الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بالوجه السابع عشر: وهو أن ابن عربي صاحب [ ص: 207 ] الفصوص قال في الكلمة النوحية: ومكروا مكرا كبارا [نوح: 22]. لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية (ادعو الله) فهذا عين المكر على بصيرة، فنبه أن الأمر كله له، فأجابوه مكرا كما دعاهم مكرا، فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسماؤه، فقال: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم: 85]. فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين، فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [نوح: 23]. فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله من المحمديين: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [الإسراء: 23]. أي: حكم، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي [ ص: 208 ] صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره، ولهذا قال: قل سموهم [الرعد: 33]. فلو سموهم لسموهم حجرا وشجرا وكوكبا، ولو قيل لهم: من عبدتم؟ لقالوا: إلها، ما كانوا يقولون: الله، ولا الإله، والأعلى ما تخيل، بل قالوا: هذا مجلى إلا هي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر، والأدنى صاحب التخيل يقول: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]. والأعلى العالم يقول: فإلهكم إله واحد فله أسلموا [الحج: 34]. الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا إلها، ولم يقولوا: طبيعة وقد أضلوا كثيرا [نوح: 24]. أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب ولا تزد الظالمين [ ص: 209 ] [نوح: 24]. لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة فقدم على المقتصد والسابق إلا ضلالا [نوح: 24]. إلا حيرة المحمديين زدني فيك تحيرا كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا [البقرة: 20]. فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب، فلا يبرح منه، وصاحب الحركة الدورية مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إلى غايته، فله من وإلى وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية لا بد له فيلزمه من ولا غاية، فيحكم عليه إلى قلة الوجود الأتم، وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم: مما خطيئاتهم فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة فأدخلوا نارا في عين الماء في المحمديين، وإذا البحار سجرت [التكوير: 6]. سجرت التنور إذا أوقدته فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا [نوح 25]. فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد، فلو أخرجهم إلى السيف سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله [ ص: 210 ] وبالله، بل هو الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية