الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل: والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر، فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي متواترة من عهد الصحابة، فعلم علما ضروريا أنها ما غيرت. [ ص: 292 ]

والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف، وبين قراءة حمزة والكسائي وأبي عمرو و [ابن أبي] نعيم.

ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصة بالقراء السبعة، فإن هؤلاء إنما جمع قراءاتهم أبو بكر بن مجاهد بعد ثلاثمئة سنة من الهجرة، واتبعه الناس على ذلك، وقصد أن ينتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار. ولم يقل هو ولا أحد من الأئمة: إن ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل، ولا إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أنزل القرآن على سبعة أحرف» أريد به قراءة هؤلاء السبعة. ولكن هذه السبعة اشتهرت في أمصار لا يعرفون غيرها كأرض المغرب، فأولئك لا يقرؤون بغيرها لعدم معرفتهم باشتهار غيرها. [ ص: 293 ]

فأما من اشتهرت عندهم هذه كما اشتهر غيرها، مثل أرض العراق وغيرها، فلهم أن يقرؤوا بهذا وهذا.

* والقراءة الشاذة، مثل ما خرج عن مصحف عثمان، كقراءة من قرأ (الحي القيام) [البقرة: 255]، و (صراط من أنعمت عليهم) [الفاتحة: 7]، و (إن كانت إلا زقية واحدة) [يس: 29]، (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) [الليل: 1 - 3]، وأمثال ذلك فهذه إذا قرئ بها في الصلاة ففيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد:

أحدهما: تصح الصلاة بها; لأن الصحابة الذين قرؤوا بها كانوا يقرؤونها في الصلاة ولا ينكر عليهم.

والثاني: لا; لأنها لم تتواتر إلينا. وعلى هذا القول، فهل يقال: إنها كانت قرآنا فنسخ، ولم يعرف الذي قرأ بها الناسخ. أو لم تنسخ ولكن كانت القراءة بها جائزة لمن ثبتت عنده دون من لم تثبت، أو لغير ذلك؟ [ ص: 294 ] هذا فيه نزاع مبسوط في غير هذا الموضع.

* وأما من قرأ بقراءة أبي جعفر ويعقوب ونحوهما، فلا تبطل الصلاة بها باتفاق الأئمة، ولكن بعض المتأخرين من المغاربة ذكر في ذلك كلاما وافقه عليه بعض من لم يعرف أصل هذه المسألة.

* فصل: وأما حلف كل واحد أن أفضل المذاهب مذهب فلان، فهذا إن كان كل منهم يعتقد أن الأمر كما حلف عليه; ففيها قولان، أظهرهما: لا يحنث واحد منهم، والثاني: يحنثون إلا واحدا منهم، فإن حنثه مشكوك فيه، لجواز أن يكون صادقا، ولجواز كونهم سواء فيحنثون كلهم.

وإذا حنثوا إلا واحدا منهم وقد وقع الشك في عينه; فهل هو كما لو قال أحد الرجلين: إن كان غرابا فزوجته طالق، وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فزوجته طالق، وهذه فيها قولان في مذهب أحمد وغيره:

أحدهما: لا يقع بواحد منهما طلاق، وهو مذهب الشافعي وغيره، لكن يكف كل منهما عن وطء زوجته، قيل: حتما، وقيل: ردعا. [ ص: 295 ]

والقول الثاني: أنه يقع بأحدهما، كما لو كان الحالف واحدا وأوقعه بإحدى زوجتيه، وعلى هذا فهل تخرج المطلقة بالقرعة، أو يقف الأمر؟ على قولين أيضا في مذهب أحمد، والوقف قول الشافعي. والصحيح: أن من حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه; فلا طلاق عليه.

وأما مالك فإنه يحنث الجميع ولو تبين صدق الحالف، بناء على أصله فيمن حلف على ما لا يعلم صحته، كما لو حلف أنه يدخل الجنة. والنزاع فيها كالنزاع في أصل تلك المسألة.

وجمهور العلماء لا يوقعون الطلاق لأجل الشك، ومالك يوقعه لعدم علم الحالف بما حلف عليه، فهذه كما لو حلف واحد على ما لا يعلمه ولم يناقضه غيره، مثل أنيحلف أن مذهب فلان أفضل، وهو غير عالم بذلك.

*

التالي السابق


الخدمات العلمية