الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : " يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء " وقال صلى الله عليه وسلم : " من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما " وقال صلى الله عليه وسلم : " من تفقه في دين الله عز وجل كفاه الله تعالى ما أهمه ، ورزقه من حيث لا يحتسب "

التالي السابق


الحادي عشر: (وقال عليه السلام: "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء") أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف، قاله العراقي.

قلت: وأخرجه الشيرازي في الألقاب من طريق أنس بزيادة: "فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء" وأخرجه الذهبي في فضل العلم، عن عمران بن حصين، وابن الجوزي في العلل عن النعمان بن بشير، والديلمي عن ابن عمر، قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وهارون بن عنتر أحد رجاله، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، يروي المناكير، ويعقوب القمي ضعيف، وفي الميزان: متنه موضوع، وهذا الحديث مما احتج به على فضل العالم على الشهيد .

وقال ابن الزملكاني: والإنصاف أن ما ورد للشهيد من الخصائص، وصح فيه من رفع العذاب وغفران النقائص، لم يرد مثله للعالم لمجرد علمه، ولا يمكن أحدا أن يقطع به في حكمه، وقد يكون لمن هو أعلى درجة ما هو أفضل من ذلك، وينبغي أن يتعين حال العالم وثمرة علمه، وما زاد عليه، وحال الشهيد وثمرة شهادته، وما أحدث عليه، فيقع التفضيل بحسب الأعمال والفوائد، فكم من شاهد أو عالم هون أهوالا، وفرج شدائد، وعلى هذا فيتجه أن الشهيد الواحد أفضل من جماعة من العلماء، والعالم الواحد أفضل من كثير من الشهداء، كل بحسب حاله، وما ترتب على علومه وأعماله، وسيأتي الكلام على هذا الحديث قريبا .

الثاني عشر: (وقال عليه السلام: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة") أخرجه ابن عبد البر في العلم من حديث ابن عمر، وضعفه، قاله العراقي.

قلت: وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي سعيد الخدري: "من حفظ على أمتي حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي" وهو شاهد قوي لحديث ابن عمر، إلا أن إسناده ضعيف كذلك .

والمراد بالحفظ النقل إليهم بطريق التخريج والإسناد، صحاحا كن أو حسانا، قيل: أو ضعافا يعمل بها في فضائل الأعمال، وخص الأربعين; لأنها أقل عدد له ربع عشر صحيح، وحفظ الحديث مطلقا فرض كفاية، نقله المناوي .

وأخرج ابن عدي في الكامل عن ابن عباس: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة" وهو أيضا شاهد لما في الباب، وسنده ضعيف كذلك .

الثالث عشر: (وقال عليه السلام: "من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله يوم القيامة فقيها عالما") أخرجه ابن عبد البر من رواية بقية، عن المعلى، عن السدي، عن أنس، وضعفه، قاله العراقي.

قلت: وأخرجه ابن عدي في الكامل من هذا الطريق أيضا. وقال السخاوي في المقاصد: أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود وابن عباس: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعث يوم القيامة فقيها" قال: وفي الباب عن أنس ومعاذ وأبي هريرة وآخرين، أخرجها ابن الجوزي في العلل [ ص: 75 ] المتناهية. قال النووي: طرقه كلها ضعيفة، وليس بثابت، وكذا قال شيخنا: جمعت طرقه في جزء، ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة. قال البيهقي في الشعب عقيب حديث أبي الدرداء: منها هذا، متن مشهور بين الناس، وليس له إسناد صحيح. اهـ .

وقرأت في كتاب الأربعين البلدانية للحافظ أبي طاهر السلفي ما نصه: فإن نفرا من العلماء لما رأوا ورووا قول أطهر منسل وأظهر مرسل: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها" من طرق - وثقوا بها، وعولوا عليها، وعرفوا صحتها، وركنوا إليها، حتى خرج كل منهم لنفسه أربعين حديثا، حتى قال إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي: اجتمع عندي من الأربعينيات ما ينيف على السبعين .

وقد استفتيت شيخنا الإمام أبا الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا ببغداد سنة خمس وتسعين وأربعمائة أو قبلها أو بعدها بقليل لكلام جرى بين الفقهاء في المدرسة النظامية التي هو مدرسها، اقتضى الاستفتاء، ويجد المستفتي فيه الشفاء: ما يقول الإمام -وفقه الله تعالى- في رجل وصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء، هل يدخل كتبة الحديث في هذه الوصية أم لا؟ فكتب بخطه تحت السؤال: نعم، كيف لا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما" الحديث .

