الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال عطاء إن رجلا سأل ابن عباس أكان : رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح فقال ؟ : نعم . قال : فما كان مزاحه ؟ قال : كان مزاحه أنه صلى الله عليه وسلم كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا واسعا ، فقال لها : البسيه واحمدي وجري منه ذيلا كذيل العروس وقال أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس مع نسائه وروي أنه كان كثير التبسم وعن الحسن قال : أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة عجوز . فبكت ، فقال : إنك لست بعجوز يومئذ قال الله تعالى : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا .

وقال زيد بن أسلم إن امرأة يقال لها : أم أيمن جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي يدعوك قال : ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ قالت والله : ما بعينه بياض . فقال : بلى إن بعينه بياضا . فقالت : لا والله . فقال صلى الله عليه وسلم : ما من أحد إلا وبعينه بياض . وأراد به البياض المحيط بالحدقة وجاءت امرأة أخرى فقالت : يا رسول الله ، احملني على بعير . فقال : بل نحملك على ابن البعير . فقالت : ما أصنع به ؟ إنه لا يحملني . فقال صلى الله عليه وسلم ما من : بعير إلا وهو ابن بعير .

؟ فكان يمزح به
وقال أنس كان لأبي طلحة ابن يقال له : أبو عمير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم ويقول يا أبا عمير ، ما فعل النغير النغير كان يلعب به ، وهو فرخ العصفور .

التالي السابق


(وقال عطاء) بن أبي رباح: (إن رجلا سأل ابن عباس ) رضي الله عنه (فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ؟ قال: نعم. قال: فما كان مزاحه؟ قال: كان مزاحه أنه صلى الله عليه وسلم كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوبا واسعا، فقال: البسيه واحمدي وجري منه ذيلا كذيل العروس ) ، قال العراقي : لم أقف عليه. قلت: والذي روي عن ابن عباس فيما أخرجه الطبراني وابن عساكر أنه سئل: هل كان صلى الله عليه وسلم يداعب؟ فقال: كان فيه دعابة قليلة .

(وروى أنس ) رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس ) ، أي: أمزحهم إذا خلا بنحو أهله، رواه ابن عساكر في التاريخ، وقد تقدم في كتاب النبوة، (وروي أنه) صلى الله عليه وسلم ( كان كثير التبسم ) ، تقدم في كتاب أخلاق النبوة .

وروى أحمد والترمذي والحاكم من حديث جابر بن سمرة : كان لا يضحك إلا تبسما ، وقد تقدم أيضا، (وعن الحسن) البصري رحمه الله تعالى (قال: أتت عجوز) قيل: هي عمته صفية بنت عبد المطلب أم الزبير رضي الله عنها، (إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا يدخل الجنة عجوز. فبكت، فقال: إنك لست بعجوز يومئذ) ، بل شابة، قيل: كأنه صلى الله عليه وسلم فهم أنها تطلب تدخل الجنة على هيئتها وقت موتها، فرد اعتقادها فداعبها، ويحتمل ألا يكون مداعبة، ويكون عدها مداعبة من فهم الحاضرين، وهذا قد رده ابن حجر في شرح الشمائل، فقال: فيما قاله أولا نظر؛ إذ لا يحتاج في عده مداعبة إلى دعوى أنه صلى الله عليه وسلم فهم ذلك، بل إلى لفظ أوهم ذلك، واحتماله المذكور ليس في محله، لا سيما وفيه سوء أدب على الصحابة الحاضرين بجعله نفسه فهم أنه غير مداعبة، وفهموا المداعبة، وهو فهم غير صحيح، وفي ذلك من قلة الأدب ما لا يخفى، بل فيه عدم حفظ القواعد الأصولية المصرحة بأن فهم الصحابي مقدم على فهم غيره; لأنه أعرف بمرويه لمشاهدته من القرائن الحالية والمقالية ما لم يشاهده، فوجب تقديم فهمه على فهم غيره، وتأمل مزحه صلى الله عليه وسلم تجده لا يخلو من بشرى عظيمة، أو فائدة عزيزة، أو مصلحة تامة، فهو في الحقيقة غاية الجد، وليس مزاحا إلا باعتبار الصورة فقط. (قال الله تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء ) ، أي: خلقناهن من غير توسط ولادة، ( فجعلناهن أبكارا ) أي: كلما جاء الرجل وجدها بكرا، يحتمل أن المراد: ثم زيناهن حتى [ ص: 500 ] وصلن لحد التمتع، ويحتمل -وهو الظاهر- أنهن خلقن ابتداء كاملات من غير تدريج في التربية والسن، وهذا بناء على ما يصرح به سياق القرائن أن الضمير للحور، وحينئذ فوجه المطابقة بين هذا وما نحن فيه أنه يعلم أن أهل الجنة كلهم أنشأهم الله تعالى خلقا آخر يناسب الدوام والبقاء، وذلك يستلزم كمال الخلق، وتوفر القوى البدنية كلها، وانتفاء صفات النقص عنها، ثم قال: عربا ، أي متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل، أترابا ، على سن واحدة، ثلاثة وثلاثين؛ إذ هو كمال أسنان نساء الدنيا، قال العراقي : رواه الترمذي في الشمائل هكذا مرسلا، وأسنده ابن الجوزي في الوفاء، من حديث أنس بسند ضعيف .

(وروى زيد بن أسلم) أبو عبد الله مولى عمر بن الخطاب ، ثقة عالم، وكان يرسل، روى له الجماعة، (أن امرأة يقال لها: أم أيمن) هي بركة الحبشية، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتقها وزوجها زيد بن حارثة ، فهي أم أسامة بن زيد ، (جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي) عنت به زيد بن حارثة ، (يدعوك. فقال: ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض؟ قالت: ما بعينه بياض. فقال: بلى بعينه بياض. فقالت: لا والله. فقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد إلا وبعينه بياض. وأراد البياض المحيط بالحدقة) لا البياض العارض على الحدقة، كما يتبادر إليه الفهم، قال العراقي : رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن سهم الفهري ، مع اختلاف، ( وجاءت امرأة أخرى فقالت: يا رسول الله، احملني على بعير. فقال: بل نحملك على ابن البعير. فقالت: ما أصنع به؟ إنه لا يحملني. فقال صلى الله عليه وسلم: وهل بعير إلا وهو ابن بعير؟ فكان يمزح به ) قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي ، وصححه من حديث أنس بلفظ: "إنا حاملوك على ولد الناقة" . اهـ .

قلت: وأخرجه الترمذي في الشمائل، وفيه أن الذي استحمله رجل، فقال له: إني حاملك على ولد ناقة. وفيه: هل الإبل إلا النوق؟ (وقال أنس ) رضي الله عنه: (كان لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه، وهو زوج أم أنس (ابن يقال له: أبو عمير ) ، وهو أخو أنس لأمه، (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم) تأنيسا لخاطرهم ويخالطهم، (ويقول) مداعبا مع الصبي: (أبا عمير، ما فعل النغير) ، أي: ما شأنه، وما حاله؟ وهو مصغر النغرة، (لنغير كان يلعب به، وهو ولد العصفور) ، أو طائر يشبه العصفور، رواه البخاري ومسلم بلفظ: "كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، وكان له نغير يلعب به، فمات، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ فقالوا: مات نغيره. فقال: يا أبا عمير ، ما فعل النغير؟" ، وقد تقدم ذلك في كتاب أخلاق النبوة .




الخدمات العلمية