الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وليس فيما ذكره أبو حامد والآمدي إبطال لطريقة المعتزلة، ومن وافقهم، على أن تخصيص الحدوث بأحد الزمانين لا بد له من مخصص، فإن تلك لا تفتقر إلى إبطال التسلسل في العلل والمعلولات. ومدار كلام أبي حامد على أنه لا فرق بين نفي النهاية في الحوادث ونفيها في العلل. وأنتم تجوزونها في الحوادث، فجوزوها في العلل.

والناس لهم في هذا المقام قولان: أحدهما: قول من يبطل عدم [ ص: 158 ] النهاية فيهما جميعا، مثل كثير من أهل الكلام: المعتزلة ومن وافقهم.

ثم من هؤلاء من يبطل عدم النهاية في الأزل والأبد، كقول جهم والعلاف. وأكثرهم يبطلونها في الأزل دون الأبد، لأن من دين المسلمين دوام نعيم الجنة لا إلى نهاية. ولهذا قال جهم بانقطاع نعيم الجنة، وقال العلاف ببطلان حركاتهم.

والثاني: قول من يبطل عدم النهاية في الفاعلين والعلل دون الحوادث والآثار، كما هو قول جمهور الفلاسفة من القائلين بحدوث العالم والقائلين بقدمه، وهو قول طوائف من أهل الكلام، من المعتزلة والأشعرية وهو قول جمهور أهل الحديث وأئمة السنة.

وما ذكره أبو حامد من الكلام على بطلان حجة من ينفي عدم النهاية، هو أنه لا يلزم أن ما صدق على الآحاد صدق على الجميع، كما قاله هؤلاء في الحوادث، بخلاف ما قاله أبو الحسين البصري، وغيره من أهل الكلام، من أنه ما صدق على الآحاد صدق على الجميع، ثم سوى أبو حامد بين الأمرين.

وقد تكلمنا في غير هذا الموضع على الفرق بين الأمرين، وهو أن الوصف إذا ثبت للجميع كثبوته للأفراد، كان حكم الجميع حكم أفراده، وإن لم يكن ثبوته للجميع كثبوته للأفراد، لم يلزم أن يكون [ ص: 159 ] حكمها حكمه، فالأول مثل وصفها بالوجود، أو العدم، أو الوجوب، أو الإمكان، أو الامتناع، فإذا قدر أشياء لا تتناهى، كل منها موجود، فالكل أيضا موجود.

ثم إن قدر وجود كل منها مقارنا للآخر، كان وجود الجميع مقارنا، وإن قدر وجودها متعاقبة كان وجود الجملة متعاقبا. وإذا قدرت كلا منها معدوما فالكل أيضا معدوم، وإذا قدرت عدم كل منها مع عدم الآخر كانت معدومة معا، وإذا قدرت عدم كل منها بعد الآخر، كانت متعاقبة في العدم.

فالحوادث المتعاقبة التي تعدم بعد وجودها - كالحركات - وجودها متعاقب، وعدمها متعاقب. فالجملة أيضا موجودة على التعاقب، معدومة على التعاقب. وإذا قدر أشياء لا تتناهى ممتنعة، فالجملة ممتنعة، ولو قدر أشياء لا تتناهى واجبة، فالجملة أيضا واجبة، فكذلك إذا قدر أمور لا تتناهى، ليس لشيء منها وجود من نفسه، بل كل منها مفتقر إلى غيره، فوصف الافتقار والحاجة والإمكان يجب تناوله للجملة، كتناوله لكل من أفرادها، كما يتناول وصف الوجود والعدم، والوجوب والامتناع، للجملة بحسب تناوله للأفراد، فلا تكون الجملة إلا مفتقرة محتاجة ممكنة، لا تكون معدومة مع وجود كل منها، [ ص: 160 ] ولا تكون واجبة بنفسها مع إمكان كل منها، فإن اجتماعها عرض مفتقر إلى الممكنات، فهو أولى بالإمكان منها.

التالي السابق


الخدمات العلمية