الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان عفوه صلى الله عليه وسلم مع القدرة كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس وأرغبهم في العفو مع القدرة حتى أتي بقلائد من ذهب وفضة فقسمها بين أصحابه فقام رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك تعدل فقال ويحك فمن يعدل عليك بعدي فلما ولى قال : ردوه علي رويدا وروى جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبض للناس يوم خيبر من فضة في ثوب بلال فقال له رجل : يا رسول الله اعدل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل ، فقد خبت إذا وخسرت إن كنت لا أعدل فقام عمر فقال : ألا أضرب عنقه ، فإنه منافق ، فقال : معاذ الله ، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرب فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال : من يمنعك مني فقال الله فقال فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال : من يمنعك مني فقال : كن خير آخذ . قال : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال : لا غير أني لا أقاتلك ولا أكون معك .

ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء أصحابه فقال : جئتكم من عند خير الناس وروى أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ، ليأكل منها ، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ، فقالت: أردت قتلك ، فقال : ما كان الله ليسلطك على ذلك قالوا : أفلا نقتلها فقال : لا وسحره رجل من اليهود ، فأخبره جبريل عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك حتى استخرجه وحل العقد ، فوجد لذلك خفة وما ، ذكر ذلك لليهودي ، ولا أظهره عليه قط وقال علي رضي الله عنه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا حتى أتينا روضة خاخ فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي من كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لننزعن الثياب ، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم أمرا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا حاطب ، ما هذا قال ؟ : يا رسول الله ، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قومي وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهلهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب منهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعل ذلك كفرا ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، ولا ارتدادا عن ديني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صدقكم ، فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة فقال رجل من الأنصار : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمر وجهه ، وقال : رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر وكان صلى الله عليه وسلم يقول : لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم ، وأنا سليم الصدر .

التالي السابق


(بيان عفوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع القدرة) *

(كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحلم الناس) أي: أكثرهم حلما، وقد تقدم .

(و) كان (أرغبهم في العفو مع القدرة) ، على الانتقام، (حتى أتي بقلائد من ذهب وفضة) أي القلائد المصنوعة منهما وهو الحلي، (فقسمها بين أصحابه) بما أراه الله تعالى (فقام رجل من أهل البادية) أي من الأعراب الجفاة، (فقال: يا محمد، والله لئن أمرك الله أن تعدل) في القسمة، (فما أراك تعدل) حيث أعطى بعضا وترك بعضا، أو أكثر لبعض وأقل لآخرين (فقال) صلى الله عليه وسلم: (ويحك فمن يعدل عليك بعدي فلما ولى) الأعرابي (قال: ردوه علي رويدا) أي: من غير استعجال فحلم عليه، وعفا عنه مع غلظة كلامه، وأمر برده على إمهال لئلا يرتاع، قال العراقي : رواه أبو الشيخ من حديث ابن عمر بإسناد جيد اهـ .

قلت: ورواه الحاكم من حديث ابن عمرو ، وفيه [ ص: 135 ] زيادة في آخره، (وروى جابر ) بن عبد الله ـ رضي الله عنه- (أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقبض) مبنيا للفاعل أي يعطي ،وفي بعض النسخ، كان يفيض من الإفاضة، (للناس يوم حنين من فضة في ثوب بلال فقال له رجل : يا نبي الله، اعدل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل، فقد خبت إذا وخسرت إن كنت لا أعدل فقام عمر) ـ رضي الله عنه ـ (فقال: ألا أضرب عنقه، فإنه منافق، فقال: معاذ الله، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) . رواه مسلم في صحيحه قاله العراقي .

قلت: ورواه أيضا أحمد والبخاري والطبراني في الكبير بزيادة: إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية .

(وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حرب فرأوا من المسلمين غرة) أي غفلة، (فجاء رجل) منهم (حتى قام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم) وهو قائل تحت شجرة، في قائلة وسيفه معلق بها، وقد تفرق عنه أصحابه (بالسيف) أي: بسيفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان معلقا بالشجرة فاخترطه، وانتبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نومه فرآه واقفا على رأسه وبيده السيف .

(فقال: من يمنعك مني) أي: أنا قاتلك به الآن (فقال) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (الله) ـ عز وجل ـ يمنعني منك (قال) الراوي: (فسقط السيف من يده) واندهش في نفسه (فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- السيف) من الأرض، (وقال: من يمنعك) الآن (فقال: كن خير آخذ . قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله فقال: لا) أقول ذلك، (غير أني لا أقاتلك ولا أكون معك) أي: في نصرتك (ولا أكون مع قوم يقاتلونك) ، أي: لا أكون عونا لك، ولا عليك (فخلى سبيله) أي تركه حتى ذهب (فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث جابر بنحوه ، وهو في مسند أحمد أقرب إلى لفظ المصنف، وسمى الرجل غورث بن الحارث اهـ .

قلت: أخرجه أحمد، وكذا مسدد بن مسرهد في مسنديهما عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس عن جابر بطوله، وفيه بعد قوله: كن خير آخذ، قال: لا ، أو تسلم قال :لا ، ولكن أعاهدك أني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس، وأما البخاري، فقد أخرجه من ثلاث طرق إحداها موصولة، والأخرى معلقة، والأخرى مختصرة جدا، أما الموصولة من طريق الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن جابر أنه غزا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- قبل نجد ، فذكر الحديث، وفيه إذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال: إن هذا اخترط سيفي، وأنا نائم فاستيقظت، وهو في يده مصلت فقال: من يمنعك مني فقلت: الله ، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- ولم يسم في هذه الرواية .

وأما المعلقة، فقال البخاري عقب هذه قال أبان: حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع فذكر الحديث بمعناه، وفيه: إن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- تهددوه ، وليس فيه تسمية أيضا، وأما المختصرة، فقال: قال مسدد عن أبي عوانة، عن أبي بشر : اسم الرجل، غورث بن الحارث.

(وروى أنس) رضي الله عنه (أن يهودية أتت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة، ليأكل منها ،فجيء بها إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: أردت قتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك قالوا: أفلا نقتلها فقال: لا) .

قال العراقي : رواه مسلم، وهو عند البخاري، من حديث أبي هريرة . اهـ .

قلت: وروى الحاكم في المستدرك وصححه من حديث أبي سعيد الخدري "أن يهودية أهدت شاة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- سميطا فلما بسط القوم أيديهم، قال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم- كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، قال: فأرسل إلى صاحبتها، أسممت طعامك هذا ؟ قالت: نعم، أحببت إن كنت كاذبا أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- اذكروا اسم الله، وكلوا ، فأكلنا فلم يضر أحدا منا شيء".

قال صاحب سلاح المؤمن : اسم هذه اليهودية: زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم ، وكان بشر بن البراء بن معرور، ممن أكل من الشاة، فمات منها، وذلك عام خيبر، قال: وقوى شيخنا الدمياطي القول بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- قتل اليهودية به .

(وسحره) صلى الله عليه وسلم (رجل من [ ص: 136 ] اليهود ، فأخبره جبريل ) عليه السلام (بذلك حتى استخرجه) ، من بئر ذروان ، (وحل عقده ، فوجد لذلك خفة ، ولا ذكر ذلك لليهودي ، ولا أظهره عليه قط) ، قال العراقي : رواه النسائي ، بإسناد صحيح ، من حديث زيد بن أرقم ، وقصة سحره في الصحيحين من حديث عائشة بلفظ آخر ، اهـ .

قلت : اسم ذلك اليهودي : لبيد بن الأعصم ، وقد روي حديث سحره من طرق ، وتقدم بعضها في كتاب العلم .

أما حديث زيد بن أرقم ، فأخرجه أيضا عبد بن حميد ، في مسنده ، قال : "سحر النبي صلى الله عليه وسلم-رجل من اليهود ، فاشتكى ، فأتاه جبريل ، فنزل عليه بالمعوذتين ، وقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان ، فأرسل عليا ، فجاء به ، فأمره أن يحل العقد ، ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال " .

وأما حديث عائشة أيضا ، فأخرجه ابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، قالت : "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم - غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن الأعصم فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم - يذوب ، ولا يدري ما وجعه ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة قائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي هو عند رأسه للذي عند رجليه : ما وجعه ؟ قال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : بم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر بذي أروان ، وهي تحت راعوفة البئر ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم - غدا ومعه أصحابه إلى البئر ، فنزل رجل ، فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن مشاطة رأسه ، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإذا فيها مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة " ، الحديث ، ففيه : فقيل : "يا رسول الله ، لو قتلت اليهودي ، فقال : قد عافاني الله ، وما وراءه من عذاب الله أشد " .

وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس نحوه ، ومن حديث أنس مختصرا ، (وقال علي كرم الله وجهه - بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد) بن الأسود (فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ) ، موضع بين الحرمين (فإن بها ظعينة) في المصباح يقال : للمرأة ظعينة ، فعيلة : بمعنى مفعولة ، لأن زوجها يظعن بها ، أي يرتحل ، ويقال : الظعينة : الهودج سواء كان فيه امرأة ، أم لا ، ويقال : الظعينة في الأصل : وصف للمرأة في هودجها ، ثم سميت بهذا الاسم ، إن كانت في بيتها ؛ لأنها تصير مظعونة ، وهي هنا امرأة من مزينة ، قال ابن إسحاق : بلغني أنها كانت مولاة لبني عبد المطلب ، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرنها ، وخرجت به (معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا) تعادي بنا خيلنا (حتى أتينا روضة خاخ ) ، فإذا نحن بها ، (فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب ، أو لتنزعن الثياب ، فأخرجته من عقاصها) ، أي من شعرها المعقوص ، وفي رواية من حجزتها .

(فأتينا به) أي بالكتاب (النبي صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة ) واسم أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة اللخمي ، وكان حاطب حليف بني أسد بن عبد العزى ، (إلى أناس من المشركين) بمكة (يخبرهم أمرا من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم -) أي ببعض أمره بتجهيزه إليهم ، (فقال : يا حاطب ، ما هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قومي) ، أي لكونه من بني لخم ، وأنا حالف ببني أسد ، (وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهلهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك منهم من النسب أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي) ، ولا يؤذونهم (ولم أفعل ذلك كفرا ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، ولا ارتدادا عن ديني ، فقال رسول الله صدقكم حاطب ، فقال عمر ) رضي الله عنه : (دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله عز وجل - قد اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم ) ، قال العراقي : متفق عليه اهـ .

قلت : هو عندهما من طريق ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن حسن بن محمد ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، قال : سمعت عليا ، يقول : وأخرجاه أيضا ، من حديث أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، وأنه فيه نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية ، قال سفيان : فلا أدري أذاك في الحديث أم قولا من عمرو بن دينار ، ورواه ابن مردويه في تفسيره من حديث [ ص: 137 ] ابن عباس ، عن عمر ، فذكر يعني حديث علي ، وفيه : "فقال : يا حاطب ، ما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله ، كان أهلي فيهم ، فكتبت كتابا لا يضر الله ولا رسوله " ، وروى ابن شاهين ، والماوردي ، والطبراني ، وسمويه ، من طريق الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة ، قال : وحاطب رجل من أهل اليمن ، وكان حليفا للزبير ، وكان قد شهد بدرا ، وكان بنوه وإخوته بمكة ، فكتب حاطب من المدينة إلى كفار قريش ، ينتصح لهم ، فذكر الحديث نحو حديث علي ، وفي آخره : "فقال حاطب : والله ما أذنبت في الله منذ أسلمت ، ولكنني كنت امرأ غريبا ، ولي بمكة بنون وإخوة " الحديث ، وزاد في آخره ، "فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " الآيات .

ورواه ابن شاهين من حديث ابن عمر بإسناد قوي .

(وقسم صلى الله عليه وسلم قسمة فقال رجل من الأنصار : هذه قسمة ما أريد به وجه الله ، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم - فاحمر وجهه ، وقال : رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث ابن مسعود اهـ .

قلت : ورواه كذلك أحمد وتمامه : "لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم - أناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثلها ، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة ، فقال رجل ما قال ، وفيه : فقلت : والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأتيته فأخبرته ، فقال صلى الله عليه وسلم ما قال " ، وقوله : "قد أوذي بأكثر من هذا فصبر " أي آذاه قومه بأشد مما أوذيت به ، من تشديد فرعون وقومه وآبائه عليه وقصده إهلاكه ، بل ومن تعنت من آمن معه من بني إسرائيل ، حتى رموه بالأدرة ، واتهموه بقتل أخيه هارون عليهما السلام - لما مات معه في التيه ، ولما سلك بهم البحر ، قالوا : إن صحبنا لا نراهم ، فقال : سيروا فإنهم على طريق كطريقكم ، قالوا : لا نرضى حتى نراهم ، فقال : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة ، ففتحت لهم كوات في الماء ، فتراءوا وتسامعوا إلى غير ذلك ، من تعنتاتهم معه عليه السلام - وكلامه صلى الله عليه وسلم ذلك شفقة عليهم ، ونصحا في الدين ، لا تهديدا وتثريبا .

(وكان صلى الله عليه وسلم يقول : لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم ، وأنا سليم الصدر ) ، قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن مسعود ، وقال : غريب من هذا الوجه اهـ .

قلت : ورواه كذلك أحمد والبيهقي .




الخدمات العلمية