الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال ، وهو أفضلها والإسلام هو تسليم ، إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح وأفضلها الذي بالقلب ، وهو التصديق الذي يسمى إيمانا والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف ، كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة .

أما الاختلاف فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهو موافق للغة والإسلام عبارة عن التسليم ظاهرا وهو أيضا موافق للغة ; فإن التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم فليس من شرط حصول الاسم عموم المعنى لكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه ; فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامسا وإن لم يستغرق جميع بدنه ، فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند عدم تسليم الباطن مطابق للسان وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا .

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد " أو مسلم"; لأنه فضل أحدهما على الآخر ويريد بالاختلاف تفاضل المسميين .

وأما التداخل فموافق أيضا للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعا والإيمان عبارة عن بعض ما دخل في الإسلام ، وهو التصديق بالقلب ، وهو الذي عنيناه بالتداخل ، وهو موافق للغة في خصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل وعلى هذا خرج قوله " الإيمان "; في جواب قول السائل : أي الإسلام أفضل ؟ لأنه جعل الإيمان خصوصا من الإسلام ، فأدخله فيه وأما استعماله فيه على سبيل الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعا فإن كل ذلك تسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر في معناه ، وهو جائز لأن تسليم الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعميم مرادفا لاسم الإسلام ، ومطابقا له فلا يزيد عليه ولا ينقص ، وعليه خرج قوله : فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين .

التالي السابق


ولنعد إلى حل عبارة المصنف رحمه الله تعالى، قال: (وهو) أي: وروده على سبيل التداخل (أوفق الاستعمالات في اللغة) ، وفي بعض النسخ "لاستعمالات اللغة"، وإنما كان أوفق (لأن الإيمان عمل من الأعمال، وهو أفضلها) أي: الأعمال (والإسلام هو تسليم، إما بالقلب) وهو الاعتقاد الجازم (وإما باللسان) وهو الإقرار (وإما بالجوارح) وهو العبادات (وأفضلها) أي: تلك الثلاثة (الذي بالقلب، وهو التصديق الذي يسمى إيمانا) وإلى هذا أشار صاحب القوت فيما تقدم من تقريره (والاستعمال لهما) أي: للإسلام والإيمان (على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف، كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة) أي: أن اللغة العربية لاتساعها تجوز إطلاق كل ما ذكر في محالها (أما الاختلاف فهو أن تجعل الإيمان عبارة [ ص: 240 ] عن التصديق بالقلب فقط) أي: قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم من غير افتقار إلى نظر واستدلال، وهو المختار عند جمهور الأشاعرة، وبه قال الإمام أبو منصور الماتريدي (وهو موافق للغة) إلا أنه في اللغة عبارة عن مطلق التصديق، وكونه عبارة عن تصديق بالقلب نقل عن مفهومه اللغوي (و) أن يجعل (الإسلام عبارة عن التسليم ظاهرا) وهو الاستسلام والانقياد (وهو أيضا موافق للغة; فإن التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم) ويتناوله (فليس من شرط حصول الاسم) من الأسماء (عموم المعنى) وشموله (لكل ممكن يمكن أن يوجد) ذلك (المعنى فيه; فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامسا) لغة، (وإن لم يستغرق) باللمس (جميع بدنه، فإطلاق اسم الإسلام على التسليم بالظاهر) فقط (عند عدم تسليم الباطن مطابق للسان) ولو من وجه (وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا ) قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ; فإن الإسلام انقياد، ودخول في السلم، وإظهار للشهادة لا بالحقيقة، ومن ثم قال: قل لم تؤمنوا ، فإن كل ما يكون من الإقرار من غير مواطأة القلب فهو إسلام (و) كذلك على هذا الوجه .

(قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه ("أو مسلم"; لأنه فضل أحدهما) الذي هو الإيمان (على الآخر) أي: الإسلام، وتقدم ذلك في سياق القوت .

(ويريد بالاختلاف) المذكور الذي ورد اللفظان على سبيله (تفاضل المسميين) أحدهما على الآخر وتفاوتهما في الدرجات والمقامات (وأما التداخل فموافق أيضا للغة) فإنه دخول أحدهما في ضمن الآخر (وهو أن تجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب) أي: الانقياد الباطني (والقول والعمل جميعا) أي: الانقياد الظاهري (و) تجعل (الإيمان عبارة عن بعض ما دخل في الإسلام، وهو التصديق بالقلب، وهو الذي عنيناه) أي: قصدنا (بالتداخل، وهو موافق للغة في خصوص الإيمان) ; نظرا إلى التصديق القلبي (وعموم الإسلام) ; نظرا إلى شموله (للكل) من اللسان والقلب والعمل (وعلى هذا خرج قوله) صلى الله عليه وسلم: ("الإيمان"; في جواب قول السائل: أي الإسلام أفضل؟ لأنه جعل الإيمان خصوصا من الإسلام، فأدخله فيه) قال صاحب القوت: وروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن الإيمان مقصور في الإسلام معناه هو في باطنه. قال: وأدار دائرة فقال: هذا للإسلام. ثم أدار في وسطه دائرة أخرى صغيرة، فقال: هذا للإيمان في الإسلام، فإذا فعل وفعل خرج من الإيمان وصار في الإسلام -يريد به خرج من حقيقة الإيمان وكماله-، ولم يكن من الموصوفين الممدوحين بالخوف والورع من المؤمنين; لأنه خرج من الاسم والمعنى، حتى لا يكون مؤمنا بالله عز وجل مصدقا برسله وكتبه، ألا ترى الدائرة الصغيرة غير خارجة عن الدائرة الكبيرة التي أدارها حولها فجعلها فيها; لأنها خالصها وقلبها، ومخصوصة فيها، ولو كان أراد به يخرج من الإيمان لجعلهما دائرتين منفردتين ولم يجعل إحداهما وسط الأخرى .

(وأما استعماله على) سبيل (الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب) هو الانقياد الباطني (والظاهر جميعا فإن كل ذلك تسليم) أي: يصدق عليه لغة (وكذا الإيمان) يجعل عبارة كل منهما (ويكون التصرف بالإيمان على الخصوص بتعميمه) أي: جعله عاما (وإدخال الظاهر في معناه، وهو جائز) لغة; (لأن تسليم الظاهر) أي: انقياده (بالقول والعمل) هو (ثمرة تصديق الباطن ونتيجته) التي تنشأ عنه (وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره) الذي هو خلاصته (على سبيل التسامح) والاتساع، فيحتاج في فهمه إلى هذا التقدير (فيصير بهذا القدر من التعميم مرادفا لاسم الإسلام، ومطابقا له) جمعا بين المتوافقين وضديهما (فلا يزيد عليه ولا ينقص، وعليه خرج قوله تعالى: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وصح استثناء المسلمين من المؤمنين .




الخدمات العلمية