الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأتى على قبرين يعذب صاحباهما ، فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يغتاب الناس ، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله فدعا . بجريدة رطبة ، أو جريدتين فكسرهما ، ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبر وقال : أما إنه سيهون من عذابهما ما كانتا رطبتين . أو ما لم ييبسا .

ولما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا في الزنا قال رجل لصاحبه : هذا أقعص كما يقعص الكلب فمر صلى الله عليه وسلم وهما معه بجيفة فقال انهشا منها فقالا : يا رسول الله ، ننهش جيفة ؟! فقال : ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه .

وكان الصحابة رضي الله عنهم يتلاقون بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ، ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة المنافقين وقال أبو هريرة من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه لحمه في الآخرة وقيل له : كله ميتا كما أكلته حيا . فيأكله فينضج ويكلح وروي مرفوعا كذلك وروي أن رجلين كانا قاعدين عند باب من أبواب المسجد فمر بهما رجل كان مخنثا فترك ذلك ، فقالا : لقد بقي فيه منه شيء وأقيمت . الصلاة ، فدخلا فصليا مع الناس فحاك ، في أنفسهما ما قالا ، فأتيا عطاء فسألاه ، فأمرهما أن يعيدا الوضوء والصلاة وأمرهما أن يقضيا الصيام إن ، كانا صائمين وعن مجاهد أنه قال في ويل لكل همزة لمزة ، الهمزة الطعان في الناس واللمزة الذي يأكل لحوم الناس وقال قتادة ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث ; ثلث من الغيبة ، وثلث من النميمة وثلث من البول وقال الحسن والله للغيبة أسرع في دين الرجل المؤمن من الأكلة في الجسد وقال بعضهم : أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ، ولا في الصلاة ، ولكن في الكف عن أعراض الناس وقال ابن عباس إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك وقال أبو هريرة يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ، ولا يبصر الجذع في عين نفسه وكان الحسن يقول : ابن آدم ، إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تغيب الناس بعيب هو فيك ، وحتى تبدأ بصلاح ذلك الغيب فتصلحه من ، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك ، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا وقال مالك بن دينار مر عيسى عليه السلام ومعه الحواريون بجيفة كلب ، فقال الحواريون : ما أنتن ريح هذا الكلب ! فقال عليه الصلاة والسلام ما أشد بياض أسنانه ! كأنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الغيبة، ونبههم على أنه لا يذكر من شيء من خلق الله إلا أحسنه وسمع علي بن الحسين رجلا يغتاب آخر ، فقال له : إياك والغيبة ؛ فإنها إدام كلاب الناس .

التالي السابق


(وقال جابر) بن عبد الله رضي الله عنه: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير) أي: سفر، نسير معه فيه، (فأتى على قبرين يعذب صاحباهما، فقال: ألا إنهما لا يعذبان في كبيرة) ، أي: في خصلة ثقيلة عليهما، (أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأما الآخر فكان لا يستنزه) أي: لا يتباعد (من بوله. ودعا بجريدة رطبة، أو جريدتين) شك من الراوي، (فكسرهما، ثم أمر بكل كسر فغرس على قبر، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه سيهون من عذابهما ما كانتا رطبتين. أو) قال: (ما لم تيبسا) شك من الراوي. أخرجه ابن أبي الدنيا عن [ ص: 536 ] محمد بن علي ، حدثنا النضر بن شميل ، أنبأنا أبو العوام ، واسمه عبد العزيز بن ربيع الباهلي ، حدثنا أبو الزبير، واسمه محمد ، عن جابر بن عبد الله قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير.." ، فساقه، إلا أنه قال: لا يعذبان في كبير . وفيه: وأما الآخر فكان لا يتأذى من بوله. وفيه: ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبر. والباقي سواء، قال العراقي : ورواه أبو العباس الدغولي في كتاب الآداب، بإسناد جيد، وهو في الصحيحين من حديث ابن عباس ، إلا أنه ذكر فيه بدل الغيبة: النميمة. وللطيالسي فيه: أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس. ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة نحوه بإسناد جيد. اهـ .

قلت: وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر أيضا، وفيه: إنهما لا يعذبان في كبير، وبلى، أما أحدهما.. وفيه: ما كانتا رطبتين ، ولم يشك، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: وأما الآخر فكان لا يستتر من البول ، وفي الأخرى: لا يستنزه، وفي أخرى: لا يستبرئ، فهي خمس روايات مع رواية المصنف، ورواية ابن أبي الدنيا .

(ولما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل في الزنا) وهو ماعز بن مالك الأسلمي (قال رجل لصاحبه: هذا أقعص كما يقعص الكلب) القعص: الموت الوحي، وقصعه كمنعه: قتله مكانه، كأقعصه، وانقعص: مات، (فمر النبي صلى الله عليه وسلم وهما معه بجيفة) أي: ميتة حيوان، (فقال) لهما: (انهشا منها) ، والنهش: الأكل بمقدم الفم، (فقالا: يا رسول الله، ننهش جيفة؟! فقال: ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه) قال العراقي : رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بإسناد جيد. اهـ .

قلت: وأخرجه أيضا عبد الرزاق في المصنف، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو يعلى ، وابن المنذر ، والبيهقي في الشعب، بسند صحيح، ولفظهم: إن ماعزا لما رجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين أحدهما يقول لصاحبه: ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب. فسار النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مر بجيفة حمار، فقال: أين فلان وفلان؟ فكلا من جيفة هذا الحمار. فقالا: وهل يؤكل هذا؟! قال: فأكلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها . (وكان الصحابة رضي الله عنهم يتلاقون) مع بعضهم (بالبشر) والطلاقة، (ولا يغتابون) أحدا منهم (عند الغيبة، ويرون ذلك أفضل الأعمال) ، وأعلى الأحوال، (ويرون خلافه عادة المنافقين) وشيمة المطرودين .

(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه لحمه في الآخرة، فقيل: كله ميتا كما أكلته حيا. فيأكله ويضج) أي: يصيح ويتململ (ويكلح) أي: يعبس وجهه، رواه ابن أبي الدنيا ، هكذا موقوفا عن يحيى بن يوسف الرقي ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن عمه موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال: من أكل.. فذكره. قال العراقي : رواه محمد بن إسحاق هكذا بالعنعنة، (وروي مرفوعا كذلك) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العراقي : رواه ابن مردويه في التفسير اهـ .

قلت: وكذلك أبو يعلى وابن المنذر ، وعندهم: فإنه ليأكله ويكلج، ويضج. (وروي أن رجلين كانا قاعدين عند باب من أبواب المسجد) الحرام، (فمر بهما رجل كان مخنثا) أي: كان يتشبه بالنساء، (فترك ذلك، فقالا: لقد بقي فيه منه شيء. فأقيمت الصلاة، فدخلا فصليا مع الناس، فجال في أنفسهما) أي: حدثت نفوسهما (مما قالا، فأتيا عطاء) بن أبي رباح، مفتي مكة ، (فسألاه، فأمرهما أن يعيدا الوضوء والصلاة، وإن كانا صائمين أن يقضيا صيام ذلك اليوم) ، رواه ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم ، أنبأنا سعيد بن عامر ، عن الربيع بن صبيح أن رجلين.. فذكره .

(وعن مجاهد) بن جبر المكي التابعي، الثقة، (قال) في قوله تعالى: ( ويل لكل همزة لمزة ، الهمزة الطعان في الناس ) ، أي: في أعراضهم، ( واللمزة الذي يأكل لحوم الناس ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا ابن المبارك عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وروي بهذا السند أيضا، عن ابن المبارك ، عن أبي مودود ، عن يزيد مولى قيس الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ولا تلمزوا أنفسكم ، قال: لا يطعن بعضكم على بعض. (وقال قتادة) بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري: (ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث ; ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة) ، رواه ابن أبي الدنيا ، عن أحمد بن منيع ، حدثنا ابن علية ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال: ذكر لنا.. فساقه، (وقال الحسن [ ص: 537 ] البصري ) رحمه الله تعالى: (للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في الجسد) ، رواه ابن أبي الدنيا عن محمد بن أبي حاتم الأزدي ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا الربيع بن صبيح قال: سمعت الحسن يقول: والله للغيبة.. فذكره. (وقال بعضهم: أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم، ولا في الصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن عيسى بن عبد الله التميمي قال: بلغني عن عتاب بن بشير عن خصاف وخصيف وعبد الكريم بن مالك قالوا: أدركنا السلف.. فذكره، (وقال ابن عباس ) رضي الله عنه: ( إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك ) رواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله بن المبارك عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا أردت.. فذكره. (وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (يبصر أحدهم القذى في عين أخيه، ولا يبصر الجذل في عينه) ، رواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن أبي بدر ، أنبأنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة قال : "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذل في عينه" .

وروي ذلك أيضا من قول الحسن ، قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن جميل، أنبأنا ابن المبارك أنبأنا جعفر بن حيان عن الحسن قال: "ابن آدم ، تبصر القذى في عين أخيك، وتدع الجذل معترضا في عينك" . وقد رواه ابن المبارك أيضا، وكذا العسكري في الأمثال من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "وينسى الجذع" أو قال: الجذل في عينه. وقد تقدم في كتاب آداب الصحبة. (وكان الحسن) البصري رحمه الله تعالى (يقول: ابن آدم ، إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن نصر بن طرخان ، حدثنا عمران بن خالد الخزاعي قال: كان الحسن يقول: "يا ابن آدم، إنك لن تصيب.." ، فذكره، (وقال مالك بن دينار ) رحمه الله تعالى، (مر عيسى ابن مريم ) عليه السلام ( والحواريون ) معه (على جيفة كلب، فقال الحواريون : ما أنتن ريح هذا! فقال عيسى ) عليه السلام: (ما أشد بياض أسنانه! كأنه نهاهم عن الغيبة، ونبههم على أنه لا يذكر من شيء من خلق الله إلا أحسنه) ، رواه ابن أبي الدنيا عن محمد بن عثمان العقيلي ، حدثنا ابن عون صاحب القرب عن مالك بن دينار قال: مر عيسى ابن مريم عليه السلام.. فذكره، ورواه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا الحكم بن عون ، عن مالك بن دينار قال: مر عيسى عليه السلام مع الحواريين على جيفة كلب.. فساقه، وقال في آخره: يعظهم، ينهاهم عن الغيبة، (وسمع علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى (رجلا يغتاب آخر، فقال: إياك والغيبة؛ فإنها إدام كلاب الناس ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن الحسين بن عبد الرحمن قال: سمع علي بن الحسين رجلا.. فذكره، قال: وحدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: سمع المهلب بن أبي صفرة رجلا يغتاب رجلا فقال: اكفف فوالله لا ينقى فوك من سهكها . قال: وحدثنا حسين قال: سمع قتيبة بن مسلم رجلا يغتاب رجلا قال: أما والله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظتها الكرام .




الخدمات العلمية