الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثاني والأربعون

[أن يقال: إن] هؤلاء متناقضون تناقضا بينا، فإنهم جعلوا [ ص: 388 ] المعلومات ثلاثة أقسام: ما لا يعلم إلا بالعقل، وما لا يعلم إلا بالسمع، وما يعلم بكل منهما. وجعلوا من المعلومات التي لا تعلم إلا بالسمع الإخبار عما يمكن وجوده وعدمه.

ومعلوم أن ما ذكروه ينفي أن يكون الدليل السمعي حجة في هذا القسم أيضا، وذلك، لأن الشيء الذي يمكن وجوده وعدمه، إذ دل الدليل السمعي على أحد طرفيه، وجوزنا أن لا يكون مدلول الدليل السمعي ثابتا، أمكن هنا أيضا أن لا يكون ذلك المدلول المخبر به ثابتا في نفس الأمر، وأن يكون الشارع لم يرد ما دل عليه قوله، ولا يحتاج ذلك إلى تجويز قيام دليل عقلي يعارض ذلك، فإن المعارض الدال على أن مدلول الدليل السمعي غير ثابت، أو أن الشارع لم يرد بكلامه ما دل عليه إذا قدر عدمه، لم يلزم انتفاء مدلوله، فإن الدليل لا ينعكس، فلا يلزم من عدم الدليل العقلي النافي لموجب الدليل السمعي عدم مدلوله، إذا جوزنا أن يكون مدلوله ثابتا في نفس الأمر فإن، كما لا يلزم من عدم علمنا عدم الدليل، لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه.

وحينئذ فلا يستدل بالسمع على ما لا مجال للعقل فيه من الأمور الأخروية، وهذا نهاية الإلحاد.

فإن اعتذروا من ذلك بأن الشارع لا يجوز أن يريد بكلامه ما يخالف ظاهره، إلا أن يكون في العقل ما يدل على ذلك.

قيل: جوابكم عن هذا كجوابكم للمعتزلة لما قالوا: لا يجوز أن [ ص: 389 ] يسمعه الخطاب الذي أراد به خلاف ظاهره، إلا إذا أخطر بباله العقلي المعارض.

فلما قلتم له: هذا مبني على قاعدة الحسن والقبح، وأيضا فالتفريط من المكلف، كما تقدم إيراده.

فيقال لكم هنا كذلك: هذا مبني على قاعدة الحسن والقبح، وأيضا فالتفريط من المكلف، لأنه لما اعتقد في الأدلة السمعية أنها تفيد اليقين، وهي لا تفيد اليقين، كان مفرطا، فكان جزمه بمدلول خبر الشارع مطلقا تفريطا منه، مع تجويزه أن يريد بخطابه خلاف ظاهره.

فإن سلكوا طريقة أخرى: وهو أنه لا يحتج بالسمع على شيء من المسائل العلمية، وقالوا: المعاد ونحوه معلوم بالضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، كما علم وجوب الصلاة، وأجابوا به ابن سينا، كان هذا أيضا جوابا لأهل الإثبات، فإن إثبات الأسماء والصفات، والأفعال معلوم بالضرورة، بل وإثبات العلو أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية