الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها ما له ثمر وليس له ظل ، وهو مثل الذي يصلح للآخرة دون الدنيا ومنها ، ما له ثمر وظل جميعا ومنها ما ليس له واحد منهما كأم غيلان تمزق الثياب ولا طعم فيهما ولا شراب ومثله من الحيوانات الفأرة والعقرب كما قال تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير وقال الشاعر .


الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم لا يستوون كما لا يستوي الشجر     هذا له ثمر حلو مذاقته
وذاك ليس له طعم ولا ثمر

فإذا لم يجد رفيقا يؤاخيه ويستفيد به أحد هذه المقاصد فالوحدة أولى به .

قال أبو ذر رضي الله عنه الوحدة خير من الجليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة ويروى مرفوعا .

وأما الديانة وعدم الفسق فقد قال الله ، تعالى : واتبع سبيل من أناب إلي ولأن مشاهدة الفسق والفساق تهون أمر المعصية على القلب وتبطل نفرة القلب عنها .

قال سعيد بن المسيب لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة بل هؤلاء لا سلامة في مخالطتهم ، وإنما السلامة في الانقطاع عنهم .

قال الله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي : سلامة ، والألف بدل من الهاء ومعناه إنا سلمنا من إثمكم وأنتم سلمتم من شرنا فهذا ما أردنا أن نذكره من معاني الأخوة وشروطها وفوائدها فلنرجع ، في ذكر حقوقها ولوازمها وطرق القيام بحقها .

التالي السابق


(ومنه ما له ثمر وليس له ظل، وهو الذي يصلح للآخرة دون الدنيا، ومنه ما له ثمر وظل جميعا) فهذا الذي يصلح للدين والدنيا وهو أعزها (ومنه ما ليس له واحد منهما) لا ظل ولا ثمر، وهذا هو الذي لا يحتاج إليه (كأم غيلان) وهي شجرة الغضا شائكة لا ينتفع بها، وتعرف أيضا بشوك البرية، وإنما عرفت بأم غيلان لما تزعم العرب أنها مأوى شياطين الجن (تمزق الثياب ولا طعم لها ولا شراب) ؛ فهؤلاء من الناس من يضر ولا ينفع ويكثر ولا يدفع .

(ومثله في الحيوان) مثل (الفأرة والعقرب) أي: فإنهما مضران لا نفع فيهما للإنسان مطلقا (كما قال) الله (تعالى: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير و) في وصفهم (قال الشاعر وهو المؤمل:


الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم لا يستوون كما لا يستوي الشجر هذا له ثمر حلو مذاقته
وذاك ليس له ظل ولا ثمر )



ولفظ القوت

ذا رب ظل وهذا عنده ثمر وذاك ليس له ظل ولا ثمر



ويوجد في بعض نسخ الكتاب:

وذاك ليس له طعم ولا ثمر



وفي أخرى: ولا أثر (فإذا من لم يجد له رفيقا يؤاخيه ويستفيد منه أحد هذه المقاصد) دينية ودنيوية (فالوحدة أولى به) وأرفق لحاله (قال أبو ذر) -رضي الله عنه-: (الوحدة خير من الجليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة) هكذا هو في القوت موقوفا على أبي ذر، قال الحافظ ابن حجر: وهو المحفوظ (ويروى مرفوعا) إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخرجه الحاكم في المناقب والبيهقي وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال من طريق صدقة بن أبي عمران عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر". قال الذهبي: لم يصح ولا صححه الحاكم، وقال الحافظ ابن حجر: سنده حسن، وقد أغفله العراقي فلم يورده، وصدقة بن أبي عمران قاضي الأهواز كوفي صدوق، روى له البخاري تعليقا ومسلم وابن ماجه.

(وأما الديانة وعدم الفسق، فقال تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي ) ففي مفهومه زجر عن مصاحبة أهل الفسق والفجور، كما تقدم "فلا تصحبن إلا مقبلا عليه" (ولأن مشاهدة الفسق و) معاشرة (الفساق تهون أمر المعاصي على القلب وتبطل نفرة القلب عنها) ، فالأحرى عدم مشاهدتهم وأحوالهم في حال من الأحوال .

(قال) سعيد (بن المسيب) رحمه الله تعالى: (لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة) كذا في القوت (بل هؤلاء) الظلمة والفساق (لا سلامة في مخالطتهم، وإنما السلامة في الانقطاع عنهم) وقد (قال) الله (تعالى) وهو أحسن الواصفين في وصف أوليائه المتقين: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي: سلامة، والألف بدل من الهاء) لازدواج الكلم، ومعناه أي: سلمنا من إثمكم وأنتم سلمتم من شرنا، كذا في القوت (فهذا ما أردنا أن نذكره في معاني الأخوة وشروطهم وفوائدها، فلنشرع في ذكر حقوقها ولوازمها وطرق القيام بحقها) .




الخدمات العلمية