الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكل ما قسم الله تعالى بين عباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية فكله عدل محض لا جور فيه ، وحق صرف لا ظلم فيه ، بل هو على الترتيب الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي بالقدر الذي ينبغي وليس في الإمكان أصلا أحسن منه ولا أتم ولا أكمل ، ولو كان وادخره مع القدرة ولم يتفضل بفعله لكان بخلا يناقض الجود وظلما يناقض العدل ولو لم يكن قادرا لكان عجزا يناقض الإلهية بل كل فقر وضر في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة وكل نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص فهو نعيم بالإضافة إلى غيره إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار ولولا المرض لما تنعم الأصحاء بالصحة ولولا النار لما عرف أهل الجنة قدر النعمة وكما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ليس بظلم بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل فكذلك تفخيم النعم على سكان الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النيران وفداء .

أهل الإيمان بأهل الكفران عين العدل وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ، ولولا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس ، فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة فمقتضى الجود والحكمة خلق الكامل والناقص جميعا وكما أن قطع اليد إذا تآكلت إبقاء على الروح عدل ؛ لأنه فداء كامل بناقص فكذلك الأمر في التفاوت الذي بين الخلق في القسمة في الدنيا والآخرة فكل ذلك عدل لا جور فيه وحق لا لعب فيه وهذا الآن بحر آخر عظيم العمق واسع الأطراف مضطرب الأمواج قريب في السعة من بحر التوحيد فيه غرق طوائف من القاصرين ولم يعلموا أن ذلك غامض لا يعقله إلا العالمون ووراء هذا البحر سر القدر الذي تحير فيه الأكثرون ومنع من إفشاء سره المكاشفون .

التالي السابق


ثم قال المصنف (وكل ما قسم الله تعالى بين عباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وكسل وقدرة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية فكله عدل محض لا جور فيه، وحق صرف لا ظلم فيه، بل هو على الترتيب الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي وبالقدر الذي ينبغي) .

قال صاحب القوت: لأنه أجراه على ترتيب العقول وبمعاني العرف والمعتاد من الأمور وبالأسباب العقلية والأواسط المشهورة على معيار ما طبع العقول فيه وجبل المعقول عليه، ثم غيب في ذلك العواقب وحجب السرائر وأخفى المثاوب فغاب بغيبها حسن التدبير وجميل التقدير، فجهل أكثر الناس الحكم واحتجوا بظواهر الرسم ونسوا سوابق القسم "وما يعقلها إلا العالمون" "إن في ذلك لآيات للعالمين" وهذه شهادة المتوكلين وهي مقامات النبيين .

(وليس في الإمكان) هو الأمر الذي هو موضع القدرة ومحل القوة والتمكن وهو ما ليس بواجب ولا بمحال ممتنع بذاته (أصلا أحسن منه ولا أتم ولا أكمل، ولو كان) كذلك (وادخره مع القدرة) عليه (ولم يفعل لكان بخلا يناقض الجود وظلما يناقض العدل ولو لم يكن قادرا لكان عجزا يناقض الألوهية) هكذا نص هذه العبارة في سائر نسخ الكتاب لا سيما وفي أواخر بعضها أنها نقلت من نسخة موثوقة بها معتمدا على صحتها .

وتقرير هذا الكلام ما يظهر من معرفة أمرين: أحدهما: أن المجمع عليه عند أهل السنة أن القدرة إنما تتعلق بالممكن دون المستحيل فكل ما صح حدوثه وتوهم كونه ولم يستحل في العقل وجوده فالله سبحانه قادر على إيجاده وإحداثه، وكل ما استحال وجوده لم يوصف أحد بالقدرة عليه ولا بالعجز عنه; لأن العجز إنما يصح عما تصح القدرة عليه وكل ما لا يصح أن يكون مقدورا عليه فلا يصح أن يكون معجوزا عنه، ولذلك لا يوصف أحد بالعجز عن الجمع بين الضدين ولا بالعجز عن جمع العالم في قشر بيضة ونحو ذلك; لأن ذلك مما لا تصح القدرة عليه فلا يصح العجز عنه ولذلك قالوا: إن الإنسان لا يوصف بالعجز عن خلق الأعيان; لأنه لا يصح وصفه بالقدرة على خلقها، وفي هذه المسألة خلاف على جماعة من المعتزلة منهم أبو الهذيل [ ص: 431 ] والشحام وثمامة ومعمر والأسواري والنظام والكرامية مجسمة خراسان مبسوط في محله .

