الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك الصداقة تتفاوت فإنها إذا قويت صارت أخوة فإن ازدادت صارت محبة فإن ازدادت صارت خلة والخليل أقرب من الحبيب فالمحبة ما تتمكن من حبة القلب والخلة ما تتخلل سر القلب فكل خليل حبيب ، وليس كل حبيب خليلا .

التالي السابق


(وكذلك الصداقة تتفاوت فإنها إذا قربت صارت أخوة فإذا ازدادت صارت محبة فإذا ازدادت صارت خلة) وفي القوت: اعلم أن الناس في التعارف سبع مقامات بعضها فوق بعض، فأول ذلك المعرفة في الرؤية أو السمع فقط؛ فلهذا حرمه الإسلام، وحق العامة ثم المجاورة وله حق وهي ثاني حقوق الإسلام، وهذا هو الجار الجنب ثم المرافقة في طريق السفر وهذا هو [ ص: 250 ] الصاحب بالجنب في أحد الوجهين من الآية، فلهذا ثلاثة حقوق؛ لأنه قد جمع حرمة الإسلام وحرمة الجوار، وزاد عليها بأنه ابن سبيل، ثم الصحبة وهي الملازمة والاتباع فهذا فوق ذلك، ثم الصداقة وهي حقيقة الأخوة ومنها تكون المعاشرة وهو اسم تكون معه المخالطة وتوجد فيه المؤانسة، وهو حكم يحكم عليه بالمزاورة والمبايتة والمؤاكلة .

وهذا جملة العشرة والعشير هو الخليط المقارب ولذلك سمي به الزوج في الخبر: ويكفرن العشير. ويطلق على ابن العم المختلط به، وبه فسر قوله تعالى: ولبئس العشير والمعاشرة تقع بين اثنين لا محالة كان كل واحد قد فعل مثله، ثم الأخوة فوق الصداقة، وهذا لا يكاد يكون إلا بين النظراء في الحال والمتقارنين في الجنس والمعاني بأن يوجد في أحدهما من القلب والهمة والعلم والخلو والعقل ما يوجد في الآخر وإن تفاوتا حكما؛ قال تعالى: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وليسوا من جنسهم ولا على وصفهم من الخلقة، ولكن لما تشابهت قلوبهم وأحوالهم آخى بينهم؛ فهذه أخوة الحال، وهي حقيقة الصداقة ثم المحبة، وهي خاصة الأخوة، وهذا ما يجعله الله تعالى من الألفة ويوجده من الأنس في القلوب يتولاه بصنعه ولا يوليه غيره، وهو ارتياح القلوب وانشراح الصدور ووجد السرور وفقد الوحشة وارتفاع الحشمة .

(والخليل أقرب من الحبيب) وهو فوق الحبيب ولا يكون إلا في عاقلين عالمين عارفين على معيار واحد وطريق واحد وقلب واحد وحال واحد، وهذا أعز موجود وأغرب مشهود (والمحبة ما تتمكن من حبة القلب) وتستولي عليها (والخلة ما تتخلل سر القلب) ومعها تكون حقيقة الحب والإيثار (فكل خليل حبيب، وليس كل حبيب خليلا) ؛ لأن الخلة تحتاج إلى فضل عقل ومزيد علم وقوة تمكين، وقد لا يوجد ذلك في كل محبوب؛ فلذلك عز طلبه وجل وصفه .




الخدمات العلمية