الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيقال: هذا الذي قاله من كون الحق تعالى عند العارف هو المراد المعبود لنفسه، لا يراد لغيره، فيكون هو الواسطة إلى ذلك الغير، ويكون ذلك الغير هو الغاية - كلام صحيح، وهو من مبادئ ما يتكلم [ ص: 60 ] فيه أهل الإيمان والإرادة، بل هو من شعائرهم ومن أشهر الأمور عندهم.

وقد قال تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه [سورة الأنعام: 52].

وقال تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [سورة الليل: 19-21].

وقال تعالى: وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما [سورة الأحزاب: 29].

وقال تعالى: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [سورة المائدة: 54].

وقال: والذين آمنوا أشد حبا لله [سورة البقرة: 165].

وقال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا [سورة التوبة: 24].

وقد قال تعالى: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا [سورة النساء: 125].

[ ص: 61 ] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".

وفي الصحيحين أنه قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

وفي الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال: " والله يا رسول الله [ ص: 62 ] لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال: الآن يا عمر".

فإذا كان هذا في حب الرسول، التابع لحب الله، فكيف في حب الله الذي إنما وجب حب الرسول لحبه، والذي لا يجوز أن نحب شيئا من المخلوقات مثل حبه؟! بل ذلك من الشرك.

قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [سورة البقرة: 165]، وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له.

والعبادة تجمع كمال الحب مع كمال الذل، فلا يكون أحد مؤمنا حتى يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، وأن يعبد الله مخلصا له الدين.


التالي السابق


الخدمات العلمية