الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها أن يكون حزينا منكسرا مطرقا صامتا يظهر أثر الخشية على هيئته وكسوته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته لا ينظر إليه ناظر إلا وكان نظره مذكرا لله تعالى وكانت صورته دليلا على عمله فالجواد عينه مرآته وعلماء الآخرة يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقد قيل : ما ألبس الله عبدا لبسة أحسن من خشوع في سكينة فهي لبسة الأنبياء وسيما الصالحين والصديقين والعلماء وأما التهافت في الكلام والتشدق والاستغراق في الضحك والحدة في الحركة والنطق فكل ذلك من آثار البطر والأمن والغفلة عن عظيم عقاب الله تعالى وشديد سخطه وهو دأب أبناء الدنيا الغافلين عن الله دون العلماء به وهذا لأن العلماء ثلاثة كما قال سهل التستري رحمه الله عالم بأمر الله تعالى لا بأيام الله ، وهم المفتون في الحلال والحرام وهذا العلم لا يورث الخشية وعالم بالله تعالى لا بأمر الله ولا بأيام الله ، وهم عموم المؤمنين وعالم بالله تعالى وبأمر الله ، تعالى وبأيام الله تعالى وهم الصديقون والخشية والخشوع إنما تغلب عليهم وأراد بأيام الله أنواع عقوباته الغامضة ونعمه الباطنة التي أفاضها على القرون السالفة واللاحقة فمن أحاط علمه بذلك عظم خوفه ، وظهر خشوعه .

وقال عمر رضي الله عنه : تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من يتعلم منكم ، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم .

ويقال : ما آتى الله عبدا علما إلا آتاه معه حلما وتواضعا وحسن خلق ورفقا فذلك هو العلم النافع .

وفي الأثر من آتاه الله علما وزهدا وتواضعا وحسن خلق فهو إمام المتقين .

وفي الخبر إن من خيار أمتي قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله ، ويبكون سرا من خوف عذابه أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء أرواحهم في الدنيا وعقولهم في الآخرة يتمشون بالسكينة ويتقربون بالوسيلة وقال الحسن الحلم وزير العلم ، والرفق أبوه ، والتواضع سرباله .

وقال بشر بن الحارث من طلب الرياسة بالعلم ، فتقرب إلى الله تعالى ببغضه فإنه ممقوت في السماء والأرض .

ويروى في الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمائة وستين مصنفا في الحكمة حتى وصف بالحكيم ، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم : قل لفلان : قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني من ذلك بشيء وإني لا أقبل من نفاقك شيئا فندم الرجل ، وترك ذلك وخالط العامة في الأسواق ، وواكل بني إسرائيل وتواضع في نفسه ، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له : الآن وفقت لرضاي .

وحكى الأوزاعي رحمه الله عن بلال بن سعد أنه كان يقول : ينظر أحدكم إلى الشرطي فيستعيذ بالله منه ، وينظر إلى علماء الدنيا المتصنعين للخلق المتشوفين إلى الرياسة فلا يمقتهم وهم أحق بالمقت من ذلك الشرطي .

وروي أنه قيل : " يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : اجتناب المحارم ، ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله تعالى "، قيل : فأي الأصحاب خير ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " صاحب إن ذكرت الله أعانك ، وإن نسيته ذكرك "، قيل : فأي الأصحاب شر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : صاحب إن نسيت لم يذكرك ، وإن ذكرت لم يعنك ، قيل : فأي الناس أعلم ؟ قال : أشدهم لله خشية ، قيل : فأخبرنا بخيارنا نجالسهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : الذين إذا رؤوا ذكر الله قيل : فأي الناس شر ؟ قال : اللهم غفرا قالوا : أخبرنا يا رسول الله قال : العلماء إذا فسدوا وقال صلى الله عليه وسلم : إن أكثر الناس أمانا يوم القيامة أكثرهم فكرا في الدنيا ، وأكثر الناس ضحكا في الآخرة أكثرهم بكاء في الدنيا ، وأشد الناس فرحا في الآخرة أطولهم حزنا في الدنيا وقال علي رضي الله عنه في خطبة له : ذمتي رهينة وأنا به زعيم إنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سنخ أصل وإن أجهل الناس من لا يعرف قدره وإن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل قمش علما أغار به في أغباش الفتنة سماه أشباه له من الناس وأرذالهم عالما ولم يعش في العلم يوما سالما تكثر واستكثر فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى حتى إذا ارتوى من ماء آجن وأكثر من غير طائل جلس للناس معلما لتخليص ما التبس على غيره فإن نزلت به إحدى المهمات هيأ لها من رأيه حشو الرأي فهو ومن قطع الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أخطأ أم أصاب ركاب جهالات خباط عشوات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم تبكي منه الدماء وتستحل بقضائه الفروج الحرام لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه ولا هو أهل لما فوض إليه، أولئك الذين حلت عليهم المثلات وحقت عليهم النياحة والبكاء أيام حياة الدنيا .