فقد أخبرنا أبو عبد الله الثقفي، ثم ساق سنده من طريق أبي بكر الآجري: حدثنا محمد بن مخلد العطار، حدثنا أبو محمد جعفر بن محمد الخندقي، وكان له حفظ، حدثنا محمد بن إبراهيم السائح، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء العلماء".

ثم ساق حديثا آخر من طريق ابن أبي الدنيا: حدثنا الفضل بن غانم، حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله فقيها، وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا".

قال: هذا ما رواه معاذ وأبو الدرداء، وقد رواه أبو هريرة بلفظ هو أرجى للراوي من هذا اللفظ، وللحصول على الأجر قبل الحفظ، ثم ساقه من طريق أبي صالح، حدثنا إسحاق بن نجيح، حدثنا عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من روى عني أربعين حديثا جاء في زمرة العلماء يوم القيامة".

قال: ومن أحسن ما يذكر هنا وأغربه ما كتب إلي أبو الفتيان الدهستاني الحافظ من خراسان، ثم ساقه من طريق محمد بن أيوب الهنائي، حدثنا حميد بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن دلهم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي حديثا واحدا كان له أجر أحد وسبعين نبيا صديقا" قال أبو الفتيان: كتب عندي هذا الحديث الحافظ أبو بكر البغدادي الخطيب بصور .

وقد روى هذا الحديث غير النسائي عن حميد فقال: "أجر اثنين وسبعين" ثم ساقه من طريق محمد بن موسى: حدثنا حميد، ولفظه: "من حفظ على أمتي حديثا واحدا من أمر دينهم أعطاه الله عز وجل أجر اثنين وسبعين صديقا".

ثم ساق من طريق الثوري، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس رفعه: "من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة، ويرد به بدعة، فله الجنة" انتهى كلام السلفي .

وهذا الحديث الأخير قد أخرجه أبو نعيم في الحلية، وفي سنده كذاب .

وقرأت في آخر كتاب الأربعين المتباينة الإسناد للحافظ ابن حجر، وقد ذكر كلام السلفي من أوله، وساق الحديث من طريق أبي الدرداء الذي ذكرناه، وقال: هذا حديث مشهور له طرق كثيرة، وهو غريب من هذا الوجه، تفرد به عبد الملك بن هارون، أخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء له من طريق عبد الملك هذا، واتهمه به، وقال: لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار، وضعفه غيره، وباقي رجاله ثقات، ولم يخرج هذا المتن أحد من الأئمة في الأمهات المشهورة لا المخرجة على الأبواب ولا المرتبة على المسانيد، إلا أن أبا يعلى رواه في مسنده عن عمرو بن الحصين العقيلي، عن محمد بن عبد الله بن علاثة، عن خصيف [ ص: 76 ] عن مجاهد، عن أبي هريرة، وخصيف وابن علاثة صدوقان، ليس فيهما مقال، والآفة فيه من عمرو بن الحصين؛ فقد كذبه أحمد وابن معين، وغيرهما .

ورواه الحسن بن سفيان في أربعينه، عن علي بن حجر، عن إسحاق بن نجيح، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به، ورجاله ثقات إلا إسحاق فقد اتهمه بالوضع ابن معين، وابن أبي شيبة، والفلاس وغيرهم، ولكن تابعه عليه عن ابن جريج جماعة، منهم حميد بن مدرك، وخالد بن يزيد العمري، وأبو البحتري وهب بن وهب القاضي، وروي عن بقية بن الوليد ومعمر أيضا .

فأما رواية حميد بن مدرك فأخرجها الحافظ أبو بكر بن الجوزي في أربعينه، وحميد مجهول .

وأما رواية خالد بن يزيد فرواها ابن عدي في الكامل، في ترجمته وضعفه، واتهمه جماعة .

وأما رواية أبي البحتري فرواها ابن عدي أيضا في الكامل في ترجمته بإبدال ابن عباس بأبي هريرة، وأبو البحتري أجمعوا على تكذيبه .

وأما رواية بقية بن الوليد فرواها مظفر بن إلياس السعدي في أربعينه من طريقه، وبقية صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء، فإن كان محفوظا عنه فكأنه سمعه من إنسان ضعيف، عن ابن جريج، فأسقط الضعيف ودلسه .

وأما رواية معمر فرويناها في الأربعين للإمام أبي المعالي إسماعيل بن الحسن الحسيني، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الغزي المعروف بابن بشت، عن عبد المؤمن بن خلف النسفي الحافظ، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن جريج، وابن بشت تكلموا في صحة سماعه من عبد المؤمن بن خلف، وذكر الحافظ أبو صالح المؤذن أنه سقط اسم شيخه الذي حدثه عن عبد المؤمن بن خلف على كاتب الطبقة .