والأمر الثاني: أن النفي في هذا الكلام ليس منصبا على إمكان وجود شيء غير الموجود إنما هو منصب على كونه أبدع من الموجود فالنفي هنا كون شيء مما يمكن وجوده أبدع مما وجد مع قطعه بصلاحية القدرة لإيجاده، فإذا فهمت الأمرين سهل عليك حل الكلام وسيأتي ما يتعلق به تسليما وردا .

(بل كل فقر وضرر في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة من الآخرة) قال صاحب القوت: اعلم أن الزهد لا ينقص من الرزق ولكنه يزيد في الصبر ويديم الجوع والفقر فيكون هذا رزقا للزاهد من الآخرة على هذه الصفة من حرمان نصيبه من الدنيا وحمايته عن التكثر منها والتوسع فيها، ويكون الزهد سببه فيكون ما صرف عنه ومنعه من الدنيا من الغنى والتوسع رزقه من الآخرة والدرجات العلى بحسن اختيار من الله تعالى وحيطة نظر، كما حدثونا عن بعض العلماء أن بقالا جاء إليه فقال: إني كنت أبيع في محلة لا بقال فيها غيري، فكنت أبيع الكثير ثم قد فتح علي بقال آخر فهل ينقص ذلك من رزقي شيئا؟ فقال: لا، ولكن يزيد في بطالتك عن البيع .

(وكل نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص) قد نقص حظه الأوفر منها (فهو نعيم بالإضافة إلى غيره) إذا كانت الدنيا ضدها (إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار) ولولا الكفر لما عرف قدر الإيمان (ولولا المرض لما تنعم الأصحاء بالصحة) ولولا المعصية لم يعرف قدر الطاعة (ولولا النار لما عرف أهل الجنة قدر النعمة) فهذا قد لوحظ فيه من حيث الحكمة التي يجب الإيمان بها فهذا بعض أسرار كونه أبدع .

(وكما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ليس بظلم بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل) والمراد بالكامل الإنسان ووصفه بذلك بالإضافة إلى البهائم فإنها ناقصة، ولما كان بقاء الإنسان يحتاج إلى غذاء يستمسك به قوته امتن الله عليه بخلق البهائم فكانت لحومها أغذية له يشير إلى ذلك قوله تعالى: ومن الأنعام حمولة وفرشا (فكذلك تفخيم النعم) أي: توفيرها وتكبيرها (على سكان الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النيران وفداء أهل الإيمان بأهل الكفران عين العدل) كما ورد في الخبر أنه يقال للمسلم هذا الكافر فداؤك من النار (وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل، ولولا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس، فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة) فإن درجات الإحياء ثلاثة: درجة الملائكة، ودرجة الإنس، ودرجة البهائم، فأما درجة البهائم فهي أسفل في نفس الحياة التي بها شرفها; لأن الحي هو الدراك الفعال وفي إدراك البهيمة نقص وفي فعلها نقص، وأما درجة الملائكة فهي أعلى الدرجات لقربها من حضرة القدس، وأما الإنسان فدرجته متوسطة بينهما، وكأنه مركب منهما والأغلب عليه في الأول البهيمية ثم يشرق عليه في الآخر نور العقل فيأخذ بذلك شبها بين الملائكة .

والمقصود بالكمال والنقص من الأمور المتضايفات (فمقتضى الجود و) سعة (الحكمة خلق الكامل والناقص جميعا) ولولا ذلك ما عرف أحدهما من الآخر فهذا بعض أسرار كونه أبدع (وكما أن قطع اليد إذا تآكلت) أي: أصابها مرض الأكلة ولا دواء لها إلا القطع (إبقاء على الروح) أي: على حياته (عدل; لأنه فداء كامل بناقص فكذلك الأمر في التفاوت) الواقع (الذي) هو (بين الخلق في القسمة في الدنيا والآخرة) من الغنى والفقر وحسن الصورة وقبحها والصحة والمرض والتوفيق والخذلان والإيمان والكفر والطاعة والمعصية (فكل ذلك عدل لا جور فيه وحق لا لعب فيه) .

ويشهد لأبدعية هذا التفاوت ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم واللالكائي في السنة وابن منده في كتاب الرد على الجهمية بسند صحيح عن أبي بن كعب في قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم الآية، قال: جمعهم فجعلهم أرواحا ثم صورهم فاستنطقهم، وآدم ينظر إليه فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: يا رب لولا سويت بين عبادك، قال: إني أحببت أن أشكر.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن منده في الرد على الجهمية من حديث أبي هريرة قال: إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره فخرت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم عرضها على آدم فإذا فيها الأجزم والأبرص والأعمى وأنواع السقام، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ فقال: كي تشكر نعمتي، فهذا نص من الله تعالى على الحكمة في خلق الناس متفاوتين في صفة الكمال والنقص حتى أنه [ ص: 432 ] جعل أنواع البلاء متفاوتة إرادة الشكر، فلا ترى ذا بلاء إلا وهو يرى من هو أشد بلاء منه، ولا ذا حال سيئ إلا وهو يرى من هو أسوأ حالا منه ولو من نوع آخر .

فترى مثلا الفقير الذي لا يجد قوته ويبيت الليالي طاويا يرى من هو دنف ملازم الوساد وهو كثير المال فيشكر الله تعالى على العافية، وذلك الدنف يرى ذلك الفقير وهو يتمنى القوت فلا يجده فيشكر أن رزقه الله الغنى مع سقمه ولم يجعله يتكفف الناس، وترى الملك ينظر إلى ما حوله من النعيم ونفوذ الأمر فيشكر الله أن جعله آمرا لا مأمورا ومالكا لا مملوكا، وترى آحاد الرعية ينظر إلى ما يقاسيه الملك من أنكاد الدنيا وهمومها وخروج الخوارج عليه وانتشار المفسدين والقطاع وخوفه على نفسه مما يغتاله أو يسلب منه ملكه أو يقصده بأنواع المكايد ثم ما يتبع ذلك من الحساب يوم القيامة على كل فرد من رعاياه، وهل قام فيهم بما أمره الله تعالى من العدل فيهم، وتخليص مظلومهم من ظالمهم، وإنفاذ أوامر الله فيهم، وإيصال حقوقهم إليهم، وعلى كل ذرة من مال قبضها أو صرفها هل أخذ كما أمر الله تعالى، وصرفها فيما أمر الله تعالى فيحمد الله ذلك المسكين أن لم يجعله ملكا .

فحينئذ لا ترى من الناس إلا شاكرا كل بحسب حاله، فانظر إلى هذه الحكمة البديعة في جعل الخلق مع تباين أحوالهم متفاوتين في الحال الواحد مقولين بالتشكيك لا بالتواطؤ فذوو الفقر متفاوتون ليرى كل دونه، وكذا ذوو البلاء إلى غير ذلك .

وإرادة الشكر من المقاصد المعتبرة بدليل ما في الخبر: ما أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه، ووجه آخر في خلق المكروهات وما فيها من الفوائد الدنيوية والأخروية وهي خمسة كما تقدم للمصنف في كتاب الشكر وأوصلها العز بن عبد السلام إلى سبعة عشر في تأليف مخصوص .

وقد قال: خيرة الله لعبده فيما يكره أكثر من خيرته له فيما يحب، وفي الخبر: عجبت للمؤمن، وقضاء الله له خير إن أصابه خير أو شر، وقال - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له: أوصني: اذهب أن لا تتهم الله على نفسك.

فهذا نوع من أنواع الموجودات تبين فيه وجه الإبداعية بالنسبة إلى ضده، فقس على ذلك سائر الأنواع، وقد يكون الشيء أبدع في وقت وخلافه أبدع في وقت آخر، ومن ثم يوجد الله الرخاء في وقت والغلاء في وقت آخر أو في مكان دون مكان، وكذا الحياة والموت والعسر واليسر والأمن والخوف والصحة والسقم وذلك لعلم الله بحكمته البالغة أن الأبدع في هذا الوقت إيجاد أحد الضدين إلى وقت كذا، فإذا جاء ذلك الوقت فالأبدع إيجاد ضده فيوجده على حسب حكمته .

ومن قدح في شيء من هذا فقد قدح في الحكمة وعارض حكمة الحكيم برأي من عنده زعم بجهله أنه أسد مما اقتضته الحكمة، ويرشح ذلك قصة المنسوخ من الشرائع والأحكام فإن الله تعالى عالم بحكمته البالغة أن الأبدع شرع هذا الحكم في هذا الوقت فشرعه إلى وقت كذا، فإذا جاء الوقت فالأبدع شرع خلافه فيشرعه .

وقد نص بعض أرباب البيان في تقدير وجه إعجاز القرآن على ما يشبه ذلك فقال: لا شك في أن الباري تعالى عالم بجميع أصناف الكلام فاختار لكتابه أفصحها وجها فأنزله عليه فلا يمكن أفصح منه، وكذلك نقول في الموجودات: علم الله في كل موجود جميع الوجوه الممكن إيجاده على أوجه كثيرة غير ذلك إلا أنها ليست بأبدع والأبدع الوجه الذي أوجده الله عليه، ونقول في خلق الإنسان: إنه يمكن بروزه على أوجه غير الصورة التي أبرزها الله عليها من جعل رأسه أسفله أو في ظهره مثلا أو كونه بعين واحدة أو كون يديه أو عينيه خلف أو كون فمه في رأسه أو بطنه أو غير ذلك من الوجوه الممكنة التي لا نشك في صلاحية القدرة لها لكنها ليست بأبدع، والأبدع هذه الصورة الموجودة لما فيها من المحاسن والحكم وشاهده قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وهذا نص قاطع في أن الصورة التي خلق عليها الإنسان لا أبدع منها.

وكذلك نقول في سائر الحيوانات أنها موجودة على الصورة التي لا أبدع منها مع صلاحية القدرة لإيجادها على صور شتى لكن ما وجدت عليه أبدع وشاهده قوله تعالى: الذي أحسن كل شيء خلقه قال ابن عباس: أحسن كل شيء خلقه فجعل الكلب في خلقه حسنا، رواه ابن أبي حاتم، وقال أيضا: خلق الله لكل شيء ما يشاكله من خلقه وما يصلحه من رزقه فخلق البعير خلقا لا يصلح شيء من خلقه على غيره من الدواب، وكذلك كل شيء من خلقه، وخلق لدواب البر وطيرها من الرزق ما يصلحها في البر، وخلق لدواب البحر وطيرها من الرزق ما يصلحها في البحر، فذلك قوله تعالى: إنا كل شيء خلقناه بقدر رواه الطبراني في المعجم الكبير [ ص: 433 ] (وهذا الآن بحر زاخر عظيم واسع الأطراف مضطرب الأمواج قريب السعة من بحر التوحيد فيه غرق طوائف من القاصرين) إذ توغلوا فيه ولم يكونوا أقوياء في علوم المكاشفة فاضطربت عليهم أمواج القدرة فاندهشت عقولهم وفغرت تماسيح العزة فاها فاصطكت أفهامهم (ولم يعلموا) قبل دخولهم (أن ذلك غامض) خفي المدرك (لا يعقله إلا العالمون) بالله وبأفعال الله المكاشفون بأنوار الله (ووراء هذا البحر) العظيم المتلاطم (سر القدر الذي تحير فيه الأكثرون) واندهش فيه المخلصون (ومنع إفشاء سره المكاشفون) .

روى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما بعث الله موسى وأنزل عليه التوراة قال: اللهم إنك رب عظيم ولو شئت أن تطاع لأطعت ولو شئت أن لا تعصى لما عصيت وأنت تحب أن تطاع فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، ثم سأل عزير مثل ذلك فأجابه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون فأبت نفسه حتى سأل ثلاثا فقال الله تعالى: أتستطيع أن تصر صرة من الشمس؟ قال: لا، قال: أتستطيع أن تجيء بمكيال من ريح؟ قال: لا، قال: أتستطيع أن تجيء بمثقال من نور؟ قال: لا، قال: فهكذا لا تقدر على ذلك الذي سألت عنه، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون .

ثم سأل عيسى فأجابه كذلك، فجمع عيسى من تبعه فقال: القدر سر الله فلا تكلفوه. وروى أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر: القدر سر الله فلا تفشوا لله - عز وجل - سره، وقد تقدم .

ونقل المصنف في مقدمة التهافت: وإنما منع عن ذكر سر القدر يعني وهو القدرة من شأنها أن تتعلق بالمحال; لأنه يوهم عند العوام عجزا، قال: فالصواب أن يلقى إليهم أن الأول قادر على كل شيء ليوجب ذلك تعظيما في صدورهم، فلو فصل وفسرت الأمور إلى ممكنه وغير ممكنه لظنوا أن ذلك عجز، قال: فهذا سر القدر على ما قيل .




الخدمات العلمية