وقال علي رضي الله عنه : إذا سمعتم العلم فاكظموا عليه ، ولا تخلطوه بهزل فتمجه القلوب .

وقال بعض السلف العالم إذا : ضحك ضحكة مج من العلم مجة .

وقيل إذا جمع المعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المتعلم الصبر والتواضع وحسن الخلق وإذا جمع المتعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المعلم العقل والأدب وحسن الفهم .

وعلى الجملة فالأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفك عنها علماء الآخرة لأنهم يتعلمون القرآن للعمل لا للرياسة .

وقال ابن عمر رضي الله عنهما لقد : عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة فيتعلم حلالها ، وحرامها وأوامرها وزواجرها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته يدري ما آمره وما ، زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده ينثره ، الدقل .

وفي خبر آخر بمثل معناه كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتينا الإيمان قبل القرآن وسيأتي ، بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده وحقوقه ، يقولون قرأنا فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم وفي لفظ أولئك شرار هذه الأمة .

التالي السابق


(ومنها) أي ومن علامات علماء الآخرة، (أن يكون) في نفسه في أكثر أحواله (حزينا) فقد أخرج أبو نعيم في الحلية من رواية جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، قال: إذا لم يكن في القلب حزن خرب، كما إذا لم يكن في البيت ساكن خرب اهـ .

(منكسرا) والانكسار من علامة الحزن، (مطرقا) أي جاعلا رأسه ونظره إلى الأرض (صامتا) أي ساكتا سكوت تفكر في عظمة الله وجلاله ولا يضره الكلام إذا احتاج إليه أو لضرورة خاصة، وأخرج أبو نعيم من رواية عمرو بن محمد بن أبي رزين، قال: سمعت وهيبا يقول: إن العبد ليصمت فيجتمع له لبه (يظهر أثر الخشية) والخوف (على هيئته) الطاهرة، (وكسوته) بأن لا تكون من ثياب الشهرة ولا رفيعة الأثمان ولا من دق الثياب، فإن كل ذلك ليست من ثياب علماء الآخرة، (وسيرته) الباطنة أي طريقته بل (و) في جميع (حركته وسكونه ونطقه وسكوته) وسائر شؤونه (لا ينظر إليه ناظر إلا وكان نظره) له (مذكرا لله تعالى) ، فإنه إذا كان متصفا بما ذكر من الأوصاف فكل من وقع نظره عليه، فإنه يميل له ويحبه، فإذا رآه ذكر الله الذي أعطاه هذه الأوصاف، وجملة بها ويتوجه بكليته إلى الله تعالى في أن يكون مثل هذا وأشباه ذلك فإنه ذكر الله تعالى، وهذا شأن الأولياء العارفين إذا رأوا ذكر الله وهم علماء الآخرة، وأخرج أبو نعيم من رواية زهير بن محمد عن هدبة عن حزم، سمعت مالك بن دينار يقول: يا عالم أنت عالم تفخر بعلمك، لو كان هذا العلم طلبته لله عز وجل لرئي فيك وفي عملك، (وكانت صورته دليلا على عمله) [ ص: 419 ] أي صورته الظاهرة تكون كالمرآة يرى فيها ما أبطن من أعماله، فالعمل إذا كان حسنا يظهر ذلك صورته وهيئته فلذا تكون الصور دلائل على الأعمال حسنا وقبحا، (فالجواد عينه فراره) وهو مثل يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه، وفي الصحاح أن الجواد عينه فراره، أي يغنيك شخصه ومنظره من أن تختبره، وإن تفر أسنانه .

وفي الأساس فر الجواد عينه، أي علامات الجود فيه ظاهرة، فلا يحتاج إلى أن تفره اهـ .

ويقال أيضا: الخبيث عينه فراره أي تعرف الخبيث في عينه، إذا أبصرته، (فعلماء الآخرة يعرفون بسيماهم) ويتميزون تميز الورد من السلم، (في السكينة والذلة والتواضع) ، فهذه الأوصاف الثلاثة من لوازمهم لا تفارقهم في الأحيان كلها، وهي من ثمرات اليقين، (وقد قيل: ما ألبس الله تعالى عبدا لبسة أحسن من خشوع في سكينة) ، أي مع سكينة هذه العبارة منتزعة من القوت، قال: ومما يدلك على الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة، أن كل عالم بعلم إذا رآه من لا يعرفه لم يتبين عليه أثر علمه، لا عرف أنه عالم إلا العلماء بالله عز وجل، فإنهم يعرفون بسيماهم للخشوع والسكينة والتواضع والذلة فهذه صبغة الله تعالى لأوليائه ولبسته للعلماء به، ومن أحسن من الله صبغة، كما قيل: ما ألبس الله عز وجل عبدا إلخ، ثم قال: (فهي لبسة الأنبياء وسيما الصالحين والصديقين والعلماء) فمثلهم في ذلك كمثل الصناع إذ كل صانع لو ظهر لمن لا يعرفه لا يعرف صنعته دون سائر الصنائع، ولم يفرق بينه وبين الصناع إلا الصناع فإنه يعرف بصنعته; لأنها ظاهرة عليه إذ صارت له لبسة وصنعة، لالتباسها بمعاملته فكانت سيماه .

(وأما التهافت في الكلام) أي التساقط فيه والتزاخم عليه، (والتشدق) أي إدارة الشدقين فيه بالفصاحة، (والاستغراق في الضحك) ، أي الامتلاء فيه، (والحدة) أي العجلة (في الحركة والنطق) بأن يبتدئ في الكلام قبل صاحبه، ويبادره به (فكل ذلك من آثار البطر) أي من سوء احتمال النعمة، وقلة القيام بحقها، (والأمن) أي ومن آثار الأمنية كأنه أزيل عنه الخوف، وصار مأمونا في نفسه، (والغفلة عن عظيم عقاب الله تعالى وشديد سخطه) ; فإن من تيقن ذلك لم يطع نفسه في غفلاتها، (وهذا دأب أبناء الدنيا) وطريقتهم، (الغافلين عن الله تعالى) المنسحبين تحت إمارة النفس الأمارة، (دون العلماء به) عز وجل، (وهذا لأن العلماء ثلاثة) أقسام، (كما قال) أبو محمد (سهل التستري) فيما نقله عنه صاحب القوت، فقال: عالم بالله تعالى، وعالم لله تعالى، وعالم بحكم الله تعالى، معنى العالم بالله تعالى: العارف الموقن، والعالم لله هو العالم بعلم الإخلاص والأحوال والمعاملات، والعالم بحكم الله هو العالم بتفصيل الحلال والحرام، فسرنا ذلك على معاني قوله ومعرفة مذهبه، وقد قال مرة في كلام أبسط من هذا: (عالم بأمر الله تعالى لا بأيام الله تعالى، وهم المفتون في الحلال والحرام) ، وهذه الجملة متأخرة في نص القوت، زاد المصنف: (وهذا العلم لا يورث الخشية) هذه الزيادة ليست في القوت، ثم قال سهل: (وعالم بالله لا بأمر الله ولا بأيام الله، وهم عموم المؤمنين) ، هذه الزيادة ليست في القوت، قال سهل: (وعالم بالله لا بأمر الله، ولا بأيام الله، وهم عموم المؤمنين) هذه الجملة أول الأقسام ونص القوت: وهم المؤمنون، (وعالم بالله تعالى وبأيام الله تعالى وهم الصديقون) ، زاد المصنف: (والخشية والخشوع إنما تغلب عليهم) لا على غيرهم، قال صاحب القوت: (وأراد) سهل بقوله: (بأيام الله أنواع عقوباته الغامضة ونعمه الباطنة) ونص القوت بنعمه الباطنة، وبعقوباته الغامضة، زاد المصنف، (التي أفاضها على القرون السالفة) الماضية، (واللاحقة فمن أحاط علمه بذلك عظم خوفه، وظهر خشوعه) ، قلت: وأصل ذلك في قوله تعالى: وذكرهم بأيام الله أي بنعمائه وشدائده، والأيام يعبر بها عن الشدائد والوقائع، ومنه أيام العرب، وقال بعضهم: إضافة الأيام إلى الله للتشريف، طالما أفاض عليهم من نعمه فيها، وأخرج أبو نعيم في الحلية من رواية علي بن خيشوم، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: قال بعض الفقهاء، كان يقال: العلماء ثلاثة عالم بالله، وعالم بأمر الله، وعالم بالله، وبأمر الله، فأما العالم بأمر الله فهو الذي يعلم السنة، ولا يخاف الله، وأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله، ولا يعلم السنة، وأما العالم بالله وبأمر دينه فهو الذي يعلم السنة، ويخاف الله فلذلك يدعى عظيما في [ ص: 420 ] ملكوت السماوات، وأخرج أيضا من رواية محمد بن جهضم، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: أفضل العلم العلم بالله والعلم بأمر الله، فإذا كان العبد عالما بالله، وعالما بأمر الله، فقد بلغ، ولم يصل إلى العباد نعمة أفضل من العلم بالله والعلم بأمر الله، ولم يصل إليهم عقوبة أشد من الجهل بالله والجهل بأمر الله اهـ .

وأورد صاحب القوت هذا القول عن سفيان، ولم يصرح أنه الثوري، أو ابن عيينة، فقال: وفرقوا بين علماء الدنيا، وعلماء الآخرة، فقال سفيان: العلماء عالم بالله تعالى، وبأمر الله تعالى، فذاك العالم الكامل، وعالم بالله تعالى غير عالم بأمر الله تعالى، فذاك التقي الخائف، وعالم بأمر الله تعالى غير عالم بالله تعالى، فذلك العالم الفاجر، وقيل أيضا: عالم لله تعالى، وهو العامل بعلمه، وعالم بأيام الله تعالى، وهو الخائف الراجي، كان سهل يقول: طلاب العلم ثلاثة: واحد يطلبه للعمل به، وآخر يطلبه ليعرف الاختلاف فيتورع، ويأخذ بالاحتياط، وآخر يطلبه ليعرف التأويل، فيتأول الحرام فيجعله حلالا، فهذا يكون هلاك الخلق على يديه، (وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تعلمون منه، وليتواضع لكم من يتعلم منكم، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم) ، هكذا أورده صاحب القوت بلا سند، قال: وروينا عن عمر أيضا، فساقه، قال العراقي: ورد هذا مرفوعا، رواه ابن عدي في ترجمة عباد بن كثير البصري، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي من حديث عمر أيضا مرفوعا مختصرا، رواه أبو نعيم من رواية عبد المنعم بن بشير، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم الوقار"، وعباد بن كثير متروك الحديث، عبد المنعم بن بشير المصري، يكنى أبا الخير، منكر الحديث اهـ. قلت: أخرجه أبو نعيم من حديث حبوش بن رزق الله عن عبد المنعم بن بشير، وقال في آخره: غريب من حديث مالك لم نكتبه، إلا من حديث حبوش عن عبد المنعم، والسياق الأول، فقد أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، إلا أنه إلى قوله: لمن تعلمون منه، ولم يذكر شيئا بعد ذلك، وتعلمون بحذف إحدى التاءين والسكينة الطمأنينة، والوقار الحلم، والرزانة، أي ينبغي للعالم أن يلزم هذه الأوصاف في مراقبته مع الله تعالى في سائر حركاته وسكناته، فإنه أمين على ما استودع من العلوم، قال ابن المبارك: كنت عند مالك فلدغته عقرب ست عشرة مرة فتغير لونه، وتصبر ولم يقطع الحديث، فلما فرغ سألته، فقال: صبرت إجلالا لحديثه صلى الله عليه وسلم، وليتواضع لمن يتعلم منه، لأنه رفعة له وزيادة عز لكونه من ورثة الأنبياء، (ويقال: ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا آتاه معه حلما وتواضعا وحسن خلق ورفقا) هكذا أورده صاحب القوت، ثم قال: (فذلك هو) ونص القوت: فذلك علامة (العلم النافع، وفي الخبر) ونص القوت: وقد روينا معناه في الأثر، (من آتاه الله زهدا وتواضعا وحسن خلق فهو إمام المتقين) هكذا أورده صاحب القوت، وتبعه المصنف ولم يتعرض له العراقي، ولا وجدته في غير كتاب القوت، (وفي الخبر إن من خيار أمتي قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله عز وجل، ويبكون سرا من خوف عذاب الله أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء أرواحهم في الدنيا وعقولهم في الآخرة) ; لأنه لا راحة للمؤمن دون لقائه ربه والدنيا سجنه حقا فلذا يجد المؤمن بدنه في الدنيا وروحه في السماء وفي الحديث المرفوع، إذا قام العبد وهو ساجد باهى الله به الملائكة فيقول: "انظروا إلى عبدي بدنه في الأرض وروحه عندي" رواه تمام وغيره، وهذا معنى قول بعض السلف: القلوب جوالة فقلب حول الحشر، وقلب يطوف مع الملائكة حول العرش .

قال ابن القيم: ولا يبادر إلى إنكار كون البدن في الدينا والروح في الملأ الأعلى، فللروح شأن وللبدن شأن والنبي صلى الله عليه وسلم كان بين أظهر أصحابه، وهو عند ربه يطعمه ويسقيه، فبدنه بينهم، وروحه وقلبه عند ربه، وقال أبو الدرداء: إذا نام العبد عرج بروحه إلى تحت العرش، فإن كان طاهرا أذن له بالسجود، فإن لم يكن طاهرا لم يؤذن له بالسجود فهذه، والله أعلم، هي العلة التي أمر الجنب لأجلها أن يتوضأ إذا أراد النوم، وهذا الصعود، إنما [ ص: 421 ] كان لتجرد الروح عن البدن بالنوم، فإذا تجردت بسبب آخر حصل لها من الترقي والصعود بحسب ذلك التجرد، وقد يقوى الحب بالمحب حتى لا يشاهد منه بين الناس إلا جسمه وروحه في موضع آخر عند محبوبه، (يمشون بالسكينة) ، وهو السكون والاطمئنان، (ويتقربون بالوسيلة) .

قال العراقي: رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، بزيادة فيه، واللفظ له من رواية حماد بن أبي حميد، عن مكحول، عن عياض بن سليمان، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيار أمتي فيما أنبأني العلي الأعلى قوم يضحكون جهرا من سعة رحمة الله، ويبكون سرا من خوف شدة عذاب ربهم، يذكرون ربهم في الغداة والعشي في البيوت الطيبة المساجد، ويدعونه بألسنتهم; رغبا ورهبا، ويسألونه بأيديهم خفضا، ورفعا، ويقبلون بقلوبهم عودا وبدءا، فمؤنتهم على الناس خفيفة، وعلى أنفسهم ثقيلة، يدبون في الأرض حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا مرح ولا بذخ يمشون بالسكينة، ويتقربون بالوسيلة ويقرؤون القرآن ويقربون القربات ويلبسون الخلقان من الله شهود حاضرة، وعين حافظ يتوسمون العباد، وينقلبون في البلاد أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا أمامهم، أعدوا الجهاز لقبورهم، والجواز لسبيلهم والاستعداد لمقامهم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ، قال البيهقي: تفرد بهذا حماد بن أبي حميد، وليس بالقوي عند أهل العلم .

قال العراقي: ولم ينفرد به حماد، كما قال البيهقي، بل روى أيضا من رواية خالد بن المغيرة بن قيس عن مكحول، رواه أبو نعيم في الحلية، وخالد بن المغيرة، لم أر له ذكرا في مظان وجوده، وكذلك راويه عنه شيبان بن مهران، والله أعلم. اهـ .

قلت: أورده الحافظ السيوطي في الجامع الكبير، وعزاه لأبي نعيم، والحاكم، قال: وتعقب والبيهقي، وضعفه، وابن النجار كلهم عن عياض بن سلمان، وكانت له صحبة، قال الذهبي: هذا حديث عجيب، منكر وعياض لا يدرى من هو، قال ابن النجار: ذكره أبو موسى المديني في الصحابة، (وقال الحسن) البصري: (الحلم وزير العلم، والرفق أبوه، والتواضع سرباله) ، هكذا أورده صاحب القوت بلفظ: وكان الحسن يقول، فساقه، والسربال بالكسر القميص، أو كل ما لبس .

(وقال بشر بن الحارث) الحافي: (من طلب الرياسة بالعلم، فتقرب إلى الله ببغضه فهو مقيت في السماء والأرض) أورده صاحب القوت، ولفظه من العلماء يدل بالعلم، وفيه فإنه مقيت بدل فهو والمقيت الممقوت، وهو المبغوض أشد البغض، وأخرج أبو نعيم من رواية محمد بن السماك، عن سليمان عن مالك بن دينار، أنه قال: "من طلب العلم للعمل وفقه الله تعالى، ومن طلب العلم لغير العمل يزداد بالعمل فخرا"، (وروي في الإسرائيليات) ، وفي القوت، وروينا في الإسرائيليات (أن حكيما من الحكماء صنف ثلاثمائة وستين مصنفا) ، كذا في النسخ ونص القوت مصحفا (في الحكمة حتى وصف بالحكيم، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم: قل لفلان: قد ملأت الأرض بقاقا) هو بقافين، كسحاب كثرة الكلام، وقيل: الهذيان، (ولم تردني بشيء من ذلك) أي لم ترد وجهي، (وإني لم أقبل من بقاقك شيئا فندم الرجل، وترك ذلك) ، ونص القوت: قال فسقط في يديه وحزن فترك ذلك، (وخالط العامة) من الناس (ومشى في الأسواق، وواكل بني إسرائيل وتواضع في نفسه، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم) ، ونص القوت: إلى النبي عليه السلام، (قل له: الآن) ونص القوت: قل لفلان: الآن، (وافقت رضاي) وأخرج أبو نعيم في الحلية، في ترجمة أبي يوسف يزيد بن ميسرة، فقال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سالم الكتاني، عن يحيى بن جابر الطائي، عن يزيد بن ميسرة، أن حكيما من الحكماء صنف ثلاثمائة وستين مصحفا، حكما فبثها في الناس، فأوحى الله إليه، إنك ملأت الأرض بقاقا وإن الله لم يقبل من بقاقك شيئا، (وحكى الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو فقيه أهل الشام، (عن بلال بن سعد) بن تميم الأشعري، أو الكندي، أبو عمرو، أو أبو زرعة الدمشقي، ثقة فاضل، مات في خلافة هشام، (أنه كان يقول: ينظر أحدكم إلى الشرطي) قال في المصباح: الشرط على لفظ الجمع أعوان السلطان; لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون [ ص: 422 ] بها للأعداء الواحد شرطة، مثل غرفة وغرف، فإذا نسب إلى هذا قيل: شرطي بالسكون ردا إلى الواحد، (فيستعيذ بالله منه، وينظر إلى علماء الدنيا المتصنعين) أي المكلفين في صنعهم، (إلى الخلق المتشوفين) أي المتطلعين، (إلى الرياسة فلا يمقته هذا أحق بالمقت من ذلك الشرطي) أورده صاحب القوت، ولفظه: وكان الأوزاعي يروي عن بلال بن سعد، أنه كان يقول: ينظر أحدكم إلى الشرطي، والعون فيستعيذ بالله من حاله، ويمقته، وينظر إلى عالم الدنيا قد تصنع للخلق وتشوف للطمع والرياسة، فلا يمقته، هذا العالم أحق بالمقت، من ذلك الشرطي .

(وروي أنه قيل: "يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: اجتناب المحارم، ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله تعالى"، قيل: فأي الأصحاب خير؟ قال: "صاحب إن ذكرت أعانك، وإن نسيت ذكرك"، قيل: فأي الأصحاب شر؟ قال: صاحب إن نسيت لم يذكرك، وإن ذكرت لم يعنك، قيل: فأي الناس أعلم؟ قال: أشدهم لله خشية، قيل: فأخبرنا بخيارنا نجالسهم؟ قال: الذين إذا رأوا ذكر الله تعالى قالوا: فأي الناس شر؟ قال: اللهم غفرا قالوا: أخبرنا يا رسول الله قال: العلماء إذا فسدوا) .

قال العراقي: لم أجده هكذا مجموعا بطوله، وهو متلفق بعضه من أحاديث، فروينا في كتاب الزهد والرقائق لابن المبارك، من رواية محمد بن عدي، عن يونس، عن الحسن، قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله".

وروي ذلك أيضا من حديث عبد الله بن بسر المازني مرفوعا، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، وإسناده جيد .

وروي أيضا من حديث معاذ بن جبل، وذكر المصنف في آداب الصحبة حديثا متنه: "إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له أخا صالحا، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه"، وسيأتي ذلك في بابه، وروى الثعلبي بإسناده عن الشعبي: "إنما العالم من يخشى الله"، وروى البزار من رواية جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رجل: يا رسول الله، من أولياء الله؟ قال: الذين إذا رأوا ذكر الله عز وجل"، وروى البزار أيضا من حديث معاذ قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس شر؟ فقال: اللهم غفرا سل عن الخير، ولا تسأل عن الشر، شرار الناس شرار العلماء، وإسناده ضعيف، وروى الدارمي في مسنده من رواية الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا، وقد تقدم في الباب الثالث، قلت: هذا الحديث بطوله، أورده صاحب القوت، وإياه تبع المصنف، ولفظه: وقد روينا حديثا حسنا مقطوعا، عن سفيان عن مالك بن مغول، قال: قيل: يا رسول الله، فساقه، وفيه وصاحب إن سكت بدل نسيت، والباقي سواء، (وقال صلى الله عليه وسلم: إن أكثر الناس أمانا) وفي نسخة أمنا (يوم القيامة أكثرهم فكرا في الدنيا، وأكثر الناس ضحكا في الآخرة أكثرهم بكاء في الدنيا، وأشد الناس فرحا في الآخرة أطولهم حزنا في الدنيا) ، أورده صاحب القوت، عن عامر بن عبد الله المقبري، وكان من أقران الحسن، سمعت مشيختنا، فيما يروون عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: إن أصفى الناس إيمانا يوم القيامة، أكثرهم فكرة في الدنيا، وأكثر الناس ضحكا في الجنة، والباقي سواء .

قال العراقي: لم أجد له أصلا بجملته في الأحاديث المرفوعة، ولأول الجملة شاهد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة، رفعه، فيما يروي عن ربه جل وعلا: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وللجملة الأخيرة من رواية مالك بن دينار، قال: رأيت الحسن في منامي مشرق اللون، وفي آخره أطول الناس حزنا في الدنيا أطولهم فرحا في الآخرة، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الهم والحزن، (وقال علي كرم الله وجهه في خطبته: ذمتي رهينة وأنا زعيم) ، هكذا في القوت، وفي رواية: وأنا زعيم لمن صرحت له العبرات (لا يهيج) أي لا يذوي وييبس (على التقوى زرع قوم ولا يظمأ) أي لا يعطش (على الهدى سنخ) بكسر السين المهملة، وسكون النون، وآخره خاء معجمة هو الأصل (أصل وإن أجهل الناس من لا يعرف قدره) هكذا في القوت، وزاد: وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره، وفي رواية أخرى بعد قوله: سنخ أصل ألا (وإن أبغض الخلق إلى الله) ، وفي أخرى: أبغض خلق الله إلى الله، (رجل قمش علما) ، التقميش جمع الشيء من هنا وهنا (أغار في أغباش الفتنة) هكذا في القوت، والأغباش جمع غبش، وهي [ ص: 423 ] الظلمة، وفي رواية: غارا في غباش الفتنة، زاد في القوت: عمي عما في غيب الهدنة، وفي رواية: عميا بما في غيب الهدنة، (سماه أشباه الناس وأراذلهم عالما) ، وفي القوت: ورذالهم، وفي رواية: سماه أشباهه من الناس عالما، (ولم يعش) ، كذا في النسخ، والصواب: ولم يعن أي لم يهتم (في العلم يوما سالما بكر) أي غدا في تحصيله، وفي بعض النسخ: تكثر وهو غلط، (فاستكثر) أي أخذ بالكثرة، (فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى) ، هكذا في النسخ، والرواية: فما قل منه فهو خير مما كثر، (حتى إذا ارتوى من ماء آجن) ، أي متغير شبه به العلم الذي لا ينتفع به، (وأكثر من غير طائل جلس) ، وفي رواية قعد (للناس مفتيا ليخلص) كذا في النسخ، والرواية لتخليص (ما التبس على غيره) أي اشتبه (وإن نزلت به إحدى المهمات) كذا في النسخ، والرواية المبهمات أي المشكلات (هيأ) لها (حشو الرأي من رأيه) وفي رواية هيأ حشوا من رأيه، (فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت) ، أي في غاية الضعف والوهي، وإذا أرادوا فساد أمر وعدم انتظامه شبهوه بحق الكهدل، وهي العنكبوت يقولون: هي أضعف من حق الكهدل، أي بيت العنكبوت، (لا يدري أخطأ أم أصاب) .

وفي رواية: لا يعلم إذا أخطأ; لأنه لا يعلم أخطأ أم أصاب، (ركاب جهالات خباط عشوات) ، وفي بعض الروايات بالتقديم والتأخير، أي كثير الركوب على متن عمياء، وكثير الخبط للعشواء، وكلاهما مثل: (لا يتعذر مما لا يعلم فيسلم) أي: لا يكل علم ما لا يعلمه إلى الله تعالى، فيسلم من الورطة استنكافا عن نسبة الجهل إليه فيقدم في جواب كل مسألة، (ولا يعض على) وفي رواية في (العلم بضرس قاطع فيغنم) أي لم يأخذ من العلم بحظه الوافر، واجتهاده القوي، فينال غنيمة، وزاد في رواية (ذر الرواية ذر الريح الهشيم) أي ليس عنده إلا الرواية من غير العمل بما علمه، فهو بذرها على الأسماع، كما ذرت الريح العاصف اليابس من الكلأ (تبكي منه الدماء) أي; لأنه يفتي فيها بغير وجه شرعي، بل بجهل منه، (وتستحل بقضائه) أي بحكمه (الفروج الحرام) أي لجهله في مسائل النكاح، وفي رواية قبل هذه الجملة: وتصرخ منه المواريث، (لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه) ، وهو مثل في تنزيل الشيء غير موضعه، وأنشدوا:


أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل

(ولا هو أهل لما فوض إليه) ، وفي رواية: ولا أهل لما فرط به، زاد القوت: (أولئك الذين حلت عليهم) المثلات، وحقت عليهم (النياحة والبكاء أيام حياة الدنيا) ، قال السيوطي في القسم الثاني من الجامع الكبير: رواه المعافى بن زكريا، ووكيع، وابن عساكر في التاريخ، قلت: وأورده صاحب القوت، فقال: وقد وصف علي كرم الله وجهه علماء الدنيا الناطقين عن الرأي والهوى بوصف غريب، رواه خالد بن طليق، عن أبيه عن جده، وجده عمران بن الحصين رضي الله عنه، قال: خطبنا علي رضي الله عنه، فقال: فساقه، (وقال علي رضي الله عنه: إذا سمعتهم العلم فاكظموا عليه، ولا تخلطوه بهزل فتمجه القلوب) ، هكذا أورده صاحب القوت، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير في القسم الثاني منه إلى عبد الله ابن الإمام أحمد والخطيب في الجامع الكبير، ولفظه: تعلموا العلم فإذا علمتموه فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك باطل فتمجه القلوب، (وقال بعض السلف: من ضحك ضحكة مج من العلم مجة) هكذا أورده صاحب القوت، وأخرجه أبو نعيم من قول علي رضي الله عنه: (وإذا جمع المعلم ثلاثا) أي ثلاثة أوصاف فقد (تمت النعمة بها) وفي نسخة به، (على المتعلم الصبر) على تعليمه (والتواضع) لمن يتعلم (وحسن الخلق) معه، (وإذا جمع المتعلم ثلاثا) فقد (تمت النعمة بها) وفي نسخة به (على المعلم العقل) الكامل لما يتعلمه، (والأدب) مع علمه، (وحسن الفهم) لما يتلقاه، هكذا أورده صاحب القوت .

(وعلى الجملة فالأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفك عنها علماء الآخرة) ، أي عن العمل بها (لأنهم يتعلمون القرآن للعمل) بما فيه (لا للرياسة) والافتخار والمباهاة (وقال ابن عمر رضي الله عنهما: عشنا برهة) ، أي زمانا (من الدهر وإن [ ص: 424 ] أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيعلم حلالها، وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يتوقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمة لا يدري ما آمره، ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، وينشره نشر الدقل) ، هكذا أورده صاحب القوت، ولفظه: وروينا عن ابن عمر وغيره: لقد عشنا برهة من دهرنا، وفيه فيتعلم بدل فيعلم، وفيه بعد قوله: يتوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، والباقي سواء .

قال العراقي: أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك من رواية قاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر يقول: فساقه كسياق القوت، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه اهـ، قلت: وأخرج ابن جرير في تفسيره عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أن في أمته قوما يقرؤون القرآن ينشرونه، نشر الدقل يتأولونه على غير تأويله، لا يجاوز تراقيهم تسبق قراءتهم إيمانهم، والدقل محركة أراد التمر، وقال السرقسطي: هو تمر الروم، (وفي خبر آخر بمثل معناه) ، ونص القوت بمعناه: (كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتينا الإيمان قبل القرآن، وسيأتي بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان ويقيمون حروفه، ويضيعوا حدوده، ويقولون: قرأنا القرآن فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم) منه، (وفي لفظ آخر أولئك شرار هذه الأمة) هكذا أورده صاحب القوت بعد إيراده حديث جندب البجلي.

وقال العراقي: روي ذلك من حديث جندب بن عبد الله البجلي، رواه ابن ماجه مختصرا، مقتصرا على القدر المرفوع منه من رواية أبي عمران الجوني، عن جندب، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن فتيان خزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا، وإسناده صحيح، زاد الطبراني فيه: وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان، وهو صحيح أيضا، وروى مسلم وابن ماجه، من رواية عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، ورافع بن عمرو الغفاري، مرفوعا: "إن بعدي من أمتي يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق، والخليقة"، وروى البيهقي في سننه في أبواب الإمامة من حديث حذيفة نحو حديث جندب اهـ .

وأورد صاحب القوت حديث جندب المتقدم، ثم قال: وعن ابن مسعود قال: أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذتم دراسته عملا، وسيأتي قوم يثقفونه تثقيف الغناء ليسوا بخياركم،وفي لفظ آخر: يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه، ولا يتأجلونه، هذا قد تقدم للمصنف .




الخدمات العلمية