قلت: الذي عندي في هذا أنه دخل عليه إسناد في إسناد، وإلا فمعمر غير معروف بالرواية عن ابن جريج، وعبد الرزاق معروف بالرواية عنهما جميعا .

وللحديث طرق غير هذه:

منها: ما أخرجه الجوزي من طريق زيد بن الحريش، عن عبد الله بن خراش، عن عمه العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن أنس بن مالك به، وعبد الله بن خراش، وزيد بن الحريش ذكرهما ابن حبان في كتاب الثقات، وقال في كل منهما: ربما أخطأ .

قلت: أخطأ ابن حبان في توثيق عبد الله بن خراش، فقد اتفق الأئمة على تضعيفه، واتهمه بعضهم .

ومنها: ما رواه أبو ذر الهروي، في كتاب الجامع له عن شافع بن محمد بن أبي عوانة، عن يعقوب بن إسحاق العسقلاني، عن حميد بن زنجويه، عن يحيى بن عبيد الله بن بكير، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال ابن عبد البر: من روى هذا عن مالك فقد أخطأ عليه، وأضاف ما ليس من روايته إليه .

قلت: ليس في رواته من ينظر في حاله إلا يعقوب بن إسحاق، فقد ذكر مسلمة عن القاسم أنه لقيه والناس يختلفون فيه، فبعضهم يوثقه وبعضهم يضعفه، والظاهر أنه دخل عليه حديث في حديث .

ومنها: ما أخرجه الحافظ أبو بكر الآجري في كتاب الأربعين له، عن محمد بن مخلد، عن جعفر بن محمد الخندقي، عن محمد بن إبراهيم السائح، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل، وليس في رواته من ينظر في حاله إلا السائح؛ فإنه غير معروف. وعندي أن هذه الطريق أجود طرق هذا المتن مع ضعفها .

وروي أيضا من طرق ضعيفة عن علي بن أبي طالب، وسلمان، وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة الباهلي، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، ونويرة، ولا يصح منها شيء .

قال أبو علي سعيد بن السكن الحافظ: ليس يروى هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من طريق يثبت. وقال الدارقطني: لا يثبت من طرقه شيء. وقال البيهقي: أسانيده كلها ضعيفة. وقال ابن عساكر: أسانيده كلها فيها مقال، ليس للصحيح فيها مجال. وقال عبد القادر الرهاوي: طرقه كلها ضعاف؛ إذ لا يخلو طريق منها أن يكون فيها مجهول التصرف، أو معروف مضعف. وقال الحافظان: رشيد الله بن العطار وزكي الدين المنذري نحو ذلك، فاتفاق هؤلاء الأئمة على تضعيفه أولى من إشارة السلفي إلى صحته .

قال المنذري: لعل السلفي كان يرى أن مطلق الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها إلى بعض أجدى قوة .

قلت: لكن تلك [ ص: 77 ] القوة لا تخرج هذا الحديث من مرتبة الضعف، فالضعف يتفاوت، فإذا كثرت طرق حديث رجحت على حديث فرد، فيكون الضعيف الذي ضعفه ناشئ عن سوء حفظ رواته إذا كثرت رواته ارتقى إلى مرتبة الحسن، والذي ضعفه ناشئ عن تهمة أو جهالة إذا كثرت طرقه ارتقى عن مرتبة المردود والمنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال، وعلى ذلك يحمل ما قاله الإمام النووي في خطبة كتاب الأربعين له: وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وقال بعد أن ذكر هذا الحديث: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه. اهـ سياق الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى .

وقوله: قلت: الذي عندي في هذا أنه دخل عليه إسناد في إسناد، وإلا فمعمر غير معروف بالرواية إلخ، وهو كما قال، فقد أخرجه على الصواب أبو إسماعيل الهروي الأنصاري، من طريق علي بن الحسين، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، كما سيأتي الإشارة إليه .

وقوله: إلا السائح فإنه غير معروف، قلت: فقد ذكره ابن قطلوبغا في أمالي المسانيد، فقال فيه: قال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة، وقال الدارقطني: كذاب، وقال أبو نعيم: روى موضوعات .

وقوله: وروي أيضا من طرق ضعيفة عن علي بن أبي طالب إلخ، قلت: أما حديث علي فقد أخرجه الإمام أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح الحافظ، والإمام أبو بكر البيهقي، بسندهما إلى أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي: حدثنا أبي، حدثنا علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما".

