الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك".

فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لم يعط أهل الجنة [ ص: 65 ] شيئا أحب إليهم من النظر إليه، وهذا غاية مراد العارفين، وهذا موجب حبهم إياه لذاته لا لشيء آخر.

فمن قال: إنه لا يحب لذاته، ولا يتلذذ بالنظر إليه، كما تزعمه طائفة من أهل الكلام والرأي فقد أخطأ، ومن قال: إن محبة ذاته وإرادة ذاته لا تتضمن حصول لذة العبد بحبه، ولا يطلبه العبد ولا يريده، بل يكون العبد محبا مريدا لما لا يحصل له لذة به، فقد أبطل.

ومن قال: إن العبد يفنى عن حظوظه وإراداته، وأراد بذلك أنه يفنى عن حظوظه وإراداته المتعلقة بالمخلوقات فقد أصاب، وأما إن أراد أن يفنى عن كل إرادة وحب، وتبقى جميع الأمور عنده سواء، فهذا مكابر لحسه ونفسه.

وكل مراد محبوب لذاته فلا معنى لكونه مرادا محبوبا لذاته إلا أن ذاته هو غاية مطلب الطالبين، بمعنى أن ما يحصل لهم من النعيم واللذة هو غاية مطلوبهم، لا يطلبونها لأجل غيرها. فأما بتقدير أن تنتفي كل لذة، فلا يتصور حب، فإن حب ما لا لذة في الشعور به ممتنع.

[ ص: 66 ] وعلى هذا فقول القائل: "العارف يريد الحق الأول لا لشيء غيره، ولا يؤثر شيئا على عرفانه" لا منافاة بينهما.

وكذلك قوله: "وتعبده له فقط" لا ينافي قوله "ولأنه مستحق للعبادة ولأنها نسبة شريفة إليه" بل كونه تعبده له فقط إنما كان محمودا لأنه مستحق للعبادة، وإنما انبغى للعبد أن يفعلها لأنها نسبة شريفة، وإلا فلو فعل العبد ما لا خير فيه كان مذموما، لكن يفرق بين من يكون قد عرف الله معرفة أحبه لأجلها، وبين من سمع مدح أهل المعرفة، فاشتاق إلى كونه منهم، لما في ذلك من الشرف، فإن هذا في الحقيقة إنما مراده تعظيم نفسه وجعل المعرفة طريقا إليها.

التالي السابق


الخدمات العلمية