الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثامن: أن قوله: «فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا». وأنه يبدي العلامة التي ذكرها، فيسجدون له؛ صريح بأن الذي يسجدون له قد جاء في الصورة التي يعرفون، ويتجلى لهم في الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وذلك صريح بأن الله هو الآتي في الصورة التي عرفوه فيها، وسجدوا له لما عرفوه.

الوجه التاسع: قوله: «يحتمل أن يكون المراد إذا جاء إحسان ربنا عرفناه»، وقوله: «فيأتيهم الله في الصورة التي [ ص: 92 ] يعرفون»، معناه «فيأتيهم الله بالصورة التي يعرفون أنها من أمارات الإحسان».

فيقال له: هذا أولا باطل؛ فإن المراد إذا كان المعرفة بآياته فهو يظهر آيات العقاب تارة وآيات الإحسان تارة، وهو الخالق لكل شيء. وقد قال تعالى لما ذكر ما ذكره في سورة النجم: فبأي آلاء ربك تتمارى [النجم: 55] وكذلك لما ذكر آياته في سورة الرحمن، وقال تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها [النمل: الآيات 91-93] وقال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [فصلت: 53] وإذا كانت معرفة الله بالآيات ليست موقوفة على الإحسان بطل هذا.

الوجه العاشر: أن يقال: فلم لم يظهر لهم بعد ذلك شيئا من الإحسان غير تجليه هو؟ فلو كان المراد إحسانه لوجب أن لا يعرفوه حتى يخلق شيئا من نعمه في العرصة قبل معرفتهم له وسجودهم له، ولما عرفوه وسجدوا له قبل أن يخلق شيئا من ذلك علم أنه ليس المراد، فإذا جاء إحسان ربنا عرفناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية