الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويروى : أنه كان يوم القيامة ، أخرج الله تعالى كتابا من تحت العرش ، فيه : إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين ، فيخرج من النار مثلا أهل الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتجلى الله عز وجل لنا يوم القيامة ضاحكا ، فيقول : أبشروا معشر المسلمين ، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار ، يهوديا ، أو نصرانيا وقال النبي صلى الله عليه وسلم : يشفع الله تعالى آدم يوم القيامة من جميع ذريته في مائة ألف ألف ، وعشرة آلاف ألف .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة للمؤمنين : هل أحببتم لقائي ؟ فيقولون : نعم يا ربنا ، فيقول : لم ؟ فيقولون : رجونا عفوك ، ومغفرتك ، فيقول : قد أوجبت لكم مغفرتي .

وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل يوم القيامة : أخرجوا من النار من ذكرني يوما ، أو خافني في مقام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومن شاء الله معهم من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى ، فيقولون : ما أغنى عنكم إسلامكم إذ أنتم معنا في النار ؟ فيقولون : كانت لنا ذنوب ، فأخذنا بها ، فيسمع الله عز وجل ما قالوا ، فيأمر بإخراج من كان في النار من أهل القبلة ، فيخرجون ، فإذا رأى ذلك الكفار ، قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعبده المؤمن ، من الوالدة الشفيقة بولدها .

وقال جابر بن عبد الله من زادت حسناته على سيآته يوم القيامة فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب ، ومن استوت حسناته وسيآته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا ، ثم يدخل الجنة ، وإنما شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوبق نفسه وأثقل ظهره .

ويروى أن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام : يا موسى ، استغاث بك قارون ، فلم تغثه ، وعزتي ، وجلالي ، لو استغاث بي لأغثته ، وعفوت عنه . وقال سعد بن بلال يؤمر يوم القيامة بإخراج رجلين من النار ، فيقول الله تبارك وتعالى : ذلك بما قدمت أيديكما ، وما أنا بظلام للعبيد ، ويأمر بردهما إلى النار ، فيعدو أحدهما في سلاسله حتى يقتحمها ويتلكأ الآخر فيؤمر بردهما ، ويسألهما عن فعلهما ، فيقول الذي عدا إلى النار : قد حذرت من وبال المعصية فلم أكن لأتعرض لسخطك ثانية ، ويقول الذي تلكأ : حسن ظني بك ، كان يشعرني أن لا تردني إليها بعد ما أخرجتني منها ، فيأمر بهما إلى الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينادي مناد من تحت العرش يوم القيامة : يا أمة محمد ، أما ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم ، وبقيت التبعات فتواهبوها ، وادخلوا الجنة برحمتي ويروى أن أعرابيا سمع ابن عباس يقرأ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها فقال الأعرابي : والله ما أنقذكم منها وهو يريد أن يوقعكم فيها ، فقال ابن عباس خذوها من غير فقيه وقال الصنابحي دخلت على عبادة بن الصامت وهو في مرض الموت ، فبكيت ، فقال : مهلا : لم تبكي ؟ فوالله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه ، إلا حديثا واحدا ، وسوف أحدثكموه اليوم ، وقد أحيط بنفسي ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : أفلك عذر ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول ؟ : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء .

التالي السابق


(ويروى: أنه إذا كان يوم القيامة، أخرج الله تعالى كتابا من تحت العرش، فيه: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار مثلا أهل الجنة) . قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة : لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي . لفظ البخاري، وقال مسلم : كتب في كتابه على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي . اهـ .

قلت: ولفظ البخاري رواه أيضا أحمد، والدارقطني في الصفات، وفي رواية: كتب في كتابه فهو عنده. وفي أخرى: غلبت، بدل سبقت. وقد رواه مسلم كذلك، وروى الدارقطني، بلفظ: لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي . وفي المقاصد للسخاوي : إن رحمتي تغلب غضبي . متفق عليه من حديث المغيرة بن عبد الرحمن الخرابي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رفعه قال: لما قضى. ولفظ آخر لمسلم : لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي. ولفظ مسلم: تغلب غضبي . وهو عند البخاري فقط من حديث مالك، عن أبي الزناد، بلفظ: إن رحمتي سبقت غضبي . وعند مسلم من حديث ابن عيينة، عن أبي الزناد، بلفظ: قال الله: سبقت رحمتي غضبي. وممن رواه عن أبي هريرة، أبو صالح، وعطاء بن مينا، اهـ .

