الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومعنى قوله ثم يعودون لما قالوا أي إلى الذي امتنعوا عنه بقولهم، فإن القول إذا كان خبرا فالمقول هو المخبر عنه، وإن كان أمرا فالمقول هو المأمور به، وإن كان نهيا فالمقول هو المنهي عنه. [ ص: 407 ]

والظهار في معنى المنهي، فإن مقصود المظاهر أن يحرم عليه امرأته، وينهى نفسه عن اتخاذها زوجة، فلا يطأها، فمقوله هو ما نهى عنه نفسه من اتخاذها زوجة والاستمتاع بها، فإذا عاد إلى ذلك فقد عاد إلى ما نهى عنه نفسه، وهو مقوله، وهذا العود يتضمن رجوعه وندمه، ولفظ العود يدل على ذلك، ولهذا فسر ابن عباس العود بالندم، فقال: يندمون، يرجعون إلى الألفة . قال الفراء : يقال: عاد فلان لما قال، أي: فيما قال، وفي بعض ما قال، يعني رجع عما قال. ولهذا قال الشافعي: إذا أمسكها لحظة فقد عاد.

لكن يقال: مجرد الكف لا يكون عودا، فإنه قد يكون اعتقد أن الظهار حرمها عليه ووقع به الطلاق، فلا يحتاج إلى طلاق ثان، وقد تكون نيته أن يطلقها فيما بعد، أو يطلقها إذا جاء وقت الطلاق المشروع، وقد يكون مترددا هل يطلقها أو يمسكها، فمجرد مرور لحظة لا يوجب أن يقال: إنه عاد.

وإذا عزم على الوطء فليس له أن يطأ حتى يكفر بنص القرآن واتفاق الناس، لكن لو رجع عن هذا العزم، وبدا له أن يطلقها، أو مات أحدهما قبل الوطء، فقد قيل: إنه تستقر عليه الكفارة؛ لأنه عاد، والصحيح الذي عليه جمهور السلف أن الكفارة لا تستقر إلا بالوطء، فأما مجرد العزم فلا يوجب شيئا، فإن في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به". وهذا عازم على العود، ولم يعد بعد، وإنما [ ص: 408 ] يكون عائدا إذا وطئها. فقوله ثم يعودون كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ، وقوله إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن .

ومعلوم أن المراد إذا عزمت.

التالي السابق


الخدمات العلمية