الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان منامات المشايخ رحمة الله عليهم أجمعين .

قال بعض المشايخ : رأيت متمما الدورقي في المنام ، فقلت : يا سيدي ، ما فعل الله بك ؟ فقال : دير بي في الجنان ، فقيل لي : يا متمم ، هل استحسنت فيها شيئا ؟ قلت : لا يا سيدي ، فقال : لو استحسنت منها شيئا لوكلتك إليه ولم أوصلك إلي ورئي يوسف بن الحسين في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، قيل : بماذا ؟ قال : ما خلطت جدا بهزل وعن منصور بن إسماعيل قال : رأيت عبد الله بن البزار في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك قال ؟ : أوقفني بين يديه فغفر لي كل ذنب أقررت به إلا ذنبا واحدا فإني استحييت أن أقر به فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي فقلت ما كان ذلك الذنب ؟ قال : نظرت إلى غلام جميل فاستحسنته ؛ فاستحييت من الله أن أذكره وقال أبو جعفر الصيدلاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وحوله جماعة من الفقراء فبينما نحن كذلك إذ انشقت السماء فنزل ملكان أحدهما بيده طشت وبيد الآخر إبريق ، فوضع الطشت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يده ثم أمر حتى غسلوا ثم وضع الطشت بين يدي ، فقال أحدهما للآخر : لا تصب على يده فإنه ليس منهم ، فقلت : يا رسول الله ، أليس قد روي عنك أنك قلت : المرء مع من أحب ؟! قال : بلى قلت : : يا رسول الله ، فإني أحبك وأحب هؤلاء الفقراء ، فقال صلى الله عليه وسلم : صب على يده فإنه منهم وقال الجنيد رأيت في المنام كأني أتكلم على الناس فوقف علي ملك فقال أقرب ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى ماذا ؟ فقلت عمل خفي بميزان وفي فولى الملك وهو يقول : كلام موفق والله ورئي مجمع في النوم ، فقيل له : كيف رأيت الأمر فقال ؟ : رأيت الزاهدين في الدنيا ذهبوا بخير الدنيا والآخرة وقال رجل من أهل الشام للعلاء بن زياد رأيتك في النوم كأنك في الجنة فنزل عن مجلسه وأقبل عليه ، ثم قال : لعل الشيطان أراد أمرا فعصمت منه فأشخص رجلا يقتلني وقال محمد بن واسع الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره وقال صالح بن بشير رأيت عطاء السلمي في النوم فقلت له : رحمك الله ، لقد كنت طويل الحزن في الدنيا قال أما والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما ، فقلت : في أي الدرجات أنت ؟ فقال : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الآية، وسأل زرارة بن أبي أوفى في المنام : أي الأعمال أفضل عندكم ؟ فقال : الرضا وقصر الأمل وقال يزيد بن مذعور : رأيت الأوزاعي في المنام فقلت : يا أبا عمرو دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى ، قال : ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ، ثم درجة المحزونين قال وكان يزيد شيخا كبيرا فلم يزل يبكي حتى أظلمت عيناه وقال ابن عيينة رأيت أخي في المنام ، فقلت : يا أخي ، ما فعل الله بك ؟ فقال : كل ذنب استغفرت منه غفر لي وما لم أستغفر منه لم يغفر لي وقال علي الطلحي رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقلت : من أنت ؟ فقالت : حوراء فقلت : زوجيني نفسك ، قالت : اخطبني إلى سيدي وأمهرني ، قلت : وما مهرك ؟ قالت : حبس نفسك عن آفاتها وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي رأيت زبيدة في المنام ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قالت : غفر لي ، فقلت لها : بما أنفقت في طريق مكة قالت : أما النفقات التي أنفقتها رجعت أجورها إلى أربابها وغفر لي بنيتي ولما مات سفيان الثوري رئي في المنام ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : وضعت أول قدمي على الصراط ، والثاني في الجنة وقال أحمد بن أبي الحواري رأيت فيما يرى النائم جارية ما رأيت أحسن منها وكان يتلألأ وجهها نورا ، فقلت لها مم ذا : ضوء وجهك ؟ قالت : تذكر تلك الليلة التي بكيت فيها ؟ قلت : نعم ، قالت : أخذت دمعك فمسحت به وجهي فمن ثم ضوء وجهي كما ترى وقال الكتاني رأيت الجنيد في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك قال ؟ : طاحت تلك الإشارات وذهبت تلك العبارات وما حصلنا إلا على ركعتين كنا نصليهما في الليل ورئيت زبيدة في المنام فقيل لها : ما فعل الله بك ؟ قالت : غفر لي بهذه الكلمات الأربع : لا إله إلا الله أفني بها عمري ، لا إله إلا الله أدخل بها قبري ، لا إله إلا الله أخلو بها وحدي ، لا إله إلا الله ألقى بها ربي .

ورئي بشر في المنام ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : رحمني ربي عز وجل وقال يا بشر ، أما استحييت مني كنت تخافني كل ذلك الخوف .

ورئي أبو سليمان في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : رحمني ، وما كان شيء أضر علي من إشارات القوم إلي وقال أبو بكر الكتاني: رأيت في النوم شابا لم أر أحسن منه فقلت له من أنت ؟ قال : التقوى ، قلت فأين تسكن ؟ قال : كل قلب حزين ، ثم التفت ، فإذا امرأة سوداء ، فقلت من أنت ؟ قالت : أنا السقم ، قلت فأين تسكنين ؟ قالت كل قلب فرح مرح قال : فانتبهت وتعاهدت أن لا أضحك إلا غلبة، وقال أبو سعيد الخراز :رأيت في المنام كأن إبليس وثب علي فأخذت العصا لأضربه فلم يفزع منها ، فهتف بي هاتف إن هذا لا يخاف من هذه وإنما يخاف من نور يكون في القلب وقال المسوحي رأيت إبليس في النوم يمشي عريانا ، فقلت : ألا تستحي من الناس ؟ فقال : بالله هؤلاء ناس ؟ لو كانوا من الناس ما كنت ألعب بهم طرفي النهار كما يتلاعب الصبيان بالكرة ، بل الناس قوم غير هؤلاء ، قد أسقموا جسمي وأشار بيده إلى أصحابنا الصوفية . وقال أبو سعيد الخراز كنت في دمشق فرأيت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءني متكئا على أبي بكر وعمر : رضي الله عنهما فجاء فوقف علي وأنا أقول شيئا من الأصوات وأدق في صدري فقال : شر هذا أكثر من خيره وعن ابن عيينة قال : رأيت سفيان الثوري في النوم كأنه في الجنة يطير من شجرة إلى شجرة يقول : لمثل هذا فليعمل العاملون فقلت له : أوصني ، قال: أقلل : من معرفة الناس وروى أبو حاتم الرازي عن قبيصة بن عقبة قال : رأيت سفيان الثوري فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال .

:

نظرت إلى ربي كفاحا فقال لي هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد     فقد كنت قواما إذا أظلم الدجى
بعبرة مشتاق وقلب عميد     فدونك فاختر أي قصر أردته
وزرني فإني منك غير بعيد

ورئي الشبلي بعد موته بثلاثة أيام فقيل له ما فعل الله بك ؟ قال : ناقشني حتى أيست فلما رأى يأسي تغمدني برحمته .

ورئي مجنون بني عامر بعد موته في المنام فقيل له : ما فعل الله بك قال ؟ : غفر لي وجعلني حجة على المحبين ورئي الثوري في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : رحمني ، فقيل له : ما حال عبد الله بن المبارك ؟ فقال : هو ممن يلج على ربه في كل يوم مرتين ورئي بعضهم فسئل عن حاله فقال : حاسبونا فدققوا ، ثم منوا فأعتقوا ورئي مالك بن أنس فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان رضي الله عنه عند رؤية الجنازة ، سبحان الحي الذي لا يموت ورئي في الليلة التي مات فيها الحسن البصري كأن أبواب السماء مفتحة ، وكأن مناديا ينادي : ألا إن الحسن البصري قدم على الله وهو عنه راض ورئي الجاحظ فقيل له : ما فعل الله بك فقال .

؟ :

ولا تكتب بخطك غير شيء     يسرك في القيامة أن تراه

ورأى الجنيد إبليس في المنام عريانا فقال : ألا تستحي من الناس فقال : وهؤلاء ناس الناس أقوام في مسجد الشونيزية قد أضنوا جسدي وأحرقوا كبدي قال الجنيد : فلما انتبهت غدوت إلى المسجد فرأيت جماعة قد وضعوا رءوسهم على ركبهم يتفكرون فلما رأوني قالوا لا يغرنك حديث الخبيث ورئي النصرآباذي بمكة بعد وفاته في النوم فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : عوتبت عتاب الأشراف ثم نوديت يا أبا القاسم أبعد الاتصال انفصال ؟! فقلت : لا يا ذا الجلال فما وضعت في اللحد حتى لحقت بربي ورأى عتبة الغلام حوراء في المنام على صورة حسنة ، فقالت : يا عتبة ، أنا لك عاشقة فانظر لا تعمل من الأعمال شيئا فيحال بيني وبينك ، فقال عتبة طلقت الدنيا ثلاثا لا رجعة لي عليها حتى ألقاك وقيل رئي : أيوب السختياني جنازة عاص فدخل الدهليز كيلا يصلي عليها فرأى الميت بعضهم في المنام ، فقيل له : ما فعل الله بك قال ؟ : غفر لي ، وقال قل لأيوب قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق : وقال بعضهم : رأيت في الليلة التي مات فيها داود الطائي نورا وملائكة نزولا وملائكة صعودا فقلت : أي ليلة هذه ؟ فقالوا : ليلة مات فيها داود الطائي وقد زخرفت الجنة لقدوم روحه .

وقال أبو سعيد الشحام رأيت سهلا الصعلوكي في المنام فقلت أيها الشيخ ، قال : دع التشييخ قلت تلك الأحوال التي شاهدتها فقال لم تغن عنا فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بمسائل كان يسأل عنها العجز .

التالي السابق


* (بيان منامات المشايخ -رحمة الله عليهم- أجمعين)

(قال بعض المشايخ: رأيت متمما الدورقي في المنام، فقلت له: يا سيدي، ما فعل الله بك؟ فقال: دير بي في الجنان، فقيل لي: يا متمم، هل استحسنت فيها شيئا؟ قلت: لا يا سيدي، فقال: لو استحسنت منها شيئا لوكلتك إليه ولم أوصلك إلي) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات .

(ورئي يوسف بن الحسين) أبو يعقوب الرازي شيخ الري والجبال في وقته، وكان نسيجا وحده في إسقاط التصنع، صحب ذا النون وأبا تراب، ووافق أبا سعيد الخراز، توفي سنة أربع وثلاثمائة (فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال:) لأني (ما خلطت جدا بهزل) نقله القشيري في الرسالة وفيه إشارة إلى [ ص: 433 ] كمال ورعه وأن أكثر أحواله جد، وإن مزح فمزحه حق، وقال ابن الملقن في الطبقات: رئي يوسف بن الحسين في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال: يا عبد السوء، فعلت وصنعت، قلت: يا سيدي لم أبلغ عنك هذا، بلغت أنك كريم، والكريم إذا قدر عفا، فقال: تملقت لي بقولك هبني لمن شئت من خلقك، اذهب فقد وهبتك لك.

وروى ابن عساكر في التاريخ عن أبي خلف الوزان قال: رئي يوسف بن الحسين الرازي الصوفي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، قيل: بماذا؟ قال: بكلمات قلتها عند الموت، قلت: اللهم نصحت الناس قولا وخنت نفسي فعلا، فهب خيانة فعلي لنصيحة قولي.

(وعن منصور بن إسماعيل) المغربي هو شيخ القشيري (قال: رأيت عبد الله البراد) كذا في نسخة، وفي أخرى: البزاز، والصواب: أبا عبد الله الزراد، كما هو نص الرسالة (في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه فغفر لي كل ذنب أقررت به إلا ذنبا واحدا فإني استحييت أن أقر به فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي) ثم غفر لي (فقلت) له (ما كان ذلك الذنب؟) أي: ما سببه؟ (قال: نظرت إلى غلام جميل فاستحسنته؛ فاستحييت من الله تعالى أن أذكره) رواه القشيري في الرسالة بلفظ: ورئي أبو عبد الله الزراد في المنام، فقيل له: والباقي سواء، وفيه أن الاستحياء من ذكر الذنب يوم القيامة لا يفيد؛ لأن ذلك اليوم ليس يوم عمل وإنما هو يوم جزاء (وقال أبو جعفر الصيدلاني ) رحمه الله تعالى (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم وحوله جماعة من الفقراء فبينما نحن كذلك) وفي بعض نسخ الرسالة: فبينما هو كذلك، وفي أخرى: فبينما هم كذلك (إذا انشقت السماء فنزل ملكان أحدهما بيده طست وبيد الآخر إبريق، فوضع الطست بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسل يده) الكريمة من الإبريق (ثم أمر) الملكين بمثل ذلك مع الجماعة وأمر بمثل ما فعله هو (حتى غسلوا) أيديهم (ثم وضع الطست بين يدي، فقال أحدهما للآخر: لا تصب عليه فإنه ليس منهم، فقلت: يا رسول الله، أليس قد روي عنك أنك قلت: المرء مع من أحب؟!) ورواه الشيخان من وجوه، وقد تقدم (قال: بلى، قال: يا رسول الله، فإني أحبك وأحب هؤلاء الفقراء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: صب على يده فإنه منهم) حكما. رواه القشيري في الرسالة بلفظ: وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت.. فذكره .

