الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم من كانت عنده جارية فصانها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .

فجملة حق المملوك أن يشركه في طعمته وكسوته ولا يكلفه فوق طاقته ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء وأن يعفو عن زلته ويتفكر عند غضبه عليه بهفوته أو بجنايته في معاصيه وجنايته على حق الله تعالى وتقصيره في طاعته مع أن قدرة الله عليه فوق قدرته .

وروى فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يسأل عنهم رجل فارق الجماعة ورجل عصى إمامه فمات عاصيا فلا يسأل عنهما وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده فلا يسأل عنها .

وثلاثة لا يسأل عنهم : رجل ينازع الله رداءه ورداؤه الكبرياء وإزاره العز ورجل في شك من الله وقنوط من رحمة الله
. .

تم كتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق .

التالي السابق


(وقال -صلى الله عليه وسلم- من كانت عنده جارية فعلمها) وفي نسخة: فعالها (وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة اهـ .

قلت: لفظهما في الصحيح: ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبد مملوك أدى حق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران. وهكذا رواه أيضا أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس مقتصرا عليه ورواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر بزيادة: فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. رواه بتمامه الخطيب من حديث عائشة والعقيلي والطبراني في الكبير من حديث أبي موسى (فجعله حق المملوك أن يشركه في طعمته وكسوته) أي: ليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس (ولا يكلفه) في مزاولة العمل (فوق طاقته) وإذا كلفه فليعنه بنفسه (ولا ينظر إليه بعين الكبر) والنعمة (والازدراء) أي: الاحتقار (وأن يعفو عن زلته) أي: سقطته (ويتفكر عند غضبه عليه بهفوته أو بجنايته في معاصيه وجنايته على حق الله وتقصيره في طاعته) أي: فليحمل ذلك عليه ويشبهه به (مع أن قدرة الله -عز وجل- عليه) أي: على نفس مولى العبد (فوق قدرته) عليه كما فهم ذلك من حديث أبي مسعود البدري السابق قريبا .

(وروى فضالة بن عبيد) ابن نافذ بن قيس بن صهيبة بن الأصرم بن جحجبي أبو محمد الأنصاري الأوسي الصحابي وأمه غفوق بنت محمد بن عقبة بن أحيحة بن الحلاج بن الحريش بن جحجبي وكان عبيد بن نافذ يعني أباه شاعرا؛ شهد فضالة أحدا وبايع تحت الشجرة وخرج إلى الشام وتولى القضاء بها لمعاوية فلم يزل بها حتى مات، وله بها دار وولد .

قال الواقدي: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهو ابن ست سنين ومات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن سبع عشرة سنة، مات فضالة سنة ثلاث وخمسين (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يسأل عنهم) أي: فإنهم من الهالكين، وفي رواية: لا تسأل عنهم (رجل فارق) بقلبه واعتقاده ولسانه أو ببدنه ولسانه وخص الذكر بالذكر لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه فالأنثى مثله من حيث الحكم (الجماعة) المعهودين وهم جماعة المسلمين (ورجل عصى إمامه) أي: بنحو بدعة أو امتناع من إقامة الحق عليه أو بنحو بغي أو حرابة أو صيال (ومات عاصيا) فميتته ميتة جاهلية (فلا يسأل عنهما) لحل دمائهما (وامرأة غاب عنها زوجها) قريبا أو بعيدا (وقد كفاها مؤنة الدنيا) من نفقة وكسوة (فتزوجت) بعده وبخط بعض المتقنين: فتبرجت أي: تزينت (فلا يسأل عنها) فإنه ذكره ثانيا هنا وفيما تقدم تأكيد للعلم ومزيد بيان الحكم .

رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وقال: على شرطهما ولا أعلم له علة، وأقره الذهبي في تلخيصه وقال: رجاله ثقات، لكن لفظهم جميعا: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق من سيده فمات، وامرأة [ ص: 328 ] غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا؛ فتزوجت بعده، فلا تسأل عنهم .

(و) يروى عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا يسأل عنهم: رجل ينازع الله في ردائه ورداؤه الكبرياء وإزاره العظمة) فمن تكبر من المخلوقين أو تعزز فقد نازع الخالق رداءه وإزاره الخاصين به فله في الدنيا الذل والصغار وفي الآخرة عذاب النار (ورجل في شك من الله -عز وجل- والقنوط من الرحمة) أي: اليأس منها؛ إذ لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون، رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، قال الهيثمي: رجاله ثقات، ولفظهم: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل ينازع الله إزاره ورجل ينازع الله رداءه؛ فرداء الله الكبرياء وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله. وبه يظهر أنهما حديثان مستقلان وراويهما واحد، واقتصر الحاكم على الأول دون الثاني، وإن سياق المصنف في كل منهما لا يخلو من نقص وخلل .

وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار.

وقد رواه مسلم وابن حبان وأبو داود وابن ماجه: في جهنم، ولفظ أبي داود: قذفته في النار، ولفظ مسلم: عذبته، وقال: رداؤه وإزاره بالغيبة، وزاد مع أبي هريرة أبا سعيد، ورواه الحاكم في مستدركه بلفظ: قصمته، وللحكيم الترمذي من حديث أنس يقول الله -عز وجل-: إن العظمة والكبرياء والفخر ردائي فمن نازعني واحدة منهن كببته في النار.

اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن كيد الشرار والفجار، وبه ختم المصنف كتاب الصحبة والألفة والأخوة والمعاشرة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد أفضل المخلوقات وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى ما بعد الممات .

قد نجز عن شرحه في مجالس آخرها ظهر يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب الفرد من شهور سنة 1199 ، جامعه العبدأبو الفيض محمد مرتضى الحسيني غفر الله ذنوبه وستر عيوبه بمنه وكرمه آمين، والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وأتباعهم أجمعين .




الخدمات العلمية