الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما من عمل أعمال الحج والعمرة فهذا عليه أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس له أن يجتاز بالمواقيت بلا إحرام، بالسنة واتفاق العلماء. وهو كمن أراد الصلاة، عليه أن يصليها على الوجه المشروع، فيصليها بطهارة وقصد إلى القبلة، وإن كانت الصلاة تطوعا غير فرض، لكن ليس له أن يصلي إلا على الوجه المشروع.

كذلك الحج والعمرة وإن كان متطوعا، فليس له أن يحج ويعتمر إلا على الوجه المشروع. فلو قال: أنا أدخل بلا إحرام، وأطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، لم يكن له ذلك. وكذلك لو قال: أنا أدخل بلا إحرام، وأقف بعرفة ومزدلفة وأرمي الجمار، لم يكن له ذلك بالسنة واتفاق العلماء.

ولو قال: أنا أريد الوقوف فقط، فأذهب في شأني غير محرم إلى عرفة، فأقف مع الناس وأرجع، فهذا أولى بالمنع، لأن ذاك ترك الإحرام وحده، وهذا ترك الإحرام وتوابع الوقوف. والوقوف بعرفة إنما شرعه الله بعمل قبله - وهو الإحرام -، وعمل بعده - وهو الوقوف بالمشعر الحرام وسائر المناسك-، قال تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [ ص: 208 ] إلى قوله *واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون .

فأمر سبحانه الناس إذا أفاضوا من عرفات أن يذكروه عند المشعر الحرام، وهو مزدلفة كلها بالسنة واتفاق العلماء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفة: "هذا الموقف، وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة". وقال في مزدلفة: "هذا الموقف، ومزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر". وقال: "منى كلها منحر، وفجاج مكة كلها منحر" . وأمر الناس بقضاء مناسكهم أي: إتمامها وإكمالها. وأمرهم أن يذكروه في أيام معدودات، وهن أيام التشريق، وفيها يرمى الجمار الثلاث، ويذكر الله عند رمي الجمار بدعاء بين كل جمرتين. ومزدلفة المبيت بها والوقوف بها ورمي الجمار بمنى واجب عند العلماء قاطبة، ومنهم من جعل الوقوف بمزدلفة ركنا.

فهذا الذي وقف بعرفة إن لم يفعل ما أمره الله من هذه الأعمال فقد عصى الله ورسوله، وترك ما أوجبه الله. وإن فعل ذلك بغير إحرام، وقال: كنت حاجا، فهو أيضا عاص لله ورسوله، فإن هذه هي أفعال الحج، وليس للإنسان أن يأتي بالعبادة بلا قصد التعبد، فإن هذا استهزاء بآيات الله. وهو بمنزلة من يقوم ويركع ويقرأ ويسجد، ويقول: لست مصليا، فلا أحتاج إلى وضوء.

التالي السابق


الخدمات العلمية