(وقال) أبو القاسم (الجنيد) قدس سره (رأيت) في المنام (كأني أتكلم على الناس) أي: أوعظهم (فوقف علي ملك) في صورة آدمي (فقال) لي (أقرب) أي: أفضل (ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى ماذا؟ فقلت) له: (عمل خفي) أي: مستور عن الأغيار (بميزان وفي) أي: بوقوعه على وجهه شرعا، ففي الخبر أن عمل السر يزيد عن العلانية بسبعين ضعفا لكونه بين العبد وربه، قال الجنيد: (فولى الملك وهو يقول: كلام موفق والله) رواه القشيري في الرسالة (ورئي مجمع) كمحدث، ابن صمعان التيمي الورع السبخي من رجال الحلية (في النوم، فقيل له: كيف رأيت الأمر؟ قال: رأيت الزاهدين في الدنيا ذهبوا بخير الدنيا والآخرة) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات (وقال رجل من أهل الشام للعلاء ابن زياد) بن مطر العدوي البصري أبي نصر، أحد العباد، ثقة، روى له النسائي وابن ماجه (رأيتك في النوم كأنك في الجنة فنزل عن مجلسه وأقبل عليه، ثم قال له: لعل الشيطان أراد) مني (أمرا) أعصي الله به (فعصمت منه فأشخص) أي: أرسل إليه (رجلا) وهو أن (يقتلني) هكذا في النسخ، ولفظ الرسالة: وقال رجل للعلاء بن زياد: رأيت في النوم كأنك في الجنة، فقال: ويحك، أما وجد الشيطان أحدا سخرية غيري وغيرك، وأما حديث رجل من أهل الشام، فقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن زياد العدوي عن هذا الحديث [ ص: 434 ] فحدثنا به يومئذ، قال: تجهز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فأتاه آت في منامه، فقال له: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي فأت بها العلاء بن زياد، فإنه رجل ربعة أفصم الثنية بسام، فبشره بالجنة، قال: فقال: رؤيا ليست بشيء حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا تأتي العراق؟ فذكر مثل ذلك، حتى إذا كانت الليلة الثالثة جاءه بوعيد، فقال: ألا تأتي العراق؟ فقال مثل ذلك، قال: فأصبح فأعد جهازه إلى العراق، فلما خرج من البيوت إذا الذي آتاه في منامه يسير بين يديه ما سار، فإذا نزل فقده، فلم يزل يراه حتى دخل الكوفة ففقده، قال: فتجهز من الكوفة فخرج، فرآه يسير بين يديه حتى قدم البصرة، فأتى بني عدي، فدخل دار العلاء بن زياد، فوقف الرجل على باب العلاء؛ فسلم، فقال هشام : فخرجت إليه فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ فقلت: لا، وقلت: انزل رحمك الله، فتضع رحلك وتضع متاعك، قال: لا، أين العلاء؟ قال: قلت: هو في المسجد، قال: وكان العلاء يجلس في المسجد يدعو بدعوات ويتحدث، قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين، ثم جاء، فلما رآه العلاء تبسم فبدت ثنيته، فقال: هذا والله صاحبي، قال: فقال العلاء: هلا حططت رحل الرجل؟ ألا أنزلته؟ قال: قلت له فأبى، قال: فقال العلاء: انزل رحمك الله، قال: فقال: أخلني، قال: فدخل العلاء منزله وقال: يا أسماء تحولي إلى البيت الآخر، ودخل الرجل فبشره بالرؤيا، ثم خرج فركب، فقام العلاء فأغلق بابه فبكى ثلاثة أيام أو قال: سبعة، لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا ولا يفتح بابه، قال هشام: سمعته يقول في حال بكائه: أنا أنا، قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه، وخشيت أن يموت، فأتيت الحسن، فذكرت ذلك له، قلت: لا أراه إلا ميتا لا يأكل ولا يشرب، قال: فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابه، وقال: افتح يا أخي، فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه وبه من الضر شيء الله به عليم، وكلمه الحسن، ثم قال: يرحمك الله ومن أهل الجنة إن شاء الله أتقاتل نفسك أنت؟ قال هشام: حدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا، وقال: لا تحدثوا بها ما كنت حيا .

(وقال محمد بن واسع) البصري العابد رحمه الله تعالى (الرؤيا تسر المؤمن) أي: تبشره بالسرور (ولا تغره) أي: لا توقعه في الغرور. رواه أبو نعيم في الحلية (وقال) أبو بشر (صالح بن بشر) بن وادع المري القاص، روى له الترمذي، رأيت عطاء السلمي البصري العابد (في النوم) وكان شديد الود له (فقلت له: رحمك الله، لقد كنت طويل الحزن في الدنيا) أي: على التقصير في حق الله تعالى، فما فعل الله بك؟ (أما والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما، فقلت: في أي الدرجات أنت؟ فقال: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الآية) رواه القشيري في الرسالة بلفظ، وقيل: رئي عطاء السلمي في المنام، فقيل له فساقه .

(وسأل) أبو حاجب (زرارة ابن أوفى) العامري الحرشي البصري، ثقة عابد، مات فجأة في الصلاة، روى له الجماعة (في المنام: أي الأعمال أفضل عندكم؟ فقال: الرضا) بالله وعن الله (وقصر الأمل) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات (وقال يزيد بن مزعور : رأيت) أبا عمرو عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) رحمه الله (في المنام فقلت: يا أبا عمرو دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى، قال: ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء، ثم درجة المحزونين قال) الراوي: (وكان يزيد شيخا كبيرا فلم يزل يبكي حتى أظلمت عيناه) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وابن عساكر في التاريخ، وهو في الرسالة للقشيري مختصرا بلفظ: ورئي الأوزاعي في المنام، فقال: ما رأيت هنا درجة أرفع من درجة العلماء، ثم درجة المحزونين (وقال) سفيان (بن عيينة) رحمه الله تعالى: (رأيت أخي) محمدا وهو صدوق له أوهام مات قبل أخيه (في المنام، فقلت: يا أخي، ما فعل الله بك؟ فقال: كل ذنب استغفرت منه غفر لي وما لم أستغفر منه لم يغفر لي) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات .

(وقال علي الطلحي ) منسوب إلى جده طلحة (رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقلت: من أنت؟ فقالت: حوراء، قلت: زوجيني نفسك، قالت: اخطبني إلى سيدي وأمهرني، قلت: وما مهرك؟ قالت: حبس نفسك عن آفاتها) رواه ابن أبي الدنيا في الكتاب المذكور .

(وقال إبراهيم ابن إسحاق الحربي) منسوب إلى الحربية إحدى محال بغداد، إمام فاضل له تصانيف منها غريب الحديث وغيره، ولد سنة 198 وتوفي سنة 582 (رأيت) أم جعفر (زبيدة) بنت أبي الفضل جعفر الأكبر بن المنصور العباسية، وهي زوج هارون الرشيد، بنى بها في سنة 165 في قصر العباسية (في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ [ ص: 435 ] قالت: غفر لي، فقلت لها: بما أنفقت في طريق مكة) من أبنية وسبل فيها مرافق للحاج وأجرت عينا من عرفات إلى مكة وصرفت على كل ذلك أموالا هائلة .

(قالت: أما النفقات التي أنفقتها رجعت أجورا إلى أربابها) إذا الأموال السلطانية الغالب عليها أنها لم تؤخذ بوجه شرعي وأنها باقية على ملك أربابها (ولكن غفر لي بنيتها) يعني: بقصدها للناس الخير، وفيه إشارة إلى أن الموال إذا أخذت من غير وجهها وتاب آخذها ولم يعرف أربابها ليردها إليهم وتصرف في وجوه البر ويكون أجرها لأربابها وللصارف أجر طاعته ونيته، وذلك بعد توبته وصدق نيته. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات وأورده القشيري في الرسالة بلفظ، وقيل: رأيت زبيدة، فقيل لها: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي، فقيل: بكثرة نفقتك في طريق مكة، فقالت: لا، أما إن أجرها عاد إلى أربابها ولكن غفر لي بنيتي (ولما مات سفيان الثوري ) رحمه الله (رئي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: وضعت أول قدمي على الصراط، والثاني في الجنة) أورده القشيري في الرسالة، وهذا من التسهيل في جواز الصراط (وقال) أبو الحسن (أحمد بن أبي الحواري) بفتح المهملة والواو الخفيفة وكسر الراء، عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث التغلبي الدمشقي، ثقة زاهد، مات سنة أربعين. كذا في التهذيب؛ أي: بعد مائتين، وعند السلمي والقشيري ثلاثين ومائتين، والصواب: سنة أربعين كما نبه عليه ابن عساكر عن اثنتين وثمانين سنة .

وروى له أبو داود وابن ماجه (رأيت فيما يرى النائم جارية) من الحور العين (ما رأيت أحسن منها وكان يتلألأ وجهها نورا، فقلت لها: مم ذا ضوء وجهك؟ قالت: تذكر تلك الليلة التي بكيت فيها؟ قلت: نعم، قالت: أخذت دمعك) أي: شيئا منه (فمسحت به وجهي فمن ثم ضوء وجهي كما ترى) أورده القشيري في الرسالة، وفيه: فقلت: ما أنور وجهك! وفيه: فقلت: حملت إلي دمعتك فمسحت بها وجهي، فصار وجهي هكذا .

(وقال) أبو بكر محمد بن علي بن جعفر (الكتاني) قدس سره (رأيت) أبا القاسم (الجنيد) قدس سره (في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: طاحت تلك الإشارات وذهبت تلك العبارات وما حصلنا إلا على ركعتين كنا نصليهما في الليل) ولفظ الرسالة: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: رأى الجريري الجنيد في المنام، فقال له: كيف حالك يا أبا القاسم؟ فقال: طاحت تلك الإشارات وبادت تلك العبارات وما نفعها إلا تسبيحات كنا نقولها بالغدوات .

(ورئيت) أم جعفر (زبيدة) بنت جعفر، رحمها الله تعالى (في المنام فقيل لها: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي بهذه الكلمات الأربع: لا إله إلا الله أفني بها عمري، لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله ألقى بها ربي .

ورئي بشر الحافي) رحمه الله (في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني ربي -عز وجل- وقال) قبل أن يرحمني على وجه العتاب اللطيف: (يا بشر، أما استحييت مني) حيث (كنت تخافني كل ذلك الخوف) الذي يخشى منه أن يكون قنوطا. رواه القشيري في الرسالة بلفظ: غفر لي بدل رحمني، ورواه ابن عساكر في التاريخ من طريق خشنام من أخت بشر الحافي، قال: رأيت خالي في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. وجعل يذكر ما فعل به من الكرامة، فقلت: ما قال لك شيئا؟ قال لي: نعم؛ قال لي: يا بشر ما استحييت مني؟ تخاف ذلك الخوف كله على نفس هي لي .

(ورئي) الإمام (أبو سليمان) الداراني رحمه الله (في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني، وما كان شيء أضر علي من إشارات القوم إلي) رواه القشيري في الرسالة ولم يذكر إلي .

(وقال أبو بكر) ويقال: أبو عبد الله محمد بن علي بن جعفر (الكتاني) رحمه الله تعالى: رأيت في النوم شابا لم أر أحسن منه، فقلت له: (من أنت؟ قال:) أنا (التقوى، قلت) له (فأين تسكن؟ قال: في كل قلب حزين، ثم التفت، فإذا امرأة سوداء، فقلت) لها (من أنت؟ قالت: أنا السقم، قلت) لها (فأين تسكنين؟ قالت) في (كل قلب فرح) أي: مسرور (مرح) أي: شديد الفرح لدلالتها على كمال الغفلة وتمكن القسوة، قال الله تعالى: إن الله لا يحب الفرحين والمراد بالفرح بالدنيا، أما الفرح بنعم الله تعالى وبما يراد منه من اللطف والبر فمحمود، قال الله تعالى: فرحين بما آتاهم الله من فضله (قال: فانتبهت واعتقدت) أي: عزمت [ ص: 436 ] على (أن لا أضحك إلا غلبة) رواه القشيري في الرسالة، إلا أنه قال: أنا الضحك، بدل السقم .

(وقال أبو سعيد) أحمد بن عيسى (الخراز) رحمه الله تعالى (رأيت في المنام كأن إبليس وثب علي فأخذت العصا لأضربه فلم يفزع منها، فهتف لي هاتف أن هذا لا يخاف من هذه وإنما يخاف من نور يكون في القلب) نقله القشيري في الرسالة، والمراد بالنور كمال معرفة الله .

(وقال المسوحي) هو أبو علي أحمد بن أيوب من كبار المشايخ، صحب السري، وسمع ذا النون، وعنه جعفر الخلدي (رأيت إبليس في النوم) وهو (يمشي عريانا، فقلت: ألا تستحي من الناس؟ فقال: بالله هؤلاء ناس؟ لو كانوا من الناس ما كنت ألعب بهم طرفي النهار كما يتلاعب الصبيان بالكرة، بل الناس قوم غير هؤلاء، قد أسقموا جسمي وأشار بيده إلى أصحابنا الصوفية .

وقال أبو سعيد) أحمد بن عيسى (الخراز) رحمه الله تعالى (كنت في دمشق ) المدينة المعروفة (فرأيت في المنام كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءني متكئا على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فجاء ووقف علي وأنا أقول شيئا من الأصوات) أي: من الأنغام المعروفة (وأدق في صدري) كهيئة الواجد (فقال: شر هذا أكثر من خيره) ، وقد تقدم في كتاب السماع والوجد .

(وعن) سفيان (بن عيينة) رحمه الله تعالى (قال: رأيت سفيان الثوري في النوم كأنه في الجنة يطير من شجرة إلى شجرة ويقول: لمثل هذا فليعمل العاملون فقلت: أوصني، قال: أقل من معرفة الناس) رواه ابن عساكر في التاريخ بزيادة: قلت: زدني قال: سترد فتعلم، وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أحمد الغطريفي، حدثنا محمد بن موسى، حدثنا محمد بن ميمون، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: قال لي بشر بن منصور الزاهد: يا أبا سفيان، أقلل من معرفة الناس لعله أن يكون في القيامة، هذا أقل لفضيحتك إذا نودي عليك بسوء عملك .

(وروى أبو حاتم) محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي (الرازي) منسوب إلى الري، مدينة من بلاد الديلم مشهورة، أحد الحفاظ، مات سنة سبع وسبعين، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه في كتاب التفسير له (عن) أبي عامر (قبيصة بن عقبة) بن محمد بن سفيان السوائي الكوفي، صدوق مات سنة خمس عشرة، روى له الجماعة (قال: رأيت سفيان الثوري ) في النوم (فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال:


نظرت إلى ربي شفاها فقال لي هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد فقد كنت قواما إذا أظلم الدجا
بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر أردته
وزرني فإني منك غير بعيد )

رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحسن بن أحمد بن الميموني، قال: سمعت أبا موسى هارون بن موسى بن حيان قال: سمعت أباك الحسن بن أحمد بن ميمون يقول: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: سمعت قبيصة يقول: رأيت سفيان في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: وساق الأبيات، إلا أنه قال: كفاحا، بدل: شفاها، وأقبل بدل أظلم.

(ورئي أبو بكر الشبلي ) رحمه الله (بعد موته بثلاثة أيام) في المنام (فقيل له ما فعل الله بك؟ قال: ناقشني) في الحساب (حتى أيست) من نفسي (فلما رأى يأسي تغمدني) أي: غمرني (برحمته) وفضله رواه القشيري في الرسالة ولم يقل بعد موته بثلاثة أيام .

(ورئي مجنون بني عامر) قيس بن الملوح (بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وجعلني حجة على المحبين) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات .

(ورئي) سفيان (الثوري في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني، فقيل له: ما حال عبد الله بن المبارك؟ فقال: هو ممن يلج على ربه كل يوم مرتين) رواه القشيري في الرسالة .

(ورئي بعضهم) في المنام (فسئل عن حاله فقال: حاسبونا فدققوا، ثم منوا فأعتقوا) رواه القشيري في الرسالة

(ورئي مالك بن أنس ) الإمام رحمه الله تعالى، في النوم [ ص: 437 ] (فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عند رؤية الجنازة، سبحان الحي الذي لا يموت) هكذا هو في الرسالة مالك بن أنس .

وقال صاحب كتاب المتفجعين: حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا عبد الأعلى بن حماد عن رجل رأى مالك بن دينار في نومه، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: بأي شيء؟ قال: بكلمة بلغني أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان يقولها إذا رأى الجنازة، لا إله إلا الله الحي الذي لا يموت

(ورئي في الليلة التي مات فيه الحسن البصري) رحمه الله (كأن أبواب السماء مفتحة، وكأن مناديا ينادي: ألا إن الحسن البصري قدم على الله وهو عنه راض) نقله القشيري في الرسالة .

(ورئي) عمر بن بحر أبو عثمان البصري (الجاحظ) لقب به لأنه كانت عيناه جاحظتين، روى عن يزيد بن هارون وأبي يوسف القاضي وعنه يموت ابن المزارع، وإليه تنسب الجاحظية من المعتزلة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين. قال الذهبي في الديوان: قال ثعلب: الجاحظ ليس بثقة ولا مأمون (فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال:


ولا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه )

نقله القشيري في الرسالة .

(ورأى) أبو القاسم (الجنيد) قدس سره (إبليس في المنام) وهو (عريان) على عادته من التظاهر بكشف عورته عند أهل الشر ليحسن لهم ذلك ويتعودوا به (فقال له: ألا تستحي من الناس) تكشف عورتك؟ (فقال: وهؤلاء ناس) أي: ليسوا بناس يستحى منهم، إنما (الناس) الذين يستحى منهم (أقوام في منزل الشونيزية) أحد مساجد بغداد، في نسخة: الشونيزي (قد أضنوا جسدي وأحرقوا كبدي) بكثرة مراقبتهم وتوجههم إلى الله تعالى (قال الجنيد: فلما انتبهت غدوت إلى المسجد) المذكور (فرأيت جماعة) استقبلوا القبلة (قد وضعوا رءوسهم على ركبهم يتفكرون) في آلاء الله ويذكرون الله (فلما رأوني قالوا) لي مكاشفة بما رأيته في النوم: (لا يغرنك حديث الخبيث) يعني إبليس؛ فإن كل ما يقوله شر لا خير فيه، هكذا نقله القشيري في الرسالة، ولفظ ابن الملقن في الطبقات: قال الجنيد: رأيت إبليس في المنام كأنه عريان، فقلت له: أما تستحي من الناس؟ فقال: بالله هؤلاء عندك من الناس؟ لو كانوا منهم لما تلاعبت بهم كما تتلاعب الصبيان بالكرة، ولكن الناس غير هؤلاء، فقلت: ومن هم؟ قال: قوم في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي وأنحلوا جسمي، كلما هممت بهم أشاروا بالله فأكاد أحرق، فانتبهت فلبست ثيابي وأتيت مسجد الشونيزي وعلى ليل، فلما دخلت المسجد إذا أنا بثلاثة أنفس جلوس، رءوسهم في مرقعاتهم، فلما أحسوا بي قد دخلت أخرج أحدهم رأسه، وقال: يا أبا القاسم أنت كما قيل لك شيء تقبل.

(ورئي) أبو القاسم إبراهيم بن محمد (النصرآباذي) شيخ خراسان في وقته صحب الشبلي وأبا علي الروذباري والمرتعش، جاور بمكة سنة ست وستين، ومات فيها سنة سبع وستين وثلاثمائة، وكان عالما بالحديث كثير الرواية (بمكة بعد وفاته في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: عوتبت عتاب الأشراف) أي: عتابا يسيرا (ثم نوديت يا أبا القاسم) نودي بكنيته زيادة في تكرمته (أبعد الاتصال انفصال؟!) أي: يليق بعد أن أوصلناك أن تلتفت لغيرنا؟ هكذا قاله شارح الرسالة، والأنسب للسياق: أيليق بعد أن أوصلناك أن نقطعك عنا؟! (فقلت: لا يا ذا الجلال) أي: لا يليق بكرمك (فما وضعت في اللحد حتى لحقت بربي) رواه القشيري في الرسالة، إلا أنه قال: حتى لحقت بالأحد أي: صرت عند الله في منزلة رفيعة من التقريب والإكرام، وهذا من تتمة جواب: ما فعل الله بك؟ ولهم في الاتصال والانفصال اختلاف، وقد فرقوا بين الوصول والاتصال بما هو مذكور في آخر العوارف .

(ورأى عتبة) بن أبان (الغلام) رحمه الله تعالى (حوراء في المنام على صورة حسنة، فقالت: يا عتبة، أنا لك عاشقة فانظر) أن (لا تعمل من الأعمال شيئا يحال) به (بيني وبينك، فقال) لها (عتبة) ليطمئن قلبها (طلقت الدنيا ثلاثا لا رجعة لي عليها حتى ألقاك) نقله القشيري في الرسالة، واستشهد عتبة بأذنة بقرية الحباب.

أخرج أبو نعيم عن مخلد بن الحسين، قال: رأيت شابا في المنام بعد ما قتل عتبة بسنة، فقلت له: ما صنع الله بك؟ قال: ألحقني بالشهداء المرزوقين، فقلت: أخبرني عن عتبة وأصحابه لك به علم؟ قال: قتلى قرية الحباب؟ قلت: نعم، قال: إنهم معرفون في ملكوت السموات.

(وقيل: رئي) أبو بكر (أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) البصري الفقيه الثبت [ ص: 438 ] مات سنة إحدى وثلاثين، روى له الجماعة (جنازة عاص) يمر بهما (فدخل الدهليز) واختفى فيه (لئلا يصلي عليها) قصد بذلك الزجر لأمثاله عن المعصية (فرأى) ذلك (الميت بعضهم في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال) ذلك الميت: (قل لأيوب) السختياني ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم ) أي: لبخلتم ( خشية الإنفاق أي: خوف نفادها) نقله القشيري في الرسالة، وفيه إشارة إلى سعد -رحمه الله- .

(وقال بعضهم: رأيت الليلة التي مات فيها) أبو سليمان (داود) بن نصير (الطائي) رحمه الله تعالى (نورا وملائكة نزولا إلى الأرض وملائكة صعودا) إلى السماء (فقلت: أي ليلة هذه؟ فقالوا:) هذه (ليلة مات فيها داود الطائي وقد زخرفت الجنة لقدوم روحه) على أهلها. نقله القشيري في الرسالة .

(وقال أبو سعيد الشحام) نسبة إلى بيع الشحم من مشايخ القشيري (رأيت) أبا الطيب (سهلا) بن محمد بن سليمان بن هارون بن موسى بن عيسى العجلي النيسابوري إمام الشافعية (الصعلوكي) بفتح الصاد، روى عن أبي بكر بن خزيمة وأبي العباس السراج، وتفقه على أبي بكر الثقفي، روى عنه الحاكم أبو عبد الله، توفي سنة 396 (في المنام فقلت) له (أيها الشيخ، قال: دع التشييخ) أي: اترك الدعاء بلفظ المشيخة (قلت) له: أين (تلك الأحوال التي شاهدتها) فيك (فقال) لي (لم تغن عنا) شيئا (فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بمسائل كان يسأل عنها العجز) بضمتين، جمع عاجز، يعني بهم العوام من الناس فأجيبهم عنها، نقله القشيري سماعا عن أبي سعيد الشحام، وفيه دلالة على فضيلة المفتي للعوام فيما يحتاجون إلى معرفة الأحكام.




الخدمات العلمية