الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويلبس ما وجد فمرة شملة ومرة برد حبرة يمانيا ومرة جبة صوف ، ما وجد من المباح لبس وخاتمه فضة يلبسه في خنصره الأيمن والأيسر يردف خلفه عبده أو غيره يركب ما أمكنه مرة فرسا ومرة بعيرا ومرة بغلة شهباء ومرة حمارا ومرة يمشي راجلا حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، يعود المرضى في أقصى المدينة يحب الطيب ويكره الرائحة .

الرديئة .

التالي السابق


(ويلبس ما وجد) من غير قيد ، (فمرة) يلبس (شملة ومرة برد حبرة يمانية ومرة جبة صوف ، ما وجد من المباح لبس) .

قال العراقي : روى البخاري من حديث سهل بن سعد : جاءت امرأة ببردة قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ هي الشملة منسوج في حاشيتها ، وفيه: " فخرج علينا وإنها لإزاره"، الحديث ، ولابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في شملة قد عقد عليها"، فيه الأحوص بن حكيم ، مختلف فيه ، وللشيخين من حديث أنس : "كان أحب الثياب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبسها الحبرة"، ولهما من حديث المغيرة: "وعليه جبة من صوف ضيقة الكمين" .

(وخاتمه فضة) متفق عليه من حديث أنس : "اتخذ خاتما من فضة (يلبسه في خنصره الأيمن) " رواه مسلم وأحمد، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أنس : "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبس خاتم فضة في يمينه"، وللبخاري من حديثه "فإني لأرى بريقه في خنصره"; ولأن التختم فيه نوع تشريف وزينة ، واليمين بهما أولى وأحق ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي (و) تارة في خنصره (الأيسر) ; لبيان الجواز ، روى مسلم وأحمد عن أنس : "كان خاتمه -صلى الله عليه وسلم- في هذه وأشار لخنصر يساره" ، ورواه أبو داود من حديث عمر : "كان -صلى الله عليه وسلم- يتختم في يساره"، وهو مذهب مالك ، ورواية عن أحمد ، وقد انتصر بعضهم لأفضلية التختم في اليسار حتى قال بعض الحفاظ: التختم بها مروي عن عامة الصحابة والتابعين ، والجواب: إن حديث التختم في اليمين رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي قال محمد -يعني البخاري -: هذا أصح شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب ، وإذا كان حديثه أصح ، وكان هو الموافق للمعروف من حاله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يؤثر اليمين بكل ما فيه تكريما وزينة ، فلا محيد عن اعتماد أفضلية التختم في اليمين .

(يردف خلفه عبده) أردف -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد من عرفة ، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ، ومن حديث أسامة ، وأردفه مرة أخرى على حمار ، وهو في الصحيحين [ ص: 104 ] أيضا من حديث ابن عباس ، ومن حديث أسامة ، وهو مولاه وابن مولاه ، (أو غيره) أردف الفضل بن عباس من المزدلفة ، وهو في الصحيحين أيضا من حديث أسامة ، ومن حديث ابن عباس ، والفضل بن عباس ، وأردف معاذ بن جبل ، وابن عمر وغيرهم من الصحابة ، قاله العراقي .

وروى أبو داود وغيره أن قيس بن سعد صحبه راكبا حمار أبيه ، فقال له: "اركب فأبى ، فقال له: إما أن تركب ، وإما أن تنصرف"، وفي رواية اركب أمامي ، فصاحب الدابة أولى بمقدمها ، وتقدم ركوب أبي هريرة خلفه على حمار عري، وهو متوجه إلى قباء عن السيرة الطبرية قريبا .

(يركب ما أمكنه مرة فرسا) ، روى الشيخان من حديث أنس ركوبه -صلى الله عليه وسلم- فرسا لأبي طلحة ، ولمسلم من حديث سمرة ، ركوبه الفرس عريا حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ، ولمسلم من حديث سهل بن سعد "كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فرس يقال لها اللخيف" (ومرة بعيرا) ، روى الشيخان من حديث البراء ، ومن حديث ابن عباس "طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير " ، (ومرة بغلة شهباء) روى الشيخان من حديث البراء "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على بغلته البيضاء يوم حنين"، (ومرة حمارا) ، روى الشيخان من حديث أسامة أنه -صلى الله عليه وسلم- ركب على حمار إكاف"، الحديث ، (ومرة راجلا) ، أي ماشيا على الرجل ، وروى الشيخان من حديث ابن عمر "كان يأتي قباء راكبا وماشيا" (ومرة حافيا) ، أي بلا نعل ، (ومرة بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، يعود المرضى في أقصى المدينة) ، روى مسلم من حديث ابن عمر في عيادته -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن عبادة ، فقام وقمنا معه ، ونحن بضعة عشر ، ما علينا نعال ، ولا خفاف ، ولا قلانس ، ولا قمص ، نمشي في السباخ".

(يحب الطيب) وفي نسخة زيادة : والرائحة الطيبة ، (ويكره الرائحة الرديئة) ، وفي نسخة :الروائح الرديئة ، اعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان طيب الرائحة دائما ، وإن لم يمس طيبا ، ومن ثم قال أنس : "ما شممت ريحا قط ، ولا مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " ، وروى أبو يعلى ، والبزار بسند صحيح "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا مر من طريق وجد منه رائحة المسك"، وقال : مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الطريق ، ومع ذلك كان يحب الطيب والروائح الطيبة ، روى النسائي ، والطبراني ، والخطيب من حديث أنس : "حبب إلي النساء ، والطيب"، ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال: صحيح على شرط مسلم ، وروى أبو داود ، والحاكم من حديث عائشة "أنها صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبة من صوف ، فلبسها ، فلما عرق وجد ريح الصوف فخلعها ، وكان تعجبه الريح الطيبة" لفظ الحاكم ، وقال صحيح على شرط الشيخين ، ولابن عدي من حديث عائشة "كان يكره أن يوجد منه إلا ريحا طيبة" .




الخدمات العلمية