الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك تنازعوا في دوام الحدوث ووجود ما لا يتناهى منها في الماضي والمستقبل : هل هو ممتنع في الماضي والمستقبل؟ كما يقوله الجهم وأبو الهذيل ، أو هو جائز في المستقبل ممتنع في الماضي؟ كما يقوله كثير من المتكلمين ، أم هو جائز فيهما ، كما يقوله أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة ، لكن أئمة أهل الملل لا يجوزون ذلك إلا في قديم واحد ، لا يجوزون أن يكون شيئان كل منهما قديم أزلي يقوم به حوادث لا بداية لها ولا نهاية ، فيكون ما لا يتناهى لا في الماضي ولا في المستقبل قابلا لأن يزاد عليه .

وهذا المحال إنما يلزم من قال بقدم الأفلاك ، وأما أئمة أهل السنة -كالصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم من أئمة المسلمين- فهؤلاء أتوا بخلاصة المعقول والمنقول ، إذ كانوا عالمين بأن كلا من الأدلة السمعية والعقلية حق ، وأنها متلازمة ، فمن أعطى الأدلة العقلية اليقينية حقها من النظر التام علم أنها موافقة لما أخبرت به الرسل ، ودلته على وجوب تصديق الرسل فيما أخبروا به . ومن أعطى الأدلة السمعية حقها من الفهم علم أن الله أرشد عباده في كتابه إلى الأدلة العقلية اليقينية ، التي بها يعلم وجود الخالق وثبوت صفات الكمال له ، وتنزهه عن النقائص وعن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال ، و [التي تدل] على [ ص: 288 ] وحدانيته ووحدانية ربوبيته ووحدانية إلهيته ، وعلى قدرته وعلمه وحكمته ورحمته ، وصدق رسله ووجوب طاعتهم فيما أوجبوا وأمروا ، وتصديقهم فيما أعلموا به وأخبروا ، وأنهم كملوا بما أوتوا من الهدى ودين الحق للعباد ما كانت تعجز مجرد عقولهم عن بلوغه .

إذ كانت طرق العلم ثلاثة : الحس ، والنظر ، والخبر . فأتباعهم جمع الله لهم غاية الفضائل العلمية والعملية ، ولهذا كانت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس ، فإن الله جمع لهم من الفضائل ما فرقه في غيرهم من الأمم ، فجمعوا إلى ما خصهم الله به ما كان عند غيرهم من أهل الكتاب ومن فلاسفة اليونان والفرس والهند وغيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية