الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما أدلة القبلة فهي ثلاثة أقسام : أرضية كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار .

وهوائية ، كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها .

وسماوية وهي النجوم .

فأما الأرضية والهوائية فتختلف باختلاف البلاد فرب طريق فيه جبل مرتفع يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو ورائه أو قدامه فليعلم ذلك وليفهمه .

وكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد فليفهم ذلك .

ولسنا نقدر على استقصاء ذلك إذ لكل بلد وإقليم حكم آخر .

وأما السماوية فأدلتها تنقسم إلى : نهارية وإلى ليلية .

أما النهارية فالشمس فلا بد أن يراعى قبل الخروج من البلد أن الشمس عند الزوال أين تقع منه أهي بين الحاجبين أو على العين اليمنى أو اليسرى ، أو تميل إلى الجبين ميلا أكثر من ذلك ، فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية هذه المواقع .

فإذا حفظ ذلك فمهما عرف الزوال بدليله الذي سنذكره عرف القبلة به .

وكذلك يراعى مواقع الشمس منه وقت العصر .

فإنه في هذين الوقتين يحتاج إلى القبلة بالضرورة .

وهذا أيضا لما كان يختلف بالبلاد فليس يمكن استقصاؤه .

وأما القبلة وقت المغرب فإنها تدرك بموضع الغروب .

وذلك بأن يحفظ أن الشمس تغرب عن يمين المستقبل أو هي مائلة إلى وجهه أو قفاه .

وبالشفق أيضا تعرف القبلة للعشاء الأخيرة .

وبمشرق الشمس تعرف القبلة لصلاة الصبح .

فكأن الشمس تدل على القبلة في الصلوات الخمس ، ولكن يختلف ذلك بالشتاء والصيف .

فإن المشارق والمغارب كثيرة وإن كانت محصورة في جهتين فلا بد من تعلم ذلك أيضا .

ولكن قد يصلي المغرب والعشاء بعد غيبوبة الشفق فلا يمكنه أن يستدل على القبلة به .

فعليه أن يراعي موضع القطب .

وهو الكوكب الذي يقال : له الجدي فإنه كوكب كالثابت لا تظهر حركته عن موضعه وذلك إما أن يكون على قفا المستقبل أو على منكبه الأيمن من ظهره أو منكبه الأيسر في البلاد الشمالية من مكة .

وفي البلاد الجنوبية كاليمن وما والاها فيقع في مقابلة المستقبل فيتعلم ذلك وما عرفه في بلده فليعول عليه في الطريق كله إلا إذا طال السفر فإن المسافة إذ بعدت اختلف موقع الشمس وموقع القطب وموقع المشارق والمغارب إلا أن ينتهي في أثناء سفره إلى بلاد ، فينبغي أن يسأل أهل البصيرة .

أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل محراب جامع البلد حتى يتضح له ذلك .

التالي السابق


(أما أدلة القبلة فهي ثلاثة أقسام: أرضية كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار، أو هوائية كالاستدلال بالرياح) الأربع (شمالها وجنوبها وصباها ودبورها) فالشمال تأتي من ناحية الشام وهي حارة في الصيف بارح، والجنوب تقابلها وهي الريح اليمانية، والصبا تأتي من مشرق الشمس وهي القبول أيضا، والدبور تأتي من ناحية المغرب وهو أضعفها لاختلافها كما قاله النووي (أو سماوية وهي النجوم) وهي أقواها .

