الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان يتختم وربما خرج وفي خاتمه الخيط المربوط يتذكر به الشيء وكان يختم به على الكتب ويقول : الخاتم على الكتاب خير من التهمة وكان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة وربما نزع قلنسوته من رأسه ، فجعلها سترة بين يديه ثم يصلي إليها وربما لم تكن العمامة فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته وكانت له عمامة تسمى السحاب فوهبها من علي فربما طلع على فيها ، فيقول صلى الله عليه وسلم : أتاكم علي في السحاب وكان إذا لبس ثوبا لبسه من قبل ميامنه ويقول : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ، ثم يقول : ما من مسلم يكسو مسلما من سمل ثيابه لا يكسوه إلا لله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حيا وميتا وكان له فراش من أدم حشوه ليف طوله ذراعان أو نحوه ، وعرضه ذراع وشبر ، أو نحوه وكانت له عباءة تفرش له حيثما تنقل تثنى طاقين تحته .

التالي السابق


(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يتختم) رواه الشيخان من حديث ابن عمر وأنس قاله العراقي : ولفظهما: "كان يتختم في يمينه"، وكذلك رواه الترمذي عن ابن عمر ، ورواه مسلم ، والنسائي عن أنس ، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث عبدالله بن جعفر ، وروى ابن عدي ، عن ابن عمر بزيادة ، ثم حوله في يساره ، وكذلك رواه ابن عساكر عن عائشة ، وروى مسلم عن أنس "كان يتختم في يساره" وكذلك رواه أبو داود عن ابن عمر ، وعند الطبراني من حديث عبد الله بن جعفر "كان يتختم بالفضة"، (وربما خرج) -صلى الله عليه وسلم- (وفي خاتمه خيط مربوط يتذكر به الشيء) .

قال العراقي : رواه ابن عدي من حديث واثلة بسند ضعيف "كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا ، وزاد الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث ابن عمر ليذكره به ، وسنده ضعيف اهـ .

قلت: حديث ابن عمر هذا أخرجه أبو يعلى من طريق سالم بن عبد الأعلى بن الفيض ، عن نافع عنه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في أصبعه خيطا ليذكرها"، وكذا هو في رابع الخلعيات ، وسالم ضعيف جدا ، وقال الدارقطني في الإفراد: إنه تفرد به ، ورواه ابن سعد في الطبقات ، والحكيم الترمذي في النوادر بلفظ : "كان إذا أشفق من الحاجة ينساها ربط في خنصره أو خاتمه الخيط"، ويروى عن رافع بن خديج قال: "رأيت في يد النبي -صلى الله عليه وسلم- خيطا ، فقلت: ما هذا؟ قال: أستذكر به" ، رواه الدارقطني في الإفراد ، وقال: تفرد به غياث بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن عياش بن أبي ربيعة ، عن سعيد المقبري عنه .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يختم به على الكتب) روى الشيخان من حديث أنس "لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى الروم قالوا: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ خاتما من فضة"، الحديث .

وللنسائي والترمذي في الشمائل من حديث ابن عمر "اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه، وسنده صحيح ، (ويقول: الخاتم على الكتاب خير من التهمة) قال العراقي : لم أقف له على أصل .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يلبس القلانس) جمع قلنسوة ، فعنلوة بفتح العين وسكون النون (تحت العمائم) جمع عمامة ، (و) تارة يلبسها (بغير عمامة) ، والظاهر أنه كان يفعل ذلك في بيته ، وأما إذا ظهر للناس فالظاهر أنه كان لا يخرج إلا بعمامة فوق القلنسوة ، (وربما نزع قلنسوته من رأسه ، فجعلها سترة بين يديه ثم يصلي إليها) ، الظاهر أنه كان يفعل ذلك عند عدم تيسر ما يستتر به ، أو بيانا للجواز .

قال العراقي : رواه الطبراني ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر : "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس قلنسوة بيضاء"، ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث قلانس; قلنسوة بيضاء مضربة ، وقلنسوة برد حبرة ، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، وربما وضعها بين يديه إذا صلى"، وإسنادهما ضعيف .

ولأبي داود ، والترمذي من حديث ركانة "فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس" ، قال الترمذي : غريب ، وليس إسناده بالقائم اهـ .

قلت: وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الروياني ، وابن عساكر بلفظ : "كان يلبس القلانس تحت العمائم ، وبغير العمائم ، ويلبس العمائم بغير قلانس ، وكان يلبس القلانس اليمانية ، وهي البيض المضربة ، ويلبس ذوات الآذان في الحرب ، وكان ربما نزع قلنسوته ، فجعلها سترته بين يديه وهو يصلي".

وحديث ابن عمر الذي أورده أولا ، تفرد به عبد الله بن خراش ، وهو ضعيف ، وقال العراقي في شرح الترمذي : أجود إسناد في القلانس ما رواه أبو الشيخ عن عائشة : "كان يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان ، وفي الحضر المضمرة" يعني الشامية ، (وربما لم تكن [ ص: 130 ] العمامة فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته) قال العراقي : رواه البخاري من حديث ابن عباس : "صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- المنبر قد عصب رأسه بعصابة دسماء"، الحديث، (وكانت له) - صلى الله عليه وسلم- (عمامة تسمى السحاب فوهبها من علي) -رضي الله عنه- (فربما طلع فيها ، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: أتاكم علي في السحاب) قال العراقي : رواه ابن عدي ، وأبو الشيخ من حديث جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، وهو مرسل ضعيف جدا .

ولأبي نعيم في دلائل النبوة من حديث عمر في أثناء حديث عمامته السحاب ،الحديث اهـ .

قلت: ومن هنا اشتبه على الرافضة فزعموا أن المراد بالسحاب التي في السماء ، فقالوا: هو حي، ورفع في السحاب ، وهذا من ضلالهم وجهلهم بالسنة .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (إذا لبس ثوبا) ، أي إذا أراد لبسه (يلبسه من قبل ميامنه) قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، ورجاله رجال الصحيح ، وقد اختلف في رفعه اهـ .

قلت: الميامن جمع ميمنة، والمراد بها هنا: جهة اليمين ، وقال الهروي : أي كان يخرج يده اليمنى من الثوب ، وقال الطيبي: بميامنه ، أي بجانب يمينه ، أي فيندب التيامن في اللبس ، ولفظ الترمذي : "كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه".

ورواه أيضا النسائي في الزينة بنحوه (ويقول: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس) قال العراقي : رواه الترمذي وقال: غريب ، وابن ماجه ، والحاكم ، وصححه من حديث عمر بن الخطاب اهـ،

قلت: ورووه من حديث أبي أمامة قال: "لبس عمر بن الخطاب ثوبا جديدا ، فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل فيه في حياتي، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: من لبس ثوبا جديدا ، فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي ، ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله ، وفي حفظ الله ، وفي ستر الله حيا وميتا"، هذا لفظ الترمذي ، ففي الإسناد رواية صحابي عن صحابي .

وقد رواه كذلك أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن السني في عمل يوم وليلة ، والطبراني في الدعاء ، كلهم من حديث عمر ، وروى ابن السني من حديث معاذ بن أنس ، رفعه: "من لبس ثوبا ، فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

(وإذا نزع ثوبه خرج من مياسره) جمع ميسرة ضد الميمنة ، وقال العراقي : رواه أبو الشيخ من حديث ابن عمر "كان إذا لبس شيئا من الثياب بدأ بالأيمن ، وإذا نزع بدأ بالأيسر"، وله من حديث أنس : "كان إذا ارتدى أو ترجل أو انتعل بدأ بيمينه ، وإذا خلع بدأ بيساره"، وسندهما ضعيف ، وهو في الانتعال في الصحيحين من حديث أبي هريرة من قوله لا من فعله. اهـ .

قلت: فيندب التياسر في النزع ، كما يندب التيامن في اللبس ، ومعنى خرج من مياسره ، أي أخرج اليد اليسرى من الثوب .

(وكان له) -صلى الله عليه وسلم- (ثوب لجمعته خاصة سوى ثيابه لغير الجمعة) قال العراقي : تقدم قريبا بلفظ ثوبين اهـ .

