الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصل الخامس :

الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعرة ، وأحد من السيف قال الله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون وهذا ممكن فيجب التصديق به فإن القادر على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير الإنسان على الصراط .

التالي السابق


(الأصل الخامس: الصراط) * وهو ثابت على حسب ما نطق به الحديث (وهو جسر ممدود على متن جهنم) يرده الأولون والآخرون، فإذا تكاملوا عليه قيل: وقفوهم إنهم مسئولون ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رفعه: "وتضرب الصراط بين ظهراني جهنم". ولهما من حديث أبي سعيد: "ثم يضرب الجسر على جهنم (أدق من الشعر، وأحد من السيف) "، أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد بلفظ: "بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف"، ورفعه أحمد من حديث عائشة، والبيهقي في الشعب والبعث من حديث أنس، وضعفه، وفي البعث من رواية عبيد بن عمير مرسلا، ومن قول ابن مسعود: "الصراط كحد السيف.."، وفي آخر الحديث ما يدل على أنه مرفوع، قاله العراقي، وقول أبي سعيد: "بلغني"، له حكم المرفوع، إذ مثله لا يقال من قبل الرأي، وقول ابن مسعود أخرجه الطبراني أيضا بلفظ: "يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف". وفي الصحيحين وغيرهما وصف الصراط بأنه دحض مزلة، وأخرج الحاكم من حديث سلمان رفعه: "يوضع الميزان يوم القيامة.."، الحديث، وفيه: "ويوضع الصراط مثل حد الموسى".

وقد أنكرت المعتزلة الصراط، وقالوا: عبور الخلائق على ما هذه صفته غير ممكن. وحملوا الصراط على الصراط المستقيم صراط الله تعالى، وهذا التأويل يأباه ما (قال الله تعالى) في كتابه العزيز مخاطبا للملائكة: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ( فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ) وقد أجمع المفسرون على تفسيره بما ذكرناه، وجاء وصفه في الحديث: "وعلى جنبه خطاطيف وكلاليب". وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إذا طويت السماء وبدلت الأرض غير الأرض فأين الخلق يومئذ؟ فقال: "على جسر جهنم".

قال القاضي في الهداية: قال سلف الأمة: الصراط صراطان: صراط الدين، والثاني: جسر على متن جهنم. وهو قول أئمة الحديث والفقهاء، وحكي عن أبي الهزيل وابن المعتمر أنهما قالا: يجوز ذلك، ولكن لا يقطعان به سمعا، واختلف القول من الجبائي وابنه، فأثبتاه تارة، ونفياه تارة أخرى، وقالا على القول بإثباته وإيجاب إثابة المؤمنين يعدل بهم عنه إلى الجنة، ولا يجوز أن يلحق المؤمنين من العبور عليه شيء من الألم، ومن أوجب تأويله قال: ما ورد بخلاف الممكن يجب تأويله. وأجاب إمام الحرمين بأنه لا مانع منه عقلا، وإنما ذلك خلاف المعتاد .

وقد أشار المصنف إلى ذلك فقال: (وهذا ممكن) أي: وضع الصراط على الصفة المذكورة، وورود الخلائق إياه أمر ممكن وارد على وجه الصحة، ورده ضلالة (فيجب التصديق به) ، ثم أشار بالرد على المعتزلة في قولهم: كيف يمكن المرور على ما هذه صفته، بقوله: (فإن القادر على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير الإنسان على الصراط) ، بل هو سبحانه قادر على أن يخلق للإنسان قدرة المشي في الهواء، ولا يخلق في ذاته هويا إلى أسفل، ولا في الهواء انخراقا، وليس المشي على الصراط بأعجب من هذا، كما ورد في الصحيحين أن رجلا قال: يا نبي الله، كيف يحشر [ ص: 221 ] الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: "أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!".

وفي الصحيحين: "فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوش في نار جهنم".



(تنبيه)

ورود الصراط هو ورود النار لكل أحد المذكور في قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها ، وبذلك فسر ابن مسعود والحسن وقتادة، ثم قال تعالى: ثم ننجي الذين اتقوا ، فلا يسقطون فيها، ونذر الظالمين فيها جثيا ، أي: يسقطون، وفسر بعضهم الورود بالدخول، وأسندوه إلى جابر رفعه، أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والنسائي في الكنى والبيهقي.



(فصل)

لم يذكر المصنف هنا الحوض، وذكره في عقيدته الصغرى، وهو حق، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وجاء ذكره في الأخبار الصحيحة، وعرضه وطوله، وعدد أباريقه، يشرب منه المؤمنون بعد جواز الصراط، على الصحيح، كما ذهب إليه المصنف، وفي الحديث الذي يروى أن الصحابة قالوا: أين نطلبك يا رسول الله يوم المحشر؟ فقال: "على الصراط، فإن لم تجدوني فعلى الميزان، فإن لم تجدوني فعلى الحوض". يلوح على الترتيب: الصراط ثم الميزان ثم الحوض، وهي مسألة توقف فيها أكثر أهل العلم .




الخدمات العلمية