الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 293 ] رسالة إلى السلطان الملك الناصر في شأن التتار [ ص: 294 ] [ ص: 295 ] بسم الله الرحمن الرحيم

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .

يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه [ ص: 296 ] وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .

إلى سلطان المسلمين ، نصر الله به الدين ، وقمع به الكفار والمنافقين ، وأعز به الجند المؤمنين ، وأدالهم به على القوم المفسدين .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وهو للحمد أهل ، وهو على كل شيء قدير . ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .

أما بعد ، فإن الله قد تكفل بنصر هذا الدين إلى يوم القيامة ، وبظهوره على الدين كله ، وشهد بذلك ، وكفى بالله شهيدا . وأخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة ، وأخبر أنهم بالناحية الغربية عن مكة والمدينة ، وهي أرض الشام وما يليها .

كما أخبرنا أنه لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، قوما صغار [ ص: 297 ] الأعين دلف الآنف ، ينتعلون الشعر ، كأن وجوههم المجان المطرقة .

وأخبر أن أمته لا يزالون يقاتلون الأمم حتى يقاتلوا الأعور الدجال ، حين ينزل عيسى بن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيقتل المسلمون جنده القادم معه من يهود أصبهان وغيرهم .

وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد دينها . ولا يكون التجديد إلا بعد استهدام .

وقال : "سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم ، فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة ، فأعطانيها" .

وما زالت دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - تظهر شيئا بعد شيء . وقد أظهر الله في هذه الفتنة من رحمته بهذه الأمة وجندها ما فيه عبرة ، حيث ابتلاهم بما يكفر به من خطاياهم ، ويقبل بقلوبهم على ربهم ، ويجمع كلمتهم على ولي أمرهم ، وينزع الفرقة والاختلاف من بينهم ، [ ص: 298 ] ويحرك عزماتهم للجهاد في سبيل الله وقتال الخارجين عن شريعة الله .

فإن هذه الفتنة التي جرت ، وإن كانت مؤلمة للقلوب ، فما هي -إن شاء الله- إلا كالدواء الذي يسقاه المريض ليحصل له الشفاء والقوة . وقد كان في النفوس من الكبر والجهل والظلم ما لو حصل معه ما تشتهيه من العز لأعقبها ذلك بلاء عظيما . فرحم الله عباده برحمته التي هو أرحم بها من الوالدة بولدها ، وانكشف لعامة المسلمين شرقا وغربا حقيقة حال هؤلاء المفسدين الخارجين عن شريعة الإسلام وإن تكلموا بالشهادتين ، وعلم من لم يكن يعلم ما هم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبعد عن شرائع الإسلام ومناهجه ، وحنت إلى العساكر الإسلامية نفوس كانت معرضة عنهم ، ولانت لهم قلوب كانت قاسية عليهم ، وأنزل الله عليهم من ملائكته وسكينته ما لم يكن في تلك الفتنة معهم ، وطابت نفوس أهل الإيمان ببذل النفوس والأموال للجهاد في سبيل الله ، وأعدوا العدة لجهاد عدو الله وعدوهم ، وانتبهوا من سنتهم ، واستيقظوا من رقدتهم ، وحمدوا الله على ما أنعم به من استعداد السلطان والعسكر للجهاد ، وما جمعه من الأموال للإنفاق في سبيل الله .

فإن الله فرض على المسلمين الجهاد بالأموال والأنفس ، والجهاد واجب على كل مسلم قادر ، ومن لم يقدر أن يجاهد بنفسه فعليه أن يجاهد بماله إن كان له مال يتسع لذلك ، فإن الله فرض الجهاد بالأموال والأنفس . ومن كنز الأموال عند الحاجة إلى إنفاقها في الجهاد ، من الملوك أو الأمراء أو الشيوخ أو العلماء أو التجار أو الصناع أو الجند أو غيرهم ، فهو داخل في قوله سبحانه والذين يكنزون الذهب [ ص: 299 ] والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ، خصوصا إن كانت الأموال من أموال بيت المال ، أو أموال أخذت بالربا ونحوه ، أو لم تؤد زكاتها ولم تخرج حقوق الله منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية