الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فإما أن يجعل الظهار كناية في الطلاق، وإما أن لا يجعل، فمن جعله كناية فيه فقد أتى بقول أهل الجاهلية الذي أبطله القرآن، [ ص: 389 ] ومن لم يجعله كناية فإما أن يقيس عليه ما كان في معناه فلا يقع به طلاق، وإما أن لا يقيس، فإن لم يقس فإنه يقول: اللفظ إذا كان صريحا في حكم ووجد نفاذا لم يكن كناية في غيره، وجعلوا هذا هو عمدتهم في الفرق بين الطلاق بالظهار والطلاق بغيره، فيقولون: الظهار صريح في حكم، وقد وجد نفاذا فيه، فلا يكون كناية في الطلاق، بخلاف غيره من الألفاظ، مثل لفظ الحرام والخلية والبرية، فإن تلك ليست صريحة في حكم، فلهذا كانت كناية في الطلاق.

فيقال: هذا الفرق باطل من وجوه:

أحدها: أن قول القائل "اللفظ إذا كان صريحا في حكم ووجد نفاذا لم يكن كناية في غيره" دعوى مجردة لم يقم عليها دليلا، ولم يثبتها بنص ولا إجماع ولا قياس صحيح.

الوجه الثاني: أن يقال: هذه الدعوى باطلة، فإن اللفظ الصريح في حكم ليس من شرطه أن لا يكون مستعملا في غيره، لا مطلقا ولا مقيدا، بل ولا يجب أن يكون نصا فيه، بل إذا كان ظاهرا فيه بحيث يكون هو المفهوم عند الإطلاق فهو صريح فيه، وإن كان محتملا لغيره، وإن كان قد يراد به غيره مع التقييد والقرينة، وحينئذ فإذا كان صريحا في حكم فمعناه أن المفهوم منه عند الإطلاق هو المعنى المقتضي لذلك الحكم. كلفظ التطليق، هو عند الإطلاق يفهم منه إيقاع الطلاق، وإن قيل: إنه صريح في المعنى الموجب للحكم فهو صريح في الإيقاع المقتضي للوقوع، وكذلك إن قيل: هو صريح فيهما. وإذا كان هذا معنى الصريح أمكن أن يكون مستعملا في معنى آخر يريده به المتكلم مع القرينة، وحينئذ فلا يكون صريحا في معنى مانعا عن استعماله في معنى آخر، كسائر الألفاظ التي هي ظاهرة في [ ص: 390 ] معنى وتستعمل في غيره مع القرينة.

الوجه الثالث أن يقال: عامة الألفاظ الصريحة في معنى وحكم تكون كناية في غيره مع وجود النفاذ، كلفظ التطليق، فإنه صريح في الإيقاع إيقاع الطلاق، ثم إذا قال: أنت طالق من وثاق، أو من زوج كان قبلي، أو من نكاح قبل هذا، ووصله بهذا لم يقع بها طلاق، وهذا مما لا أعلم فيه نزاعا، ولو قصد ذلك بقلبه فقال: أنت طالق، ومراده من وثاق، أو من الحبل الذي كنت مقيدة به، أو من زوج قبلي، أو مني قبل هذا النكاح، فإنه لا يقع به الطلاق في الباطن، بل يدين فيما بينه وبين الله. وهل يقبل في الحكم؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، فاللفظ صريح، ووجد نفاذا، ومع هذا كان كناية في الطلاق من الوثاق.

وفي حديث فيروز الديلمي لما خيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين زوجتيه، وكان قد جمع بين الأختين، قال: فعمدت إلى إحداهما، فطلقتها.

أراد بتطليقها إرسالها وتسريحها، وإلا فإحداهما قد حرمت عليه، لا تحتاج إلى طلاق. وهذه الفرقة عند الشافعي وأحمد وغيرهما فسخ لا طلاق، وقد سماها طلاقا.

التالي السابق


الخدمات العلمية