمثل هذا، قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك فالأول، إما لكون الآية نزلت مرتين فأراد بها هذا تارة، وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لمخصصه موجب فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان في الصنف الثاني .

ومن الأقوال الموجودة عنهم، ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة، كما إذا فسر بعضهم 7 "تبسل" بتحبس، وبعضهم: بترتهن; لأن كلا منهما قريب من الآخر، ثم قال: والاختلاف في التفسير على نوعين منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك، والمنقول إما عن المعصوم، أو غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره، ومنه ما لا يمكن ذلك، وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من سقيمه عامته منها لا فائدة فيه، ولا حاجة بنا إلى معرفته، وذلك كاختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي اسمه وفي البعض الذي ضرب به القتيل في البقرة، وفي قدر سفينة نوح وخشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان منه منقولا نقلا صحيحا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل، وما لا بأن نقل عن أهل الكتاب ككعب ووهب، وقف عن تصديقه وتكذيبه، وكذا ما نقل عن بعض التابعين، وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض، وما نقل في ذلك عن الصحابة نقلا صحيحا، فالنفس إليه أسكن مما نقل عن التابعين; لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من بعض من سمعه منه أقوى، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين، ومع جزم الصحابي بما يقوله كيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم؟ أما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود كثيرا، ولله الحمد، أما ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان .

فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين، مثل تفسير عبد الرزاق، والفريابي، ووكيع، وعبد بن حميد، وإسحاق بن راهويه، وأمثالهم أحدها قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثاني فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه، والمخاطب به، فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة، والبيان، الآخرون راعوا مجرد اللفظ لذلك المعنى في اللغة من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم، وسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة ،كما يغلط في ذلك الذين قبلهم .

كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة [ ص: 539 ] المعنى الذي فسر، وآية القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، والأولون صنفان تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما يدل عليه، ولم يرد به، وفي كلا الأمرين قد يكون ما تعبدوا به نفيه، أو إثباته من المعنى باطلا فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقا فيكون خطؤهم فيه في الدليل لا في المدلول، فالذين أخطئوا فيهما مثل طوائف من أهل البدع، اعتقدوا مذاهب باطلة، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين، لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذاهبهم مثل: تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم، والجبائي، وعبد الجبار، والزمخشري، وأمثالهم ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة يدس البدع في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون كصاحب الكشاف، ونحوه حتى أنه يرفع على خلق كثير من أهل السنة كثيرا من تفاسيرهم الباطلة، وتفسير ابن عطية، وأمثاله أتبع للسنة، وأسلم من البدعة، ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه لكان أحسن فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير ابن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا، ثم إنه يدع ما ينقله ابن جرير عن السلف ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكتاب الذين قرروا أصولهم بطريق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه .

فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في الآية تفسير، وجاء قوم فسروا الآية يقول آخر: لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين، صار مشتركا للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا، وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا، لأنهم كانوا أعلم به، وبتفسيره وبمعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الذين أخطئوا في الدليل لا في المدلول كمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء، يفسرون القرآن بمعان صحيحة في نفسها، لكن القرآن لا يدل عليها مثل كثير مما ذكره السلمي في الحقائق فإن كان فيما ذكروه معان باطلة دخل في التقسيم الأول، والله أعلم اهـ، كلام ابن تيمية ملخصا، وهو نفيس جدا



(فصل) .

وقال الزركشي في البرهان: للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة الأول النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطراز المعلم، لكن يجب الحذر من الضعف منه، والموضوع فإنه كثير، ولهذا قال أحمد: ثلاثة لا أصل لها المغازي والملاحم والتفسير .

قال المحققون من أصحابه: مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صح من ذلك بعضه، وهو قليل .

الثاني: الأخذ بقول الصحابي فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع كما قاله الحاكم في مستدركه، وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد، واختار ابن عقيل من أصحابه المنع، وحكوه عن شعبة لكن عمل المفسرين على خلافه، فقد حكوا في كتبهم أقوالهم; لأن غالبها تلقوها عن الصحابة، وربما تحكى عنهم عبارات مختلفة الألفاظ فيظن من لا فهم عنده أن ذلك اختلاف تحقيق فيحكيه أقوالا، وليس كذلك، بل يكون كل واحد ذكر معنى من الآية لكونه أظهر عنده، أو أليق بحال السائل، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه، ونظيره، والآخر بمقصوده، وثمرته، والكل يؤل إلى معنى واحد غالبا، وإن لم يكن الجمع فالمتأخر من القولين عن الشخص يقدم إن استويا في الصحة عنه، وإلا فالصحيح المقدم .

الثالث: الأخذ بمطلق اللغة فإن القرآن نزل بلسان عربي، وهذا قد ذكره جماعة ونص عليه أحمد في مواضع، لكن نقل الفضل بن زياد أنه سئل عن القرآن يمثل له الرجل ببيت من الشعر؟ فقال: ما يعجبني، فقيل: ظاهره المنع، ولهذا قال بعضهم: في جواز تفسيره القرآن بمقتضى اللغة روايتان عن أحمد، وقيل: الكراهة تحمل على من صرف الآية على ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من الكلام العرب، ولا يوجد غالبا إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها، وروى البيهقي في الشعب عن مالك لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كلام الله إلا جعلته نكالا.

الرابع: التفسير [ ص: 540 ] بالمقتضى من معنى الكلام، وهذا هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس قال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل، والذي عناه علي بقوله إلا فهما يؤتاه الرجل في القرآن، ومن هنا اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كل برأيه على مقتضى نظره، ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل، قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقال تعالى وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ، وقال صلى عليه وسلم: من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال البيهقي: هذا الحديث إن صح، والله أعلم، المراد به الرأي الذي يقلد من غير دليل قام عليه، وأما الذي يشده برهان فالقول به جائز، وقال في المدخل: في هذا الحديث نظر وإن صح، وإنما أراد به، والله أعلم، فقد أخطأ الطريق فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه، وسبب نزوله، وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله، وأدوا إلينا من السنن ما يكون بيانا لكتاب الله فما ورد بيانه من صاحب الشرع، ففيه كفاية عن فكرة من بعده، ومالم يرد عنه بيانه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد، وقال: قد يكون المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفته منه بأصول العلم، وفروعه، فتكون موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة اهـ .كلام الزركشي.

وقال الماوردي الحديث إن صح فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه، ولم يعرج على سوى لفظه، وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق وإصابته اتفاق إذ الفرض أنه مجرد رأي، لا شاهد له، وفي الحديث: القرآن ذلول ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه، أخرجه أبو نعيم، وغيره من حديث ابن عباس فقوله: ذلول يحتمل وجهين أحدهما أنه مطيع لحامليه تنطق به ألسنتهم، والثاني أنه يوضح لمعانيه حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين، وقوله: ذو وجوه يحتمل معنيين أحدهما أن من الناظر ما يحتمل وجوها من التأويل، والثاني أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحليل والتحريم، وقوله: فاحملوه على أحسن وجوهه يحتمل معنيين أحدهما الحمل على أحسن معانيه، والثاني أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص، والعفو دون الانتقام، وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط، والاجتهاد في كتاب الله اهـ .

وقال أبو الليث: النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه ،كما قال تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجة بالغة فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب، وأسباب النزول أن يفسره، وأما من لم يعرف وجوه اللغة، فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع، ويكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير، ولو أنه يعلم التفسير فأراد أن يستخرج من الآية حكما، أو دليلا للحكم فلا بأس به، ولو قال: المراد كذا من غير أن يسمع فيه شيئا، فلا يحل وهو الذي نهي عنه .

وقال ابن الأنباري في الحديث الأول: حمله بعض أهل العلم على أن الرأي يعني به الهوى، فمن قال في القرآن قولا يوافق هواه فلم يأخذ عن أئمة الدين، وأصاب فقد أخطأ لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه، وقال في الحديث الثاني: وهو الذي أورده المصنف له معنيان أحدهما من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصحابة والتابعين، فهو متعرض لسخط الله، والثاني وهو الصحيح من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار .

وقال البغوي والكواشي وغيرهما: التأويل صرف الآية إلى معنى يوافق ما قبلها، وما بعدها تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط غير محظور على العلماء بالتفسير كقوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا ، قيل: شبابا وشيوخا، وقيل: أغنياء وفقراء، وقيل: عزابا ومتأهلين، وقيل: نشاطا وغير نشاط، وقيل: أصحاء ومرضى، وكل ذلك سائغ، والآية محتملة .

وأما التأويل المخالف للآية، والشرع فمحظور; لأنه تأويل الجاهلين مثل تأويل الروافض مرج البحرين يلتقيان أنهما علي وفاطمة يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان يعني الحسن والحسين .



[ ص: 541 ] (فصل في بيان العلوم التي يحتاج المفسر إلى تفسيره ) .

وهي خمسة عشر علما أحدها اللغة; لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ بحسب الوضع، قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب، ولا يكفي في حقه معرفة اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين، والمراد الآخر. الثاني النحو; لأن المعنى يتغير، ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بد من اعتباره، روى أبو عبيد عن الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقوم بها قراءته، فقال حسن: فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيبغي توجيهها فيهلك فيها.

الثالث: التصريف لأن به تعرف الأبنية، والصيغ قال ابن فارس: ومن فاته علمه فاته المعظم، وقال الزمخشري: من بدع التفاسير قول من قال: إن الإمام في قوله تعالى: يوم ندعوا كل أناس بإمامهم جمع أم، وإن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم، قال: وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف فإن أما لا يجمع على إمام* الرابع: الاشتقاق; لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما كالمسيح، هل هو من المساحة أو من المسح؟ .

الخامس والسادس والسابع: المعاني، والبيان، والبديع; لأنه يعرف بالأول تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام، وهذه العلوم الثلاثة من علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر; لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم .

الثامن: علم القراآت; لأنه به يعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراآت يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض، التاسع: أصول الدين؛ لما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على الله، فالأصولي يؤول ذلك، ويستدل على ما يستحيل، وما يجب وما يجوز، العاشر: أصول الفقه؛ إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط، الحادي عشر: علم أسباب النزول، والقصص إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه*، الثاني عشر: الناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره، الثالث عشر: الفقه، الرابع عشر: الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، الخامس عشر: علم الموهبة وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة في حديث من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، قال ابن أبي الدنيا: علوم القرآن، وما يستنبط منه بحر لا ساحل له، قال: فهذه العلوم التي هي كالآلة للمفسر لا يكون مفسرا إلا بتحصيلها، فمن فسر بدونها كان مفسرا بالرأي المنهي عنه، وإذا فسر مع حصولها لم يكن مفسرا بالرأي المنهي عنه، وأما الصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربية بالطبع لا بالاكتساب، وأنهم استفادوا العلوم الأخر من النبي صلى الله عليه وسلم .

قال السيوطي: ولعلك تستشكل علم الموهبة، وتقول هذا شيء ليس في قدرة الإنسان تحصيله، وليس كما ظننت من الإشكال، والطريق في تحصيله ارتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد .



(فصل)

قال ابن النقيب: جملة ما تحصل في معنى حديث التفسير بالرأي خمسة أقوال.

أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير، الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، الثالث: التفسير للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلا، والتفسير تابعا له فيرد إليه بأي طريق أمكن، وإن كان ضعيفا، الرابع: التفسيران مراد الله كذا على القطع من غير دليل، الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى .

وقال الزركشي: القرآن قسمان قسم ورد تفسيره بالنقل، وقسم لم يرد، والأول إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، أو رؤوس التابعين فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل ذلك اللسان فلا شك في اعتماده، إذ ربما شاهده من الأسباب، والقرائن فلا شك فيه فحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة، فإن أمكن الجمع فذلك، وإن تعذر قدم ابن عباس; لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فيه، وأما ما ورد عن التابعين فكذلك، وإلا وجب الاجتهاد، وأما ما لم يرد [ ص: 542 ] فيه نقل فقليل، وطريق التوصل إلى فهمه النظر إلى المفردات من تلك الألفاظ ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق .



(فصل في غرائب التفسير) .

التي لا يحل الاعتماد عليها، ولا تذكر إلا للتحذير منها من ذلك
قول من قال: في حم عسق أن الحاء حرب على معاوية، والميم ولاية المروانية، والعين ولاية العباسية، والسين ولاية السفيانية، والقاف قدوة مهدي، وحكاه أبو مسلم، ومن ذلك قول من قال: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب أنه قصص القرآن، واستدل بقراءة أبي الجوزاء بضم القاف، وهو بعيد، ومن ذلك ما ذكره ابن فورك في قوله ولكن ليطمئن قلبي أن إبراهيم عليه السلام كان له صديق وصفه بأنه قلبه، أي: ليسكن هذا الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عيانا، وهذا بعيد أيضا .

ومن ذلك قول من قال في قوله ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أنه الحب والعشق، وقد حكاه الكواشي في تفسيره، ومن ذلك قول من قال ومن شر غاسق إذا وقب أنه الذكر إذا قام، وقد ذكره صاحب القاموس، ومن ذلك قول أبي معاذ النحوي في قوله الذي جعل لكم من الشجر الأخضر يعني إبراهيم نارا أي: نورا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أنتم منه توقدون أي: تقتبسون، ومن ذلك ما سبق من قول الرافضة في قوله مرج البحرين أنهما علي وفاطمة، واللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين، وما أشبه ذلك من التفاسير المنكرة التي لا يحل الاعتماد عليها .




الخدمات العلمية