قلت: روى البيهقي من حديث جابر : "كان له برد يلبسه في العيدين، والجمعة"، وفي رواية : "أخضر"، وفي رواية: "كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة"، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من غير ذكر الأحمر ، وأخذ منه الإمام الرافعي أنه يسن للإمام يوم الجمعة أن يزيد في حسن الهيئة واللباس ، ويتعمم ، ويرتدي .

وروى الخطيب من حديث أنس "كان إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة" .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (إذا لبس) ثوبا (جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ، ثم يقول: ما من مسلم يكسو مسلما من شمل ثيابه لا يكسوه إلا لله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حيا وميتا) .

قال العراقي : رواه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الشعب من حديث عمر ، قال: " رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا بثيابه فلبسها ، فلما بلغ تراقيه قال: الحمد لله الذي كساني ما أتجمل به في حياتي وأواري به عورتي ، ثم قال: ما من مسلم يلبس ثوبا جديدا"، الحديث دون ذكر تصدقه -صلى الله عليه وسلم- بثيابه ، قال البيهقي : إسناده غير قوي، وهو عند الترمذي، وابن ماجه دون ذكر لبس النبي ـ صلى الله عليه وسلم- لثيابه وهو أصح، وقد تقدم . اهـ .

قلت: روى الترمذي وقال: حسن غريب من حديث ابن عباس : "ما من مسلم كسا مسلما ثوبا إلا كان في حفظ الله ما دام منه خرقة"، وهو عند ابن النجار "من كسا مسلما ثوبا كان في حفظ من الله عز وجل ما بقي عليه منه [ ص: 131 ] خرقة" ورواه الحاكم ، وتعقب ، وأبو الشيخ بلفظ: "من كسا مسلما ثوبا لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك" .

(وكان له) -صلى الله عليه وسلم- (فراش من أدم) ، أي جلد مدبوغ ، وهو محركة جمع أدمة أو أديم (حشوه ليف) ، أي من ليف النخل; لأنه الكثير ، بل المعروف عندهم والضمير للأدم باعتبار لفظه ، وإن كان معناه جمعا ، فالجملة صفة لأدم خلافا لمن منع ذلك ، وجعلها حالية من الفراش وهو متفق عليه من حديث عائشة قاله العراقي .

قلت: ورواه الترمذي في الشمائل ، وروى أحمد ، والأربعة ، إلا النسائي "كانت وسادته التي ينام عليها من أدم وحشوه ليف" (طوله ذراعان أو نحوه ، وعرضه ذراع وشبر، أو نحوه) قال العراقي : رواه أبو الشيخ من حديث أم سلمة ، كان فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوا مما يوضع للإنسان في قبره ، وفيه من لم يسم ، اهـ .

قلت: رواه أبو داود في اللباس في سننه، عن بعض آل أم سلمة، وهذا الذي أشار إليه الشيخ ، أن فيه من لم يسم، ولفظه: " كان فراشه نحوا مما يوضع للإنسان في قبره ، وكان المسجد عند رأسه"، وقد رواه أيضا ابن ماجه في الصلاة ، فيمكن أن يؤخذ التحديد الذي ذكره المصنف من هذا الحديث .

(وكانت له) -صلى الله عليه وسلم- (عباءة تفرش له حيثما تنقل تثنى طاقيتين تحته) قال العراقي : رواه ابن سعد في الطبقات ، وأبو الشيخ من حديث عائشة "دخلت علي امرأة من الأنصار ، فرأت فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عباءة مثنية"، الحديث .

ولابن سعد عنها "أنها كانت تفرش للنبي -صلى الله عليه وسلم- عباءة باثنين" الحديث ، وكلاهما لا يصح للترمذي في الشمائل من حديث حفصة ، وسئلت ما كان فراشه؟ قالت: "مسح نثنيه ثنيتين فينام عليه" الحديث ، وهو منقطع اهـ .

قلت: وقصة الأنصارية رواها البخاري عن عائشة "أن أنصارية دخلت علي فرأت فراشه -صلى الله عليه وسلم- قطيفة مثنية، فبعثت لها بفراش حشوه صوف ، فدخل عليها -صلى الله عليه وسلم- ، فقال: ما هذا؟ فذكرت القصة ، فقال: رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة" .




الخدمات العلمية