الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

فيمن قال: صلاة الجماعة ليست بواجبة، وإنما كانت واجبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومعه فقط.

قيل له: فقد قال بعض العلماء: إن من ترك الجماعة وصلى في بيته فهو منافق، فقال: من قال هذا هو المنافق، وقال: إنه لا يوجد اليوم منافق، وإنما كان النفاق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يقال اليوم: زنديق، ولا يقال: منافق.

فهل ما قاله هذا الرجل صحيح أم لا؟

أجاب

الحمد لله، أما من قال: إن صلاة الجماعة كانت واجبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومعه فقط، فهذا القول مخالف لأقوال الأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين، بل ما نعلم إماما قال هذا، وإنما قال هذا بعض العلماء في صلاة الخوف خاصة، زعم أنها كانت تصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وجمهور الأئمة على خلاف ذلك. وأما الجماعة المعروفة فالأئمة متفقون فيها على خلاف قول هذا القائل، فمنهم من يقول: هي واجبة على الأعيان على عصر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأعصار على من يصلي خلفه ومن يصلي خلف غيره. ومنهم من [ ص: 128 ] يقول: هي واجبة على الكفاية على عصره وعصر غيره خلفه وخلف غيره، ومنهم من يقول: هي سنة مؤكدة على عصره وعصر غيره خلفه وخلف غيره. وأما وجوبها في عصره معه فقط، فهذا قول مخالف لأقوال أئمة الإسلام، وما سمعت عالما قال هذا.

وقد كانت الجماعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تقام خلفه وخلف غيره من أئمة القبائل، وكان في كل دار من دار الأنصار مسجد، أي في كل قبيلة من قبائل الأنصار مسجد، وكان لهم إمام راتب يصلون خلفه، كما كان معاذ بن جبل يصلي بأهل قباء، وكان غسان بن مالك يصلي بقومه، وكذلك غيرهما من الأئمة. وأما الجمعة فلم تكن تقام إلا في مسجده، فمن قال: إن الصحابة كلهم كان يجب عليهم أن يصلوا خلفه الجماعة كما كان يجب عليهم أن يصلوا خلفه الجمعة فقد أخطأ خطأ بينا، وقال قولا معلوم الفساد بالتواتر والإجماع.

التالي السابق


الخدمات العلمية