قال البيهقي: هذا الإسناد من علي بن موسى إلخ، كالشمس، غير أن هذا الطائي لم يثبت عند أهل العلم بالحديث في عدالته ما يوجب قبول خبره، وقد يكون ثقة على حسن الظن. والله أعلم .

قلت: وقد رأيت في تاريخ ابن النجار في ترجمة علي بن موسى ذكر أحمد بن عامر بن سليمان الطائي في جملة الرواة عنه، وساق من طريق ولده أبي القاسم عبد الله بن أحمد عن أبيه هذا قصة، وقد روى عن أبي القاسم هارون الضبي.

وأما حديث أبي أمامة فقد أخرجه أبو إسماعيل الهروي من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما ينوبهم وينفعهم في أمر دينهم حشره الله في يوم القيامة فقيها".

الرابع عشر: (وقال عليه السلام: "من تفقه في دين الله كفاه الله همه، ورزقه من حيث لا يحتسب") .

أخرجه الخطيب في التاريخ من حديث عبد الله بن جزء الزبيدي بإسناد ضعيف، قاله العراقي.

وقال الحافظ ابن حجر: وفي مسند أبي حنيفة عن أبي حنيفة، عن عبد الله بن جزء، ولا يصح. اهـ .

قلت: أخرجه ابن خسرو في مسنده من طرق:

الأولى: فيها مكرم بن أحمد، عن محمد بن سماعة، عن بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة.

والثانية: فيها أحمد بن محمد بن الصلت، عن محمد بن أبي شجاع، عن أبي يوسف.

والثالثة: فيها أحمد بن محمد الحماني، عن محمد بن سماعة.

وأخرجه ابن المقرئ في مسنده، وابن عبد البر في العلم من رواية أبي علي عبيد الله بن جعفر الرازي، عن أبيه، عن محمد بن سماعة، عن أبي يوسف.

وأخرجه الحاكم في تاريخه من طريق إسماعيل بن محمد الضرير، عن أحمد بن الصلت.

ثم اتفقوا على أبي يوسف، قال: سمعت أبا حنيفة يقول: حججت مع أبي سنة ست وتسعين ولي ستة عشر سنة، فلما دخلت المسجد الحرام رأيت حلقة عظيمة، فقلت لأبي: حلقة من هذه؟ قال: حلقة عبد الله بن جزء الزبيدي صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقدمت، فسمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تفقه" الحديث .

قال ابن قطلوبغا في أماليه: هكذا رأيت الطريق الأولى عند كل هؤلاء المصنفين، وعندي هو أنه مكرم، عن أحمد بن محمد، عن ابن سماعة، وأحمد بن محمد هذا هو ابن الصلت، ويعرف أيضا بالحماني وبابن المفلس، كذاب .

وقال ابن عدي: ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه، وقال ابن حبان والدارقطني: كان يضع [ ص: 78 ] الحديث .

ثم قال: وأما المسند الذي ساقه ابن المقرئ، هكذا رأيته في أصل شيخنا من مسنده، وبين جعفر ومحمد بن سماعة أحمد بن الصلت، جاء مصرحا في رواية الخطيب، ثم نقل عن الذهبي في الميزان: هذا كذاب، فابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ست سنين .

وقال الحافظ ابن حجر في اللسان: وقد وقع لنا هذا الحديث من وجه آخر، ثم ساق سنده، قال: وهو باطل أيضا، وأورده ابن الجوزي في الواهيات، وابن النجار في تاريخه، والسيوطي في موضوعاته، ونقل الكلام في ابن الصلت الذي قدمناه .

قال ابن قطلوبغا: وفي مناقب أبي حنيفة للجعابي أن ابن جزء مات سنة ثمان وتسعين على خلاف ما ذكره ابن يونس.

قال: وأخرج أبو العباس المرهبي في فضل العلم من حديث زياد الصدائي رفعه: "من طلب العلم تكفل الله برزقه" قلت: رويناه في الجزء الثاني من معجم أبي علي الحداد من طريق يونس بن عطاء، عن سفيان الثوري، عن أبيه، عن زياد الصدائي.

وقال ابن خسرو بعد ذكر الحديث المتقدم: وأنشد أبو حنيفة من قوله:


من طلب العلم للمعاد فاز بفضل من الرشاد وبالخسران من أتاه
لنيل فضل من العباد

قلت: وأخرج البيهقي في الشعب، عن ابن مسعود: "من جعل الهم هما واحدا هم آخرته كفاه الله عز وجل ما همه من أمر دنياه".

وأخرجه الرافعي من طريق أبي يوسف، عن أبي حنيفة، نبه عليه السيوطي في الجامع الكبير، وهو عادل شاهد لحديث ابن جزء. والله أعلم .




الخدمات العلمية