الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله ورسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بما معهم من الفسق.

والفرقة التاسعة من المرجئة: أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير.

قال: "وذكر أبو عثمان الآدمي أنه اجتمع أبو حنيفة [ ص: 353 ] وعمر بن عثمان الشمزي بمكة فسأله عمر فقال له: أخبرني عمن زعم أن الله تعالى حرم أكل الخنزير غير أنه لا يدري لعل الخنزير الذي حرمه الله ليس هي هذه العين. فقال: مؤمن! فقال عمر: فإنه قد زعم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير أنه لا يدري لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا، فقال: هذا مؤمن! قال: فإن قال: أعلم أن الله بعث محمدا وأنه رسول غير أنه لا يدري لعله هو الزنجي قال: هذا مؤمن!. ولم يجعل أبو حنيفة شيئا من الدين مستخرجا إيمانا، وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا يتفاضل الناس فيه".

قال: "فأما غسان وأكثر أصحاب أبي حنيفة فإنهم يحكون [ ص: 354 ] عن أسلافهم أن الإيمان هو الإقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه، وترك الاستخفاف بحقه، وأنه لا يزيد ولا ينقص.

والفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني يزعمون أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرا، فتلك الخصال التي يكفر بتركها أو ترك خصلة منها إيمان، ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض [إيمان]، وكل طاعة إذا تركها التارك لم يجمع [ ص: 355 ] المسلمون على كفره فتلك الخصلة شريعة من شرائع الإيمان، تاركها إن كانت فريضة يوصف بالفسق فيقال له إنه فسق ولا يسمى بالفسق، ولا يقال فاسق، وليس تخرج الكبائر من الإيمان إن لم يكن كفر، فتارك الفرائض مثل الصلاة والصوم والحج على الجحود لها والرد لها والاستخفاف بها كافر [بالله] وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود وإن تركها غير مستحل لتركها متشاغلا مسوفا، يقول الساعة أصلي، وإذا فرغت من لهوي ومن عملي فليس بكافر إذا كان غرضه أن يصلي يوما ووقتا من الأوقات، ولكن نفسقه، وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبيا أو لطمه كفر، وليس من أجل اللطمة والقتل كفر، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له، وكان يزعم أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي لله، وكل المرجئة يقولون إنه ليس في أحد من الكفار إيمان بالله.

والفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب بشر المريسي يقولون إن الإيمان هو التصديق، لأن الإيمان في اللغة هو [ ص: 356 ] التصديق، وما ليس بتصديق فليس بإيمان، ويزعم أن التصديق يكون بالقلب واللسان جميعا.

وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي قال: "وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية، فليس يجوز أن [يكون] الكفر إلا ما كان في اللغة كفرا، ولا يجوز أن يكون إيمانا إلا ما كان في اللغة إيمانا، وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر، ولكنه علم على الكفر لأن الله تعالى بين لنا أنه لا يسجد للشمس إلا كافر".

التالي السابق


الخدمات العلمية