(فأما الأرضية والهوائية فتختلف باختلاف البلاد) والأقطار (فرب طريق فيه جبل مرتفع) أو أكمة عالية (يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو ورائه أو قدامه فليعلم ذلك وليفهمه، وكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد) دون بعضها (فليتفهم ذلك ولسنا نقدر على استقصاء ذلك إذ لكل بلد وإقليم حكم آخر) فالضبط فيه لا يخلو من العسر (أما السماوية فأدلتها تنقسم إلى: نهارية وإلى ليلية، أما النهارية فكالشمس فلا بد أن يراعى قبل الخروج من البلد أن الشمس عند الزوال أين تقع منه أهي بين الحاجبين أو على العين اليمنى أو) العين (اليسرى، أو تميل إلى الجنبين ميلا أكثر من ذلك، فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية) وهي ناحية الشام (هذه المواقع فإذا حفظ ذلك فمهما عرف الزوال بدليله الذي سنذكره عرف القبلة به) لا محالة، (وكذلك يراعى مواقع الشمس منه وقت العصر، فإنه في هذين الوقتين يحتاج إلى القبلة بالضرورة، وهذا أيضا لما كان يختلف في البلاد فليس يمكن استقصاؤه) وفي نسخة: استيفاؤه .

(وأما القبلة وقت المغرب فإنها تدرك بموضع الغروب، وذلك أن تحفظ أن الشمس تغرب عن يمين المستقبل أو هي مائلة إلى وجهه أو قفاه، وبالشفق أيضا تعرف القبلة للعشاء الأخيرة، وبمشرق الشمس تعرف القبلة لصلاة الصبح، فكأن الشمس تدل على القبلة في الصلوات الخمس، ولكن يختلف ذلك باختلاف الشتاء والصيف، فإن المشارق والمغارب كثيرة) كما يرشد إليه قوله تعالى: برب المشارق والمغارب .

(وإن كانت محصورة في جهتين) كما يرشده إليه قوله تعالى: رب المشرقين ورب المغربين فلا بد من تعلم ذلك أيضا، (ولكن قد يصلي المغرب والعشاء بعد غيبوبة الشفق فلا يمكنه أن يستدل على القبلة به، فعليه أن يراعي موضع القطب) بالضم، (وهو الكوكب) الصغير (الذي يقال: له الجدي) وفي تعبيره هذا مسامحة، فإن الذي عرفه غيره من علماء هذا الفن أنه نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي وهو (كالثابت لا تظهر حركته عن موضعه) ولذلك سمي قطبا [ ص: 440 ] تشبيها له بقطب الرحى، (وذلك إما يكون على قفا المستقبل أو على منكبه الأيسر) أو خلف أذنه اليمنى (في البلاد الشمالية من مكة) كالكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها، (وفي البلاد الجنوبية كاليمن وما وراءها فيقع في مقابلة المستقبل فليتعلم ذلك وما عرفه) حالة كونه (في بلده فليعمل عليه في الطريق كله) إذا سافر (إلا إذا طال السفر) وامتد بأن يكون المقصد بعيدا كان يتوجه الشامي إلى اليمن مثلا أو بالعكس، (فالمسافة إن بعدت اختلف موقع الشمس) في وسط النهار .

(و) كذا اختلف (موضع القطب وموضع المشارق والمغارب إلا أنه ينتهي في أثناء سفره إلى بلاد، فينبغي أن يسأل أهل مصر) وفي نسخة: أهل البصيرة (أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل محراب جامع البلد حتى يتضح له ذلك) ولنذكر التعريف بحال هذه الكواكب التي يراقبها في حضره وسفره ثم نذكر المجرة إذ بها تعرف المشارق والمغارب المختلفة ثم نذكر الرياح الأربع وتحديدها بهن وما عدل عنهن، وإن كان سبق ذكرها إجمالا ثم نذكر حكم استدلال الفقهاء على القبلة بالجدي .

قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النجوم: اعلم أن النجوم السيارة سبعة وهي التي تقطع البروج والمنازل، فهي تنتقل فيها مقبلة ومدبرة لازمة لطريقة الشمس أحيانا وناكبة عنها أحيانا إما في الجنوب وإما في الشمال، ولكل نجم منها في عدوله عن طريقة الشمس مقدار إذا هو بلغه عاود في مسيره الرجوع إلى طريقة الشمس، وذلك المقدار من كل منها مخالف لمقدار النجم الآخر، فإذا عزلت هذه النجوم السبعة عن السماء سميت الباقية كلها ثابتة تسمية على الغلب من الأمر; لأنها وإن كانت لها حركة مسير فإن ذلك خفي يفوت الحس إلا في المدة الطويلة، وذلك لأنه في كل مائة عام درجة واحدة فلذلك سميت ثابتة وسيرها مع خفائه هو على تأليف البروج أعني من الحمل إلى الثور ثم إلى الجوزاء سيرا مستمرا لا يعرض لشيء منهار، وإنما أدرك العلماء ذلك في الدهور المتطاولة والأزمان المترادفة بأن تعرف العالم منهم مواضعها من البروج ورسم ما وقف عليه من ذلك لمن يخلف بعده ثم قاسها أخلافهم من بعدهم فوجدوها قد تقدمت عن تلك الأماكن الأولى، وكذلك فعل أخلاف الأخلاف واختبروا ذلك فوجدوها تتحرك بأسرها معا حركة واحدة .

وقد تقدم الأوائل فتعرفوا مواضع هذه الكواكب من الفلك ورسموا ذلك في كتبهم على ما أدركوا في أزمنتهم وبينوا تاريخ ذلك في كتبهم بيانا واضحا، ولما أرادوا تمييز كواكب السماء بدءوا فقسموا الفلك إلى نصفين بالدائرة التي هي مجرى رءوس برجي الاستواء وهما الحمل والميزان وسموا أحد النصفين جنوبيا وسموا النصف الثاني شماليا، وسموا كل ما وقع في النصف الجنوبي من البروج والكواكب جنوبيا، وما وقع منها في الشمالي شماليا، والعرب سمت الشمالية شامية والجنوبية يمانية والمعنيان واحد لكن مهب الشمال عليهم من جهة الشام ومهب الجنوب من جهة اليمن، فكل كوكب مجراه فيما بين القطب الشمالي وبين مدار السماك الأعزل أو فويقه قليلا فهو شاآم، وما كان مجراه دون ذلك إلى ما يلي القطب الجنوبي، فهو يمان فأقربها من القطب بنات نعش الصغرى وهي سبعة كواكب في مثل نظم بنات نعش الكبرى، والمنجمون يسمونها الدب الأصغر، والبنات منها ثلاثة أولها الكوكب الذي يسمى الجدي، وهو الذي يتوخى الناس به القبلة وتسميه العرب جدي بنات نعش ليفرقوا بينه وبين جدي البروج، فالجدي والكوكبان اللذان يليانه هي البنات وهي عند المنجمين ذنب الدب الأصغر ثم النعش، وهي أربعة كواكب مربعة منها الفرقدان وكوكبان آخران معهما، فالكواكب الثلاثة التي هي البنات وكوكبان من النعش أحدهما أحد الفرقدين وهؤلاء الخمسة في سطر واحد أقوس وقد قابله سطر آخر أقوس أيضا فيه كواكب خفية متناسقة أخذت من الجدي إلى الفرقدين حتى صار هذان السطران شبيهين بحلقة السمكة، والناس يسمونها الفاس تشبيها بفاس الرحى التي في القلب في وسطها، يظنون أن قطب الفلك في وسط هذه الصورة، وليس كذلك بل القطب بقرب الكوكب الذي يلي الجدي من هذا السطر الخفي الكواكب فوجدت هذه الكوكب أقرب [ ص: 441 ] كواكب السماء كلها من هذا القطب لم أجد بينه وبين القطب إلا أقل من درجة واحدة، وليس القطب كوكبا بل هو نقطة من الفلك إلى آخر ما ذكر فأطال، ثم ذكر بعد ذلك الكواكب اليمانية وإنما اقتصرت على القدر المطلوب منه .

وأما معرفة المشارق والمغارب باختلاف الفصول، فاعلم أن المجرة هي أم النجوم لكثرة عدد نجومها، وهي وإن كانت مواضع منها أرق ومواضع أكثف ومواضع أرق ومواضع أعرض فهي راجعة في خاصتها إلى الاستدارة، فإذا كان كوكب الردف في أفق المشرق، وذلك حين يبدو طالعا فذاك حين تفقد المجرة من السماء إلا خطا خفيا في جهة الشتاء إلى مهب الجنوب، ثم كلما ازداد الردف علوا ازدادت المجرة ظهورا، وهي في ذلك مضطجعة في جهة المشارق قد أخذت ما بين الشمال إلى الجنوب إلى أن يطلع النسر الطائر فيرى حينئذ طرفها الشمالي يزاد إلى نحو مشرق الصيف إلى أن يطلع العيوق فحينئذ ترى وسط المجرة على قمة الرأس وترى طرفها الجنوبي قد عدل عن القبلة شيئا إلى نحو مغرب الشتاء، وترى طرفها الشرقي فيما بين مطلع العيوق وبين مطلع السماك الرامح وهو مشرق الصيف، ثم لا يزال العيوق يرتفع ووسط المجرة تميل عن قمة الرأس في جهة الشمال إلى أن يطلع الناجز وهو رجل الجوزاء فعند ذلك لا ينتهي ميلان المجرة في الشمال وعدولها عن قمة الرأس، ثم يرتفع الناجز قليلا حتى ترى طرف المجرة الشرقي في حقيقة مطلع رأس الحمل وهو مشرق الاستواء، وترى طرفها الغربي في حقيقة مغرب رأس الحمل وهو مغرب الاستواء، فتراها قد قسمت دائرة الأفق نصفين فدار وسطها بعد ما دل عن سمت الرأس إلى الشمال، ثم لا يزال العيوق يرتفع ويميل طرف المجرة الشرقي إلى مطلع رأس الجدي وهو مشرق الشتاء، ويميل طرفها الغربي إلى مغرب الردف، وذلك فوق مغرب الصيف الأعلى ويرجع وسطها إلى سمت الرأس حتى يعتدل على قمة الرأس، ثم لا تزال تعدل عنها في جهة الجنوب ويدنو طرفها الغربي من مغرب قاب العقرب وهو مغرب الشتاء الأسفل إلى أن يبدو كوكب الردف طالعا فيرجع إلى ابتدائه فهذه حالها أبد الدهر .

وأما مهاب الرياح فقد تقدم أن الرياح أربع: الصبا ومهبها فيما بين مطلع الشرطين إلى القطب، ومهب الشمال فيما بين القطب ومسقط الشرطين إلى القطب الأسفل مهب الدبور، وما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشرطين مهب الجنوب، وحكي عن بعضهم أنه قال: الرياح ست: القبول وهي الصبا، والدبور، والشمال، والجنوب، والنكباء، ومحوة، فما بين المشرقين مخرج القبول، وما بين المغربين مخرج الدبور، وما بين مشرق الشمس في الصيف إلى القطب مخرج النكباء، وما بين القطب إلى مغرب الصيف مخرج الشمال، وما بين مغرب الشتاء إلى القطب الأسفل مخرج الجنوب، وما بين القطب الأسفل إلى مشرق الشتاء مخرج محوة .

وهذا قول خالد، فأما أبو سعيد الأصمعي فإنه قال معظم الرياح أربع وحدهن بالبيت الحرام، فقال: القبول هي التي تأتي من تلقاء الكعبة يريد التي تستقبلها وهي الصبا، والدبور التي تأتي من دبر الكعبة، والشمال إلى تأتي من قبل الحجر، والجنوب من تلقائها يريد من تلقاء الشمال، قال: وكل ريح انحرفت فوقعت بين ريحين فهي نكباء، وقال أبو زيد مثل ذلك، والمنجمون على نحو قول الأصمعي، فمهب الصبا في كل بلد من قبل مشرقه، ومهب الدبور من قبل مغربه، وكذلك الأخريان مهبهما بكل بلد من جهة القطبين، فأما قولهم للجنوب اليمانية والشمال الشامية فلأن مهبهما هو كذلك بالحجاز ونجد، فالشمال تأتيهم من قبل الشام والجنوب من قبل اليمن، وليس هذا بلازم لكل بلد لا تكون الشمال ببلاد الروم شامية ولا الجنوب ببلاد الزنج يمانية. فاعرف هذا فإنهما قد شهرتا على ألسن العرب بالشامية واليمانية حتى كأنهما لهما اسمان علمان لازمان والعلة ما أخبرتك .

وأما القول في القبلة فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الزوال والقبلة ما لفظه: أما علم القبلة في كل بلد فليس يتهيأ فيه شيء تضبطه العامة وتقوى عليه أكثر مما ذكره الفقهاء من توخيها بالمشارق والمغارب ومهاب الرياح الأربع ومجاري النجوم، وليس على من يبلغ فهمه غامض علمه أكثر من ذلك، وأرجو أن يكون الأمر فيه واسعا مع الاجتهاد [ ص: 442 ] والتحري بمن أوتي فيه فضل معرفة بعد أن لا يكون من قوم معروفين بالخلاف فيه لبدعة وهوى أو لجاج فإن أولئك لا يقتدى بهم ولا يلتفت إليهم .

واعلم أن أولى العلم بغوامض هذا الباب أدلة لطيفة لا يختلفون فيها تضطر العاقلين من أهل القوة عليه إلا أن أسبابه إذا صودفت على صحة أدت إلى اليقين الذي لا شك فيه، والعامة لا تضبط ذلك ولا تقوى على فهمه، فمن ذلك أن تبدأ فتعلم بحيال أي درجة مكة وبحيال أي درجة البلد الآخر، وعلى ذلك فإن علمه ممكن على عسر فيه شديد، فإذا علمت ذلك على الحقيقة، فقد علم قدر الاختلاف الذي بين الجزأين المتحاذيين للبلدين وعلمت حقيقة الجهتين أيضا، ثم تعمل الدائرة الممثلة بدائرة الأفق، فإذا خطت على ما ينبغي في البلد الذي يراد نصب قبلته وضعت مكة حينئذ موضعها الذي يجب لها من هذه الدائرة، ثم أجيز على النقطة التي وضعت لمكة وعلى النقطة الموضوعة للمدينة الأخرى وهي مركز الدائرة خط يبلغ طرفه خط الدائرة، فإذا خط هذا الخط على هذه الصفة بإحاطة فإن هذا الخط هو متوجه في سمت مكة لا محالة، ومن جعله حيال جهة فقد توجه جهة مكة من غير شك، وليس خفي على من سمع هذا النعت أنه إذا فعل فهو كما وصفنا وإن أحدا لا يستطيع دفعه، وفعله ممكن بالبراهين المضطرة، وما أكثر ما يتنازع الناس في أمر القبلة فيحتج المتنازعات جميعا بالجدي فاعلم أنه لا يقدر أن تصيب سمت مكة من بلد من بلدان إلا بعد أن تعلم وأنت بمكة أين سمت ذلك البلد فتضع الجدي منك في مثل هذا الوقت بذلك الموضع الذي وجدته عليه بمكة، فإذا فعلت ذلك أصبت، فأما إذا لم تعلم وأنت بمكة أين بلدك وكيف جهته؟ فما ينفعك من النظر إلى الجدي، وإذا كان هذا هكذا فالاهتداء إلى بلدك بالجدي وأنت بمكة كاهتدائك إلى مكة بالجدي وأنت ببلدك ليس بينهما فرق، فافهم ذلك وتوخ بالجدي وغير الجدي واحتط بجهدك وتحر بطاقتك فإنه ليس عليك أكثر من ذلك إلا أن تصادف عالما قد لطفت معرفته وبرع علمه فيوقفك عليه إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية