الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قاعدة : بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ، إلى جميع الخلق : أهل العلم والعبادة ، وأهل الولاية والإمارة من الخاصة ، وأكمل له ولأمته الدين ، وأتم عليهم النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا . فالهدى يدخل فيه العلم النافع ، ودين الحق يدخل فيه العمل الصالح ، فعاش السلف في ذلك الهدى ودين الحق . ثم ظهرت البدع والفجور ، فصار من الأمة من استمسك بالهدى ودين الحق ، ومنهم من عدل عن بعض ذلك ، فاستمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم ، وخاضوا كالذي خاضوا .

فالمنحرف إما المبتدع في دينه ، وإما الفاجر في دنياه ، كما قال الحسن البصري وسفيان الثوري وجماعات من السلف : إن من سلم من فتنة البدعة وفتنة الدنيا فقد سلم . وإن كانت البدع أحب إلى إبليس من المعصية . ففتنة البدعة في أهل العلم والدين ، وفتنة الدنيا في ذوي السلطان والمال . ولهذا قال بعض السلف : صنفان إذا صلحوا صلح الناس : العلماء والأمراء . وقد قال أبو محمد الرملي عن أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : بالماضين ما كان أشبهه ، وعن الدنيا ما كان أصبره ، أتته البدعة فنفاها ، والدنيا فأباها . [ ص: 43 ]

وقد قال الله تعالى : إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [التوبة :34] .

وقال ابن المبارك :


وهل أفسد الدين إلا الملوك . . . وأحبار سوء ورهبانها



فالأمراء من الملوك وأتباعهم يقولون لما أحدثوه : سياسة ، ويقولون : «شرع وسياسة » . والعلماء المتكلمون يقولون : عقليات وكلام ، ويقولون : «العقل والشرع » . والعباد والفقراء والصوفية يقولون : «حقيقة وشريعة » . وسياسة هؤلاء وعقليات هؤلاء وحقيقة هؤلاء أعظم قدرا في صدورهم من كتاب الله وسنة رسوله حالا أو حالا واعتقادا .

وبإزائهم قوم من الفقهاء والمحدثين والعباد والعامة ينتسبون إلى الكتاب والسنة والشرع ، وهم لا يعلمون من ذلك ما يحتاج إليه ، بل فيهم من الجهل بحقائق ذلك أو التقليد لبعض رؤسائهم ما أوجب نقص الكتاب والسنة والشريعة في قلوب أولئك . فتقصير هؤلاء وعدوان أولئك كان سببا لذهاب ما ذهب من الدين ، وظهور ما ظهر من البدع ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية