الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم انتشرت الفتوح والمغازي في خلافة عمر بن الخطاب ، ففي خلافته فتحت الشام كلها ، ومصر ، والعراق ، وبعض خراسان .

ثم فتحت بعض المغرب وتمام خراسان وقبرص وغيرها في خلافة عثمان .

ثم لما قتل كان المسلمون مشتغلين بالفتنة ، فلم يتفرغوا لقتال الكفار وفتح بلادهم ، بل استطال بعض الكفار عليهم حتى احتاجوا إلى مداراتهم ، وبذلوا لبعضهم مالا . ولما اجتمعوا فتحوا في خلافة معاوية ما كان قد بقي من أرض الشام وغيرها . وكان معاوية أول الملوك . وكانت [ولايته] ولاية ملك ورحمة .

فلما ذهبت إمارة معاوية كثرت الفتن بين الأمة ، ومات سنة ستين ، وكان قد مات قبله عائشة والحسن وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وزيد بن ثابت وغيرهم من أعيان الصحابة ، ثم بعده مات ابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وغيرهم من علماء الصحابة .

فحدث بعد الصحابة من البدع والفتن ما ظهر به مصداق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكان المسلمون لما كانوا مجتمعين في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يكن لأهل البدع والفجور ظهور ، فلما قتل عثمان وتفرق الناس ظهر أهل البدع والفجور ، وحينئذ ظهرت الخوارج ، فكفروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومن والاهما حتى قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب طاعة لله ورسوله وجهادا في سبيله . [ ص: 157 ]

واتفق الصحابة على قتالهم ، لم يختلفوا في ذلك كما اختلفوا في الجمل وصفين . وقد صح الحديث فيهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الإمام أحمد بن حنبل من عشرة أوجه . وقد رواها مسلم في صحيحه ، وروى البخاري حديثهم من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثت أيضا الشيعة ، منهم من يفضل عليا على أبي بكر وعمر ، ومنهم من يعتقد أنه كان إماما معصوما نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على خلافته ، وأن الخلفاء والمسلمين ظلموه ، وغاليتهم يعتقدون أنه إله أو نبي ، والغالية كفار باتفاق المسلمين ، فمن اعتقد في نبي من الأنبياء كالمسيح أنه إله ، أو في أحد من الصحابة كعلي بن أبي طالب ، أو في أحد من المشايخ كالشيخ عدي أنه إله ، أو جعل فيه شيئا من خصائص الإلهية فإنه كافر يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

وقد عاقب علي بن أبي طالب طوائف الشيعة الثلاثة فإنه حرق الغالية الذين اعتقدوا إلهيته بالنار ، وطلب قتل ابن سبإ لما بلغه أنه يسب أبا بكر وعمر فهرب منه . وروي عنه أنه قال : لا أؤتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . وقد تواتر عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . ولهذا كان [ ص: 158 ] أصحابه الشيعة متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر عليه .

ثم في أواخر عصر الصحابة حدثت المرجئة والقدرية ، ثم في أواخر عصر التابعين حدثت الجهمية ، فإنما ظهرت البدع والفتن لما خفيت آثار الصحابة . فإنهم خير قرون هذه الأمة وأفضلها ، رضي الله عنهم وأرضاهم .

والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

(بلغ مقابلة على الأصل ، ولله الحمد) .

التالي السابق


الخدمات العلمية