وروى الديلمي من حديث معاذ : إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع، غير فظيع، يا عبادي، أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين، يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون... الحديث .

(وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يتجلى الله -عز وجل- لنا يوم القيامة ضاحكا، فيقول: أبشروا معشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار، يهوديا، أو نصرانيا) . قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي موسى : إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فداؤك من النار . ولأبي داود : أمتي أمة مرحومة، لا عذاب عليها في الآخرة... الحديث. فأما أول الحديث، فرواه الطبراني من حديث أبي موسى أيضا: يتجلى الله ربنا لنا ضاحكا يوم القيامة، حتى ينظروا إلى وجهه، فيخرون له سجدا، فيقول: ارفعوا رؤسكم، فليس هذا يوم عبادة . وفيه علي بن زيد بن جدعان، اهـ .

قلت: لفظ مسلم : إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من هذه الأمة رجلا من الكفار، فيقال له: هذا فداؤك من النار . وسيأتي للمصنف، ولفظ الطبراني في الكبير، والأوسط: إذا كان يوم القيامة أعطى الله إلى كل مؤمن ملكا معه كافر، فيقول الملك للمؤمن: هاك هذا الكافر، فهذا فداؤك من النار . وكذلك رواه الحاكم في الكنى، وأما أول الحديث، فرواه الطبراني في الكبير، والدارقطني في الصفات، يتجلى لنا ربنا ضاحكا يوم القيامة .

وأما تمام الحديث، فأخرجه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة، فقال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي، حدثنا زهير بن محمد المروزي، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يجمع الله -عز وجل- الخلق يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا بدا له أن يصدع بين خلقه، مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم، حتى يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا تبارك وتعالى، ونحن على مكان رفيع، فيقول: من أنتم؟ فنقول نحن المسلمون، فيقول: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا -عز وجل-، فيقول: هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟! فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لهم ضاحكا، فيقول: أبشروا معاشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديا، أو نصرانيا . وهكذا رواه أحمد، وعلي بن زيد هو ابن جدعان، فهذا الذي سقناه هو الأقرب إلى سياق المصنف، من الحديث الذي ساقه العراقي من عند الطبراني . وقوله: ولأبي داود : أمتي أمة مرحومة... الحديث .

قلت: الذي رواه أبو داود من حديث أبي موسى : أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، إنما عذابها في الدنيا، الفتن، والزلازل، والقتل، والبلايا . وكذلك رواه [ ص: 559 ] الطبراني، والحاكم، ولا يخفى أن هذا السياق لا يناسب هنا، وإنما المناسب ما رواه الخطيب في المتفق والمفترق، وابن النجار من حديث ابن عباس، بسند ضعيف: أمتي أمة مرحومة، لا عذاب عليها في الآخرة، إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من أمتي رجلا من أهل الأديان، فكان فداءه من النار . والحديث الذي ساقه العراقي من عند الطبراني، فقد روي أيضا من حديث جابر بنحوه، أخرجه الآجري في الشريعة، من طريق الحسن عنه، وفيه فيتجلى لهم الجبار جل وعز، فإذا رأوه خروا له سجدا، فيقول لهم الجبار -عز وجل-: ارفعوا رؤسكم، ليس هذا يوم عمل، إنما هو يوم نعيم، وكرامة... الحديث. وفي رواية له: ثم يأتون الجبار -عز وجل-: فإذا تجلى لهم خروا له سجدا، فيقول لهم الجبار -عز وجل-: يا أهل الجنة، ارفعوا رؤسكم، فإن هذه ليست بدار عمل، إنما هي دار مقامة، ودار نعيم... الحديث .

(وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يشفع الله آدم يوم القيامة من جميع ذريته في مائة ألف ألف، وعشرة آلاف ألف) . قال العراقي : رواه الطبراني من حديث أنس بإسناد ضعيف، انتهى .

قلت: وروى الطبراني أيضا من طريق يزيد الرقاشي، عن أبي هريرة، رفعه: آدم أكرم البشر، فيعذر الله تعالى إليه يوم القيامة، بثلاثة معاذير، فساقه، وفيه: ويقول له: يا آدم، قد جعلتك حكما بيني وبين ذريتك، قم عند الميزان، وانظر إلى ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره مثقال ذرة فله الجنة... الحديث. ورواه ابن عساكر من رواية الفضل بن عيسى الرقاشي، عن الحسن، عن أبي هريرة، يعتذر الله إلى آدم يوم القيامة ثلاث معاذير... الحديث. ويزيد والفضل ضعيفان، ورواه ابن عساكر أيضا عن سعيد بن أنس، عن الحسن قوله .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا عفوك، ومغفرتك، فيقول: قد أوجبت لكم مغفرتي ) .

قال العراقي : رواه أحمد، والطبراني من حديث معاذ، بسند ضعيف .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله - عز وجل- يوم القيامة: أخرجوا من النار من ذكرني يوما، أو خافني في مقام) . قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أنس، وقال: حسن غريب، اهـ .

قلت: وكذلك رواه ابن خزيمة، والحاكم، ولفظهم: في مقامي، ورواه ابن شاهين في الترغيب في الذكر، والبيهقي، وقالا: في مقام، ولم يقولا: يوم القيامة، وفيه مبارك بن فضالة، وثقه جماعة، وضعفه النسائي .

(وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا اجتمع أهل النار في النار، ومن شاء الله معهم من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، فيقولون: ما أغنى عنكم إسلامكم إذ أنتم معنا في النار؟ فيقولون: كانت لنا ذنوب، فأخذنا بها، فيسمع الله -عز وجل- ما قالوا، فيأمر بإخراج من كان في النار من أهل القبلة، فيخرجون، فإذا رأى ذلك الكفار، قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال العراقي : رواه النسائي في الكبرى من حديث جابر نحوه، بإسناد صحيح، اهـ .

قلت: سياق المصنف رواه ابن أبي عاصم في السنة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والحاكم، وصححه البيهقي في البعث، من حديث أبي موسى الأشعري، وفيه: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم؟ وفيه: ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين والباقي سواء، وقد أخرجه كذلك الطبراني في الأوسط، وابن مردويه، بسند صحيح .

وأما حديث جابر، الذي أشار إليه، فلفظه: إن أناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم، فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيروهم أهل الشرك، فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وقد روي ذلك من حديث أبي سعيد، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، فحديث أبي سعيد رواه إسحق ابن راهويه، وابن حبان، والطبراني، وابن مردويه، أنه سئل هل سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية شيأ؟ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: نعم، سمعته يقول: يخرج الله ناسا من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم الله مع المشركين، قال لهم المشركون: ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا؟ فما بالكم معنا في النار؟ فإذا سمع الله ذلك منهم، أذن في الشفاعة لهم، فيشفع الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، [ ص: 560 ] حتى يخرجوا بإذن الله، فإذا رأى المشركون ذلك، قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم، فتدركنا الشفاعة، فنخرج معهم، فذلك قول الله تعالى: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: فيسمون في الجنة الجهنميين; من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربنا أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم، فيغتسلون في نهر الجنة، فيذهب ذلك الاسم عنهم .

وأما حديث علي بن أبي طالب، فرواه ابن أبي حاتم، وابن شاهين في السنة، ولفظه: إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها، الذين ماتوا على كبائرهم، غير نادمين، ولا تائبين، من دخل منهم جهنم، لا تزرق أعينهم، ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين، ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون بالحميم، ولا يلبسون القطران، حرم الله أجسادهم على الخلود; من أجل التوحيد، وصورهم على النار; من أجل السجود، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه، ومنهم من تأخذه إلى عقبه، ومنهم من تأخذه إلى فخذيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه، على قدر ذنوبهم، وأعمالهم، ومنهم من يمكث فيها شهرا، ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة، ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا، منذ يوم خلقت إلى أن تفنى، فإذا أراد الله أن يخرجهم منها، قالت اليهود، والنصارى، ومن في النار من أهل الأديان، والأوثان، لمن في النار، من أهل التوحيد: آمنتم بالله، وكتبه، ورسله، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء، فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه بشيء فيما مضى، فيخرجهم إلى عين يمين الجنة، والصراط، فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة، مكتوب في جباههم: هؤلاء الجهنميون، عتقاء الرحمن، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يسألون الله أن يمحو ذلك الاسم عنهم، فيبعث الله ملكا فيمحوه، ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار، فيطبقونها على من بقي فيها، يسمرونها بتلك المسامير، فينساهم الله على عرشه، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم، ولذاتهم، وذلك قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

وأما حديث أنس، فأخرجه هناد، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، ولفظه: إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله، وأنتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم، فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة، ويسمون فيها الجهنميين .

وقال ابن عباس : ما يزال الله يشفع، ويدخل الجنة، ويشفع، ويرحم، حتى يقول: من كان مسلما فليدخل الجنة، فذلك قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين رواه سعيد بن منصور، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث، وروي عنه أنه تذاكر وأنس هذه الآية، فقال: هذا حيث يجمع الله بهن أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم بفضل رحمته. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في البعث .

وعن مجاهد، في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: إذا خرج من النار من قال: لا إله إلا الله. رواه هناد بن السري في الزهد، وروى الحاكم في الكنى، عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية؟ فقال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون؟ فيغضب الله لهم، فيقول للملائكة، والنبيين: اشفعوا لهم، فيشفعون لهم، فيخرجون حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك، يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لله أرحم بعبده المؤمن، من الوالدة الشفيقة بولدها) . قال العراقي : متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وفي أثر له، قصة المرأة من السبي، إذ وجدت جنينا في السبي، فأخذته، فألصقته ببطنها، وأرضعته. انتهى .

قلت: وهو آخر حديث ختم المصنف به هذا الكتاب، وسيأتي الكلام عليه .

(وقال جابر بن عبد الله) -رضي الله عنه-: (من زادت حسناته على سيآته يوم القيامة فذاك يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيآته فذاك يحاسب حسابا يسيرا، ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن أوبق نفسه) ، أي: أهلكها بارتكاب المخالفات، (وأثقل ظهره) بالمعاصي. أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في صحاحهم، والبيهقي من طريق زهير بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، عنه مرفوعا: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي . رواه عن زهير، عمرو بن أبي سلمة، ومحمد بن ثابت البناني، زاد ثانيهما في رواية الطيالسي، فقال جابر : من لم [ ص: 561 ] يكن من أهل الكبائر، فما له وللشفاعة . وزاد الوليد بن مسلم، في روايته له عن زهير : فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد، إنه من زادت حسناته على سيآته، فذكره كسياق المصنف، إلا أنه قال: لمن أوبق نفسه، أو علق ظهره. وروى البيهقي في البعث، من طريق أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، أنه سمع رجلا يقول: اللهم اجعلني فيمن تصيبه شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال: إن الله يغني المؤمنين عن شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الشفاعة للمذنبين المؤمنين، والمسلمين. ورواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن زياد بن خيثمة، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي، عن حذيفة، قال: المؤمنون مستغنون عن الشفاعة، إنما هي للمذنبين. وروى البيهقي من طريق يزيد الرقاشي، قلنا يا رسول الله، لمن تشفع؟ قال لأهل الكبائر من أمتي، وأهل العظائم، وأهل الدماء .

(ويروى أن الله -عز وجل- قال لموسى - عليه السلام-: يا موسى، استغاث بك قارون، فلم تغثه، وعزتي، وجلالي، لو استغاث بي لأغثته، وعفوت عنه .

وقال سعد بن بلال ) ، كذا في النسخ، وفي بعضها سعيد بن بلال، وكل منهما خطأ، والصواب: بلال بن سعد، هو ابن تميم الأشعري، أو الكندي، أبو عمرو، أو أبو زرعة الدمشقي، العابد الفاضل، مات في خلافة هشام، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود في كتاب القدر، والنسائي، (يؤمر يوم القيامة بإخراج رجلين من النار، فيقول الله تعالى: ذلك بما قدمت أيديكما، وما أنا بظلام للعبيد، ويأمر بردهما إلى النار، فيعدو أحدهما في سلاسله حتى يقتحمها) ، أي: يدخلها، (ويتلكأ الآخر) ، أي: يتباطأ، (فيؤمر بردهما، ويسألهما عن فعلهما، فيقول الذي عدا إلى النار: قد حذرت من وبال المعصية ما لم أكن لأتعرض لسخطك ثانية، ويقول الذي تلكأ: حسن ظني بك، كان يشعرني) ، أي: يعلمني، (أن لا تردني إليها بعد ما أخرجتني منها، فيأمر بهما إلى الجنة) .

رواه الصابوني في المائتين، فقال: أخبرنا أبو العباس عبد الصمد بن عبد الله المعمري، حدثنا أبو أحمد بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، حدثنا سليم بن منصور بن عمار، حدثني أبي، عن المعقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن بلال ابن سعد، قال: يأمر الله -عز وجل- بإخراج رجلين من النار، فيخرجان بسلاسلهما، وأغلالهما، فيوقفان بين يديه، فيسألهما، ويقول لهما: كيف وجدتما مقيلكما، ومصيركما؟ فيقولان: يا رب، شر مقيل، وأسوأ مصير، قال: فيأمر بردهما إلى النار، فأما أحدهما فيمضي بسلاسله، وأغلاله، حتى يقتحمها، وأما الآخر، فيمضي وهو يلتفت، قال: فيأمر بردهما، فيقول للذي مضى بسلاله، وأغلاله إلى النار، حتى اقتحمها: ما حملك على ما صنعت وقد اختبرتها؟ فيقول: رب ذقت من وبال معصيتك ما لم أكن لأتعرض لسخطك ثانية، ويقول للذي مضى وهو يلتفت، ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: رب ما كان ظني بك هذا، فيقول: وما كان ظنك؟ فيقول: إنك حين أخرجتني منها، ظننت أن لا تعيدني إليها، قال: فيقول الله: فإني عند ما ظننت، فيأمر بصرفهما إلى الجنة .

(وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ينادي مناد من تحت العرش يوم القيامة: يا أمة محمد، أما ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم، وبقيت التبعات ) ، أي: حقوق الناس، (فتواهبوها) ، أي: اطلبوا مسامحتها (بينكم، وادخلوا الجنة برحمتي) . وهذا يدل على أن حق الخلق مبني على المشاحة ، قال العراقي : رويناه في سباعيات أبي الأسعد القشيري، من حديث أنس، وفيه الحسن بن داود البلخي، قال الخطيب : ليس بثقة اهـ .

قلت: قال الذهبي في ديوان الضعفاء: الحسين بن داود أبو علي البلخي يروي عنه أبو بكر الشافعي، قال الخطيب : حديثه موضوع، واتهمه الحاكم وغيره .

(ويروى أن أعرابيا سمع ابن عباس ) -رضي الله عنه- (يقرأ) قوله تعالى: (وكنتم على شفا حفرة من النار) أي: على جانبها، (فأنقذكم منها) أي: خلصكم، ونجاكم، (فقال الأعرابي: والله ما أنقذكم منها وهو يريد أن يوقعكم فيها، فقال ابن عباس ) -رضي الله عنه-: (خذوها) ، أي: كلمة الحكمة، (من غير فقيه) ، وذلك لأن الأعراب الغالب على طبعهم عدم الإدراك للطائف المعاني .

(وقال الصنابحي) عبد الرحمن بن عسيلة، بمهملتين، مصغر، المرادي أبو عبد الله، ثقة، من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك، روى له الجماعة، وقد تقدم له ذكر في أحاديث الحوض، (دخلت على عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري أبي الوليد الخزرجي المدني، أحد النقباء، بدري شهير، -رضي الله عنه- مات بالرملة، سنة أربع وثلاثين، عن اثنتين وسبعين سنة، وقيل: عاش إلى خلافة معاوية، قال [ ص: 562 ] سعيد بن عفير: كان طوله عشرة أشبار، روى له الجماعة، (وهو في مرض الموت، فبكيت، فقال: مهلا: لم تبكي؟ فوالله ما من حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار) . قال العراقي : رواه مسلم من هذا الوجه، واتفقا عليه من غير رواية الصنابحي بلفظ آخر، انتهى .

قلت: ومن الوجه المذكور رواه كذلك أحمد، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، ولفظ المتفق عليه من غير رواية الصنابحي: من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق وأن البعث حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل، من أي أبواب الجنة الثمانية شاء. وكذلك رواه أحمد، وابن حبان .

(وقال عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ليالي الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح، روى له الجماعة، (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة) ، وذلك عند الميزان، (فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا) ، أي: دفترا، فيه أعماله، (كل سجل منها مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة) ، بالكسر، أي: رقعة صغيرة، (فيها) مكتوب: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة) الميزان، (والبطاقة في كفة) أخرى، (قال: فطاشت السجلات) ، أي: ارتفعت، وخفت، (وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع) اسم (الله شيء) . وهذا الحديث يعرف بحديث البطاقة، مشهور عند المحدثين، مذكور في مسلسلاتهم، فقوله في أول الحديث: إن الله، إلى قوله: يوم القيامة، هو سياق الترمذي، ولفظه: سيخلص، وقال ابن ماجه : يصاح برجل من أمتي على رؤس الخلائق، ثم اتفقا إلى آخره، عند قوله: وثقلت البطاقة، مع زيادة قوله: فيقول: احضر وزنك، بعد قوله: أن محمدا رسول الله، وقوله: فلا يثقل مع اسم الله شيء، هو من زيادة الترمذي .



وقد وقع لنا مسلسلا بالمصريين من شيوخنا إلى منتهاه، إلا صحابيه، فإنه سكن مصر، مع أبيه، وأقام بعده مدة يسيرة، ثم تحول منها إلى الطائف، أخبرناه القطب أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحفني الشافعي -رحمه الله-، والشهاب أحمد بن الحسن بن عبد الكريم الخالدي، في آخرين، قالوا: أخبرنا الشمس محمد ابن منصور الإطفيحي، أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ، أخبرنا النجم محمد بن أحمد بن علي الغيطي، أخبرنا الشرف عبد الحق بن محمد السنباطي، أخبرنا المشايخ الخمسة، البدر أبو محمد الحسن بن محمد بن أيوب الحسني النسابة، والزين عبد الرحمن بن محمد بن عمر الفاقوسي، والنور أبو الحسن علي بن أبي الحسن البلبيسي، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام المنوفي، وأم الفضل هاجر ابنة الشرف القدسي، المصريون، سماعا عليهم، قال الأول: أنبأنا عمي البدر حسن بن محمد الحسني النسابة، وقال الثاني: أخبرنا السراج عمر بن الملقن، وقال الآخرون: أخبرنا السراج عمر بن رسلان البلقيني، قالوا ثلاثتهم: أخبرنا الصدر أبو الفتح محمد بن محمد الميدومي، أخبرنا أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن علاق .

ح، وأخبرنا به أبو المعالي الحسن بن علي بن محمد المنطاوي، والشهاب أحمد بن محمد بن شاهين، في آخرين، قالوا: أخبرنا عبد بن علي بن عساكر النمرسي، أخبرنا الإمام المحدث محمد بن عبد الباقي الزرقاني، أخبرنا الضياء علي بن علي الشبراملسي، أخبرنا أبو محمد عبد الرؤف بن زين العابدين المناوي، أخبرنا الشمس محمد بن أحمد الرملي، أخبرنا القاضي أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري، أخبرنا الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر، قال: قرأت على عبد الله بن عمر السعودي، وعبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، وقلت لكل منهما: أخبرك جماعة، منهم أبو محمد إبراهيم بن علي الحيمي؟ فأقرا به، قال: أخبرنا الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي القرشي العطار، قال: هو وابن علاق : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت البوصيري، قال: حدثنا أبو صادق مرشد بن يحيى المديني، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الصواف الحراني .

ح، وأخبرنا المسند أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف [ ص: 563 ] الملوي، والبدر محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي، في آخرين، قالوا: أخبرنا المحدث أبو العز محمد بن الشهاب العجمي، أخبرنا والدي، أخبرنا النور علي بن يحيى الزيادي، أخبرنا الشهاب أحمد بن حمزة الرملي، أخبرنا الحافظ شمس الدين أبو الخير السخاوي، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد بن الفرات، أخبرنا عبد العزيز بن جماعة، أخبرنا الخطيب أبو عبد الله محمد بن الحسين العبدي، أخبرنا محمد بن عمار الحراني المصري، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي قاضي الجيزة، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي في فوائده، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن الحاج الإشبيلي المصري الشاهد، قال هو والحراني : حدثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني الحافظ، أخبرنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب، قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن عامر ابن يحيى المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يصاح برجل من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة، فتنشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، ثم يقول الله تعالى: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: ألك عذر، أو حسنة؟ فيهاب العبد، فيقول: لا يا رب، فيقول الله -عز وجل-: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج الله بطاقة، فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة .

وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله تعالى- في كتابه: منهاج السلامة في ميزان الاستقامة: أخبرنا أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي، بقراءتي عليه في ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، بمنزله بكفر بطنا، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي، وأحمد بن علي بن مسعود الكلبي، ومحمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزراد، ومحمد بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة، وأحمد بن إبراهيم بن عبد الله المقدسي، وأحمد بن الطنبا بن الحلبية المقري، وأبو بكر بن يوسف الحريري، ومحمد بن المحب عبد الله بن أحمد، وعبد الرحمن بن إسماعيل المرداوي، وعبد الرحمن بن عبد الخالق بن محمد بن السري، ومحمد بن علي بن سالم المزيان، وفاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عمر ابن عوض، وحبيبة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .

ح، وأخبرنا أبو هريرة، والمعمر أبو المحاسن يوسف بن عثمان ابن عمر بن مسلم الصوفي، وأم عبد الله زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس بن جعوان الأنصاري، قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن القطان، قراءة عليه، قالت بنت جعوان : وأنا حاضرة في الرابعة، وقال الأولان: ونحن نسمع، وقالا أيضا: وأخيرتنا المسندة أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم، وقالت بنت جعوان : وأبو هريرة أيضا، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي المعالي الزبداني، قالت بنت جعوان : وأنا شاهدة، وقال أبو هريرة : وأنا أسمع، وقال العوفي : وأخبرنا أيضا القاضي أبو محمد عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي، وأحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الصرخدي .

ح، وأخبرنا المسند أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد البالسي، وزينب بنت جعوان، قالا: أخبرنا الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن المعظم عيسى، قراءة عليه، ونحن نسمع، حاضرات في الرابعة .

ح، وأخبرنا أبو عمر، وعثمان بن محمد بن عثمان الأنصاري، بقراءتي عليه، بجامع دمشق، وغير واحد، قالوا: أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن الجزري قالوا كلهم: وهم ثمانية عشر نفسا، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدسي الخطيب، قراءة عليه، قال المزيان، والقطان، وابن المحب، والجزري، ونحن حاضرون، وقال الباقون: ونحن نسمع .

ح، وأخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن أبي العباس الصالحي، أخبرنا أبو محمد القاسم بن محمد الحافظ، وأنا شاهد، أنبأنا المعين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي، وأبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد الرزاز، قالوا ثلاثتهم، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري، : قراءة عليه، ونحن نسمع بمصر، أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى المديني.

ح، وأخبرنا أبو هريرة بن الذهبي، وابنه أبو عبد الله محمد، يوم الأربعاء، ثالث ذي القعدة سنة 798 بمنزله بكفر بطنا، قالا: أخبرنا النجم أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر السلمي، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن الحاسب .

ح، وأخبرنا أبو هريرة، أخبرنا الأمين محمد بن أبي بكر [ ص: 564 ] ابن أحمد الأسدي، سماعا، والمرضي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري، إجازة، من مكة، شرفها الله تعالى، قالا: أخبرنا شعيب بن يحيى، سماعا، وأنبأنا أبو هريرة، أنبأنا أبو الفضل سليمان بن حمزة الحاكم، أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي، سماعا حينئذ، وأخبرنا أبو هريرة، عن إسماعيل بن يوسف السويدي، وأبي الحسن علي بن عمر الكردي، أن أبا الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي، أخبرهما، قالوا أربعتهم: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي المعدل، بالإسكندرية وغيرها، قال هو وأبو صادق المديني : أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن حمصة الحراني الصواف، بمصر، حدثنا أبو القاسم حمزة بن محمد بن علي الكناني الحافظ، إملاء بالجامع العتيق بمصر، يوم الجمعة، لأربع بقين من شهر ربيع الأول سنة 357، أخبرنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يصاح برجل من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة، فذكره، إلخ .

وبالإسناد إلى أبي الحسن الحراني، قال: لما أملى علينا حمزة هذا الحديث، صاح غريب من الحلقة صيحة فاضت نفسه معها، وأنا ممن حضر جنازته، وصلى عليه -رحمه الله تعالى- .

قلت: ولفظ الإشبيلي : لما أملى علينا حمزة هذا الحديث في الجامع العتيق، كان في الناس رجل جبار، فلما سمعه صاح صيحة، وتوفي، قال الحافظ السخاوي في الجواهر المكللة: وكذا رواه أبو الحسن علي بن محمد القابسي، عن حمزة، وقال: إنه لما انتهى في إملائه إلى قوله: فطاشت السجلات، شهق رجل شهقة، فلما تم المجلس، إذا هو ميت، فغسل، وكفن، وصلي عليه .

وهذا حديث جيد الإسناد، عظيم الموقع، رواه الحاكم في صحيحه، فقال: حدثنا علي بن ممشاد المعدل، حدثنا عبد بن شريك، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، فذكره، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وفي نسخة من المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، قال الحافظ بن ناصر الدين، قلنا: إن عامر بن يحيى بن جشيب المعافري المصري، انفرد به مسلم، وقد وثقه أبو داود، وصار في جاه الصحيح، لكنه من أفراد الحبلي، عن عبد الله ابن عمرو، اهـ .

قلت: عامر بن يحيى بن جشيب بن مالك بن سريع المعافري الشرعبي أبو خنيس، بالخاء المعجمة، والنون، والسين المهملة، المصري، قال أبو داود، والنسائي : ثقة، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، قال أبو سعيد بن يونس: توفي قبل سنة عشرين ومائة، روى له مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وأبو عبد الرحمن الحبلي، بضم الحاء، والموحدة، عبد الله بن زيد المعافري، ثقة، مات سنة مائة بإفريقية، وروى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة، ثم قال الحافظ بن ناصر الدين : وخرجه الترمذي في جامعه، فقال: أخبرنا سويد بن نصر، أخبرنا عبد الله، عن ليث بن سعد، فذكره بنحوه، وقال: هذا حديث حسن غريب .

قلت: عبد الله هو ابن المبارك، وحدث به أبو القاسم الطبراني، عن أبي يزيد القراطيسي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، تابعهما عبد الله بن صالح، كاتب الليث، وسعيد بن عفير، وسعيد بن أبي مريم، ويونس بن محمد المؤدب، وآخرون عن الليث، وخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الجنيد، حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمر، أخبرنا الليث بن سعد، فذكره، وعبد الله بن عمر الخراساني له مناكير، فيما قاله ابن عدي، والحديث قد عرف بالليث، حتى قال الحافظ أبو القاسم حمزة الكناني، فيما رويناه عنه بالإسناد المذكور: لا أعلم روى هذا الحديث غير الليث، وهو من أحسن الحديث .

قلت: قد أجاد بقوله: لا أعلم، وبالله التوفيق، قال الترمذي عقب روايته حديث ابن المبارك، عن الليث: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عامر بن يحيى، بهذا الإسناد نحوه، اهـ. فقد تابعه ابن لهيعة، وحديثه رويناه من حديث أبي العباس محمد بن إسحق الثقفي السراج، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يوضع الميزان يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، ويوضع في كفة مما أحصي عليه، فتميل الميزان، قال فيبعث به إلى النار، قال: فإذا أدبر صاح صائح من عند الرحمن -عز وجل- يقول: لا تعجلوا فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة، حتى تميل الميزان . خالفه عمرو بن الحرث بن يعقوب بن عبد الله الأشج أبو أمية الأنصاري المصري الحافظ، فرويناه عن بكر [ ص: 565 ] ابن مضر، عنه، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، فوقفه، والحكم لابن لهيعة في رفعه; لأن الليث وهو إمام كبير حافظ رفعه .

وأيضا رويناه من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد هو الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يؤتى برجل يوم القيامة، ثم يؤتى بالميزان، ثم يؤتى بتسعة وتسعين سجلا، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه، وخطاياه، فتوضع في كفة الميزان، ويؤتى بقرطاس مثل هذا، وأشار بيده، وأمسك إبهامه، فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فتوضع في الكفة الأخرى، فترجح بخطاياه، وذنوبه . رواه عن المقري، عبد بن حميد، في مسنده، والحرث بن أبي أسامة، وعبد الصمد بن الفضل، ومحمد بن أحمد بن الجنيد، وهرون بن ملول، ويعقوب بن سفيان، تابعه إسماعيل ابن عياش، ويعلى بن عبيد، عن عبد الرحمن بن زياد، مرفوعا بنحوه، ورواه عن إسماعيل الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، وعن يعلى أبو بكر أحمد بن البراء المديني المقري .

والحديث له طرق، وهو في سنن ابن ماجه، وغيره، وله شواهد، ومنها ما قال أبو نعيم في الحلية، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا فضيل بن محمد الملطي، حدثنا موسى بن داود، حدثنا الهيثم بن جماز، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يؤتى بعمل العبد يوم القيامة، فيوضع في كفة الميزان، فلا يرجح، حتى يؤتى بصحيفة مختومة، من يد الرحمن -عز وجل-، فتوضع في كفة الميزان، فترجح، وهو لا إله إلا الله . غريب من حديث ثابت، تفرد به الهيثم بن جماز، وهو بصري، قاص، قاله أبو نعيم .




الخدمات العلمية