الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنهم (كانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم ) قال العراقي : رواه البخاري من حديث ابن مسعود اهـ .

قلت : التسبيح من قبيل الألفاظ الدالة على معنى التنزيه ، واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ ، فيكون في غير من قام به مجازا ، فالطعام والحصى والشجر ونحو ذلك كل منها يتكلم باعتبار خلق الكلام فيه حقيقة ، وهذا من قبيل خرق العادة ، وفي سماعهم التسبيح تصريح بكرامة الصحابة بسماع هذا التسبيح وفهمه ، وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم قال البخاري : حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا إسرائيل عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : إنكم تعدون الآيات عذابا ، وكنا نعدها بركة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قد كنا نأكل مع النبي -صلى الله عليه وسلم - الطعام ، ونحن نسمع تسبيح الطعام " الحديث .

ورواه أبو بكر الإسماعيلي في المستخرج ، عن الحسن بن سفيان ، عن محمد بن بشار ، عن أبي أحمد ، ورواه البيهقي في الدلائل من طريقه ، وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : " مرض النبي -صلى الله عليه وسلم - فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي -صلى الله عليه وسلم - فسبح " .

رواه عياض في الشفاء ، ونقله عن الحافظ في الفتح ، ومن ذلك تسبيح الحصى في كفه -صلى الله عليه وسلم - روي من حديث أبي ذر ، قال : تناول النبي -صلى الله عليه وسلم - سبع حصيات فسبحن في يده ، حتى سمعت لهن حنينا ، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ، ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن " ، أخرجه البزار والطبراني في الأوسط ، وفي رواية الطبراني : "فسمع تسبيحهن من في الحلقة ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا " .

قال البيهقي في الدلائل : كذا رواه صالح بن أبي الأخضر ، ولم يكن بالحافظ عن الزهري ، عن سويد بن يزيد السلمي ، عن أبي ذر ، والمحفوظ ما رواه شعيب ، عن أبي حمزة ، عن الزهري .

قلت : يشير إلى ما أخرجه محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن أبي حمزة ، عن الزهري قال : ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ، عن أبي ذر قال : " هجرت يوما من الأيام ، فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم - قد خرج من بيته ، فسألت عنه الخادم ، فأخبرني أنه ببيت عائشة ، فأتيته وهو جالس ، وليس عنده أحد من الناس وكأني أراه في وحي ، فسلمت عليه فرد علي السلام ، ثم قال : "ما حاجتك ؟ قلت : الله ورسوله فأمرني أن أجلس ، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ، ولا يذكره لي ، فمكثت غير كثير ، فجاء أبو بكر يمشي مسرعا فسلم ، فرد عليه السلام ، ثم قال : ما جاء بك ؟ قال : جاء بي الله ورسوله ، فأشار بيده أن اجلس ، فجلس إلى ربوة مقابل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك ، وقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ، وجلس إلى جنب أبي بكر ، ثم جاء عثمان كذلك ، وجلس إلى جنب عمر ، ثم قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على حصيات سبع أو تسع أو ما قرب من ذلك ، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل في كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني في كفه ، ثم أخذهن منه فوضعهن على الأرض فخرسن ، وصرن حصى ، ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر ، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن ، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه كنحو ما سبق في كف أبي بكر وعمر ، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن " . وليس لحديث تسبيح الحصى إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها ، لكنه مشهور عند الناس .




الخدمات العلمية