الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 343 ] وأما قوله سبحانه وتعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة :13 - 14] ، فليس على وجه التأكيد المجرد ، بل [المراد] التقييد بالمرة الواحدة ، ولما كانت النفخة قد يراد بها الواحدة من الجنس ، وقد يراد بها مطلقة ، كما [في] البقلة ، وحبة الحنطة ، واللعنة ، والهمة ، ونحوها ، وكان المراد التقييد بالمرة الواحدة من هذا الجنس ، أتى بالواحدة ليدل على هذا المعنى ، أي : أن النفخ لم يكن نفختين ، ولم يك [دك] الأرض والجبال بعد حملهما دكتين ، بل واحدة فقط ، فعل المقتدر على الشيء المتمكن منه ، ونظيره قوله تعالى : إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون [يس :53] .

ونظيره قوله تعالى : إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون [يس :29] ، أي : لم يتابع عليهم الصيحة ، بل أهلكناهم من صيحة واحدة .

وأما قوله سبحانه وتعالى : كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر :21 - 22] ، فليس للتأكيد كما يظنه طائفة من الناس ، وإنما المراد الدك المتتابع ، أي : دكا بعد دك .

وهذا لا يفهم من قوله سبحانه : دكت الأرض دكا ، فقوله : دكا دكا فيه قدر زائد على مجرد الدك ، وكذلك قوله تعالى : صفا صفا ، ليس للتأكيد إذ المراد صفا بعد صف ، أي : صفا يتلوه صف ، وهو لا يفهم من قوله تعالى : وجاء ربك والملك صفا ؛ لاحتمال أن يكونوا [ ص: 344 ] صفا واحدا ، بل هذا يكون ظاهر الكلام .

ونظير هذا الحديث في صفة جماع أهل الجنة : «دحما دحما » ، أي : وطأ بعد وطء .

وأما قوله سبحانه وتعالى : إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة :1] ، فليس من التكرار من شيء ، فإن إضافة الزلزال يفيد معنى زائدا ، وهو زلزالها المختص بها المعروف منها المتوقع منها ، كما تقول : غضب زيد غضبه ، وقاتل قتاله ، أي : غضبه الذي يعهد منه ، وقتاله المختص به الذي يعرف منه ، ومنه :


أنا أبو النجم وشعري شعري



وأما قوله سبحانه وتعالى : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [التحريم :6] ، فهما جملتان مفيدتان معنيين :

أحدهما : أن الله سبحانه إذا أمرهم بالأمر لا يعصونه في أمره .

والثانية : أنهم لا يفعلون شيئا من عند أنفسهم إنما فعلهم ما أمرهم به ربهم ، فهم يفعلون ما يؤمرون لا ما لا يؤمرون ، بل أفعالهم كلهم [ ص: 345 ] ائتمار وطاعة [لأمر] ربهم .

وأما قوله سبحانه وتعالى : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [يونس :99] ، فكلهم يفيد الإحاطة والعموم ، ولا يلزم من قوله : لآمن من في الأرض أن يكونوا كلهم قال وذلك على الأكثر منهم ، فكلهم رافع لهذا التوهم .

وأما قوله سبحانه : جميعا ، فليس بتأكيد ، ولو كان تأكيدا لقال : أجمعون ، ولم يكن منصوبا ، وإنما هو حال ، أي : مجتمعون على الهدى ، كما قال تعالى : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى [الأنعام :35] .

ومثله قوله تعالى : أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا [الرعد :31] ، ولو كان «جميعا » هنا تأكيدا لقال : أجمعين .

وأما قوله تعالى : فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر :30 ، وص :73] ، فالكلام في كلهم كما في لآمن من في الأرض كلهم [يونس :99] .

وأما أجمعون فقد قالت طائفة منهم الزمخشري وغيره : أنه يفيد معنى زائدا غير ما يفيده كلهم ، وهو أن سجودهم وقع في وقت واحد ، فاجتمعوا في السجود ولم يتخلف منهم أحد ، فهما فائدتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية