الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفن الثاني : استقراء الآيات والأخبار فما ورد في الرجاء خارج عن الحصر أما الآيات فقد قال تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم وقال تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض . وأخبر تعالى أن النار أعدها لأعدائه ، وإنما خوف بها أولياءه ، فقال لهم : من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده . وقال تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وقال تعالى : فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، وقال عز وجل وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، ويقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له : أما ترضى وقد أنزلت عليك هذه الآية وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم

وفي تفسير قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : لا يرضى محمد وواحد من أمته في النار وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول : أنتم أهل العراق تقولون أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية ، ونحن أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى .

التالي السابق


(الفن الثاني: استقراء الآيات)

القرآنية (والأخبار) النبوية (فما ورد في الرجاء) من ذلك كثير (خارج عن الحصر) والضبط، ولكن يذكر هنا من كل ذلك ما ينفع الراجين. (أما الآيات فقد قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) ، وهذه أرجى آية في القرآن، (و) روينا (في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم) وفي المشهورة المتواترة بحذفها. قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد، وقال: حسن غريب. (وقال تعالى) مخبرا عن الملائكة الحافين حول العرش: ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض . وأخبر تعالى أن النار أعدها لأعدائه، وإنما خوف بها أولياءه، فقال لهم: من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده . و) مثله (قال) تعالى ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وقال تعالى: فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، وقال تعالى) في عفوه عن الظالمين: ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له: أما ترضى وقد أنزلت عليك هذه الآية) يعني (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) ، هكذا أورده صاحب القوت. وقال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن أبي حاتم والثعلبي في تفسيريهما من رواية علي بن زيد بن جدعان عن [ ص: 175 ] سعيد بن المسيب قال: لما أنزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا عفو الله وتجاوزه ما تهمني أحد العيش، الحديث .

(و) جاء (في تفسير قوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال: لا يرضى محمد) صلى الله عليه وسلم (وأحد من أمته في النار) هكذا أورده صاحب القوت. والقائل لذلك ابن عباس رواه الخطيب في تلخيص المتشابه بسنده عنه، ورواه ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس بلفظ: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، ورواه البيهقي في الشعب من طريق سعيد بن جبير عنه قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم.

(وكان أبو جعفر محمد بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (يقول: أنتم يا أهل العراق تقولون أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية، ونحن أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وعده ربه تعالى أن يرضيه في أمته. هكذا أورده صاحب القوت، وروى ابن المنذر وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله، حدثني عمي محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشفع لأمتي حتى يناديني ربي: رضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت، ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، الآية .

قلت: إنا لنقول كذلك، ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهي الشفاعة .

ومن الآيات الدالة على الرجاء قوله تعالى: الله لطيف بعباده يرزق من يشاء ، وقوله تعالى: وكان بالمؤمنين رحيما ، وقوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء ، فدخلت جهنم وغيرها في توسعة الرحمة من حيث كن شيئا، وقوله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون ، معناه خصوص الرحمة، وصفوها لا كنهها؛ إذ لا نهاية للرحمة، لأنها صفة الراحم الذي لا حد له، ولأنه لم يخرج عن رحمته كل شيء، كما لم يخرج من حكمته وقدرته شيء؛ لأن جهنم والنار الكبرى ليس كنه عذابه، ولا كلية تعذيبه، فمن ظن ذلك به فلم يعرفه، ولأنه إنما أظهر من عذابه مقدار طاقة الخلق، كما أنه أظهر من ملكه ونعمه مقدار مصالح الخلق، ولا يصلح للخلق ولا يطيقون إظهار أكثر مما أظهر من النعيم والعذاب، بل لا ينبغي لهم أن يعرفوا فوق ما أبدى؛ لأن نهاية تعذيبه وتنعيمه من نهاية ملكه الذي هو قائم به، وملكه عن غاية قدرته وسلطانه، ولا نهاية لذلك، ولا يطيق الخلق كله إظهار ذلك أيضا عن تعالي صفاته، ونهاية معاني أسمائه المتناهيات، ولا سبيل إلى كشف ذلك من الغيوب، فسبحان من لا نهاية لقدرته، ولا حد لعظمته، ولا أمد لسلطانه. وكذلك شهدوا ما سمعوا من قوله تعالى: إنه كان حليما غفورا وكان الله عليما حليما ، فعلموا أن المغفرة على سعة كمال الحلم لسعة العلم، فلما رأوا عظيم علمه رجوا عظيم مغفرته، ولما شهدوا كثيف ستره أملوا جميل عفوه .




الخدمات العلمية