الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

في رجل له دكان يبيع فيها ويشتري، وهي بقرب المسجد من غير حائل بينهما، فهل يجب عليه إذا أقيمت الصلاة وحضرت الجماعة أن يصلي منفردا في الدكان ويترك الجماعة؟ وهل يوجب أن يؤخر الصلاة مع الجماعة ويصلي في البيت ويقول: أنا أؤخر الصلاة إلى نصف الليل وأصلي في بيتي؟

الجواب

لا يجب عليه باتفاق المسلمين أن يصلي منفردا في الحانوت، بل هو مأمور باتفاق المسلمين أن يصلي مع الجماعة، وإنما يأمر بالصلاة منفردا دون الجماعة أهل البدع المضلة كالرافضة، وبعض ضلال النساك ونحوهم، وأما أهل السنة والجماعة فمن أعظم شعائرهم الصلاة في الجمعة والجماعة.

والصلاة في الجماعة من أوكد ما شرعه الله ورسوله، بل هي واجبة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد [ ص: 137 ] هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أنطلق معي رجال معهم حزم الحطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق بيوتهم بالنار". وفي رواية : "لولا ما في البيوت من النساء والذرية". فبين صلى الله عليه وسلم أنه إنما يمنعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة أن في البيوت نساء وذرية.

وفي الصحيح أن أعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "هل تسمع النداء"؟ قال: نعم، قال: "فأجب". وفي رواية: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم، قال: "لا أجد لك رخصة". وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: شرع الله لنبيه سنن الهدى، وإن هذه الصلوات الخمس في المساجد التي يؤذن بها من سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.

وإذا ظهر من الرجل الانفراد بما يجب عليه من الصلاة وواجباتها فإنه يستحق على ذلك العقوبة البليغة، التي تحمله وأمثاله على أداء [ ص: 138 ] الواجبات وإقامة شرائع الدين، ومتى ادعى ما يظهر خلافه لم يقبل منه، بل يؤمر أن يصلي مع المسلمين، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب أحدهم الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام، فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا".

ومن قال: إنه يؤخر العشاء حتى يصليها بعد نصف الليل، فإنه لا يقر على ذلك، بل يعاقب حتى يصلي الصلاة في وقتها وقت الاختيار، فإن تأخير العصر إلى ما بعد الاصفرار وتأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل لا يجوز مع القدرة، بل يجوز ذلك لمن لم تمكنه الصلاة وقت الاختيار، كالحائض تطهر، والمجنون يفيق، والنائم يستيقظ، والكافر يسلم، ونحو ذلك، والله أعلم. [ ص: 139 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية