الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم من صلى ما بين المغرب والعشاء تلك صلاة الأوابين .

وقال الأسود ما أتيت ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الوقت إلا ورأيته يصلي ، فسألته ، فقال : نعم ، هي ساعة الغفلة وكان أنس رضي الله عنه يواظب عليها ويقول هي ناشئة الليل ويقول فيها نزل قوله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان الداراني : أصوم النهار وأتعشى بين المغرب والعشاء أحب إليك أو أفطر بالنهار وأحيي ما بينهما ؟ فقال : اجمع بينهما . فقلت : إن لم يتيسر قال : أفطر وصل ما بينهما .

التالي السابق


(وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من صلى ما بين المغرب والعشاء فذلك) .وفي رواية فإنها (صلاة الأوابين) .وفي رواية: من صلاة الأوابين، وهم التوابون الرجاعون عن المعاصي، ولم يبين عددها تنبيها على الإكثار منها بينهما بقدر الاستطاعة، والمراد: صلاة بينهما زائدة على سنة المغرب والعشاء، ونقل المنياوي عن بعض موالي الروم، والظاهر أن خبر من في الحديث محذوف، تقديره: من صلى ما بين المغرب والعشاء يكون من زمرة الأوابين المقبولين عند الله، لمشاركتهم إياهم في تلك الصلاة. فقوله: فإنها أو فذلك إشارة إلى علة الحكم المحذوف وقائم مقامه، روى هذا الحديث محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن المبارك في الرقائق، كلاهما عن محمد بن المنكدر مرسلا، ولفظ " القوت ": أبو صخر سمع محمد بن المنكدر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم في كتاب الصلاة .

(وقال الأسود) بن زيد النخعي: (ما أتيت) عبد الله (ابن مسعود) -رضي الله عنه- (في هذا الوقت إلا ورأيته يصلي، فسألته، فقال: نعم، هي ساعة الغفلة) نقله صاحب "القوت " عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، ولهذا تسمى هذه الصلاة صلاة الغفلة; لاشتغال الناس عن هذه الساعة (وكان أنس) -رضي الله عنه- (يواظب عليها ويقول: هي ناشئة الليل) أورده صاحب "القوت " عن ثابت البناني قال: كان أنس، فساقه كان يتأول به قول الله تعالى: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ومحمد بن نصر في الصلاة، والبيهقي في السنن، عن أنس في قوله: إن ناشئة الليل قال: ما بين المغرب والعشاء. ورواه ابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير مثله، ورواه محمد بن نصر، والبيهقي عن علي بن الحسين قال: ناشئة الليل قيام ما بين المغرب والعشاء. وروى ابن المنذر، عن علي بن الحسين أنه رؤي يصلي فيما بين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: من الناشئة، وهذا الأخير نقله أيضا صاحب الكشاف بنحوه .

(ويقول: فيها نزل قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) وهو أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، ولفظ " القوت ": حدثنا عن فضيل بن عياض، عن أبان بن أبي عياش قال: سألت امرأة أنس بن مالك، فقالت: إني أرقد قبل العشاء. فنهاها وقال: نزلت هذه الآية فيما بينهما: تتجافى جنوبهم عن المضاجع .

(وقال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان الداراني: أصوم النهار وأتعشى ما بين المغرب والعشاء أحب إليك أو أفطر النهار وأحيي ما بينهما ؟ [ ص: 182 ] فقال: اجمع بينهما. فقلت: إن لم يتيسر) الجمع بينهما ؟ (فقال: أفطر وصل ما بينهما) نقله صاحب "القوت ". ودل ذلك على فضل الإحياء بين العشاءين.

وقد ورد في عظم فضل الصلاة بينهما أخبار كثيرة غير ما ذكره المصنف، فمن ذلك: ما روي عن مكحول مرسلا أو بلاغا: من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم، كتبتا في عليين، رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الرزاق في مصنفيهما، ومحمد بن نصر في الصلاة، وعن أنس -رضي الله عنه-: من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد يقرأ في الأولى بالحمد و قل يا أيها الكافرون وفي الثانية بالحمد و قل هو الله أحد خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها. رواه ابن النجار في تاريخه، ورواه الخطيب بلفظ: من صلى أربعين يوما في جماعة، ثم انتقل عن صلاة المغرب، فأتى بركعتين. والباقي سواء. وهو ضعيف. .

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: من صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين قبل أن يتكلم. أسكنه الله في حظيرة القدس، فإن صلى أربعا كان كمن حج حجة بعد حجة، فإن صلى ستا غفر له ذنوب خمسين عاما. رواه ابن شاهين.

وعن ابن عباس: من صلى ليلة الجمعة بعد المغرب ركعتين، يقرأ في كل منهما بفاتحة الكتاب مرة، وإذا زلزلت خمس عشرة مرة، هون الله عليه سكرات الموت، وأعاذه من عذاب القبر، ويسر له الجواز على الصراط. قال الحافظ ابن حجر في أماليه: سنده ضعيف .

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: من صلى أربع ركعات بعد المغرب كان كمن عقب غزوة بعد غزوة في سبيل الله عز وجل. رواه أبو الفتح في الثواب، وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم، غفر له ذنوب خمسين سنة. رواه محمد بن نصر المروزي في الصلاة، وابن مصري في أماليه، وابن عساكر في التاريخ، وفيه محمد بن غزوان الدمشقي، قال أبو زرعة: منكر الحديث .

وعن أنس -رضي الله عنه-: من صلى بعد المغرب ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة: قل هو الله أحد أربعين مرة صافحته الملائكة يوم القيامة، ومن صافحته الملائكة يوم القيامة أمن الصراط والحساب والميزان. رواه أبو محمد السمرقندي من طريق أبان عنه، وعن جرير -رضي الله عنه-: من صلى ما بين المغرب والعشاء عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة: الحمد و قل هو الله أحد بنى الله له في الجنة قصرين لا نصل فيهما ولا وصم. رواه أبو محمد السمرقندي في " فضائل سورة الإخلاص ". وفيه أحمد بن عبيد صدوق له مناكير، ورواه ابن ماجه من حديث عائشة بلفظ: بنى الله له بيتا في الجنة. وعن أنس -رضي الله عنه-: من صلى عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد حفظه الله في نفسه وأهله وماله ودنياه وآخرته، ورواه نظام الملك في السداسيات من طريق أبي هدبة عنه، وهو ضعيف .




الخدمات العلمية