الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب أبي ثوبان يزعمون [ ص: 348 ] أن الإيمان هو الإقرار بالله ورسله وما كان لا يجوز في العقل إلا أن يفعله، وما كان جائزا في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان.

والفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها، والخضوع له بجميع ذلك والإقرار باللسان، فمن جهل شيئا من ذلك وقامت عليه حجة أو عرفه ولم يقر به كفر، ولم تسم كل خصلة من ذلك إيمانا كما حكينا عن أبي شمر، وزعموا أن الخصال التي هي إيمان إذا وقعت فكل خصلة منها طاعة، فإن فعلت خصلة منها ولم تفعل الأخرى لم تكن طاعة؛ كالمعرفة بالله إذا انفردت من الإقرار لم تكن طاعة، لأن الله أمر بالإيمان جملة أمرا واحدا، [ ص: 349 ] ومن لم يفعل ما أمر به لم يطع، وزعموا أن [ترك] كل خصلة من ذلك معصية، فإن الإنسان لا يكفر بترك خصلة واحدة، وأن الناس يتفاضلون في إيمانهم، ويكون بعضه أعلم بالله وأكثر تصديقا له من بعض، فإن الإيمان يزيد ولا ينقص، وأن من كان مؤمنا لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بالكفر، وهذا قول [الحسين بن] محمد النجار وأصحابه.

والفرقة السابعة الغيلانية أصحاب غيلان يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله الثانية، والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء [ ص: 350 ] به الرسول وبما جاء من عند الله تعالى، وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان، وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية أنهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الإيمان أنه لا يقال لهما إيمان إذا انفردت، ولا يقال لها بعض إيمان إذا انفردت، وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان، وأنهم خالفوا في العلم، فزعموا أن العلم بأن الأشياء محدثة مدبرة ضرورية، والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب، وجعلوا العلم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء من عنده اكتسابا، وزعموا أن من الإيمان إذا كان الذي [جاء] من عند الله منصوصا بإجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئا من الدين مستخرجا إيمانا.

قال: "وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون أن يكون من الكفار إيمان، وأن يقال: فيهم بعض إيمان إذ كان الإيمان لا يتبعض عندهم، وذكر زرقان عن غيلان أن الإيمان هو الإقرار باللسان [ ص: 351 ] وهو التصديق، وأن المعرفة بالله فعل الله وليست من الإيمان في قليل ولا كثير، واعتل بأن الإيمان في اللغة هو التصديق".

والفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب محمد بن شبيب يزعمون أن الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنه واحد ليس كمثله شيء، والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون، ونقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف بينهم فيه ولا تنازع، وما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الأشياء فإن الراد للحق لا يكفر، وذلك أنه إيمان واستخراج، ليس يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به من عند الله تعالى ولا [يرد] على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ونصوا عليه، والخضوع لله هو ترك الاستكبار، وزعموا أن إبليس قد عرف الله تعالى وأقر به، وإنما كان كافرا لأنه استكبر، ولولا استكباره لما كان كافرا، وأن الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله، وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان ويكون صاحبها كافرا بترك بعض الإيمان، ولا يكون مؤمنا إلا بإصابة الكل، وكل رجل يعلم أن [ ص: 352 ] الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الأنبياء، فهو كافر بجحده الأنبياء وفيه خصلة من الإيمان وهي معرفته بالله، وذلك أن الله أمره أن يعرفه وأن يقر بما كان عرف فإذا لم يقر أو عرف الله وجحد أنبياءه، فإذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما أمر به، وإذا كان الذي أمر به كله إيمان فالواحد منه بعض إيمان.

التالي السابق


الخدمات العلمية